الحبُّ الباقي
الحبُّ الباقي
أنس إبراهيم الدّغيم
جرجناز/معرّة النعمان/سوريا
كان من أجمل ما قرأتُ لأديبنا الكبير و أستاذنا الرّائد عبدالله طنطاوي حفظه الله صفحاتٍ قدّم بها كتاب ( الحبّ في الإسلام ) لأستاذنا الكبير عبدالله ناصح علوان ، و كان ممّا جاء فيها :
( الحبّ : هذه الكلمة التي ما تكادُ تُذكر ، حتّى تضوّأ جوانبَ النّفسِ البشريّة ، وتهزّها هزّاً لتستريحَ على مهادٍ من العواطف النبيلة ، ترشّها كلمةُ الحبّ بالعبير ، و تنثر حولها الياسمين ، فلا يرضى المحبّ إلا أن يغتسلَ بماء السّماء .... بالماء الطّهور ....تسكبُهُ عليهِ يدٌ حانية ، ليتسامى فوقَ الدّيم ، يرفُّ كالحلُمِ الوضيْ ، يتوضّاُ بالمسك ، و يضمُّ من يحبّ داخلَ دائرة العطر ، و يحومُ به عبر سحابةٍ ورديّةٍ لا أحلى و لا أجمل ).
أجل إنّه الحبُّ ، معدنُ كلّ جود ، و هو في كرمةِ الحضرة الإلهيّة عنقود ، و أصلُ الحلالِ الطّيّب ، و نائلُ الخيرِ الوافرِ الصّيّب ، ومادّة الجمال و أرومةُ الجلال ، و نقطةُ السّرّ في التّكوين ، و تسنيمٌ من سدرة ربّ العالمين .
يخطرُ على الأرواحِ فتُسرُّ بذكره ، و على القلوبِ فتأتمرُ بأمره .
إنّه جوازُ السّفر إليه سبحانه ، و الشهادة الأولى على أنّ المحبّ من أهله ، أقصد الحبّ الذي يجعلُ المرَّ حلواً و الترابَ تِبراً كما وصفهُ بذلك مولانا جلال الدّين الرّومي رحمه الله .
إنّه الطّلُّ الرّخيُّ و القطرُ الصّفيُّ الذي يجلو عن الفؤادِ غبارَ الهمّ الشّرود ، ليستقبلّ بعد ذلك نديّ الحياة الهانئةِ و عبَقَ الإيمانِ الأذفر .
و إنّه ندى الإيمان المتساقطُ من المحلّ الرّفيع على القلب الفقير ، و النّورُ النّازلُ من قبّةِ الكأسِ الأوفى إلى القلب الطّهور ، و لن يطهرَ قلبٌ و يصفوَ إلا بذينك الوافديْن .
الحبّ : هو بَردُ اليقين الذي يثلجُ حنايا النّفس و يزكّيها ، و ينوّرُ أركانَ القلبِ و يطيّبه ، فإذا ما تحسّستهُ الجوارحُ و الأعضاءُ و استباحتْ وارداتُ هداهُ أركانَ الجسد ، هتفتْ كلّ خليّةٍ فيه بـ ( لا إله إلا الله ) ، و كلُّ حجيرةٍ بـ ( محمد رسول الله ) ، و استقرّتْ خلجاتُ النّفس على وارداتِ صدى ( ألا بذكر الله تطمئنُّ القلوب ) .