البحث عن نقطة

عبد الله سعد الحميدي

البحث عن نقطة

 عبد الله سعد الحميدي

[email protected]

كان ابن المقفع رحمه الله يقف قلمه كثيرا أثناء كتابته ، فقيل له في ذالك فقال : "  إن الكلام ليزدحم  في صدري ، فيقف قلمي ليتخير "

و لما كان يراع ابن المقفع يقف ليختار، فقد غدوت ذات حين لأحذو حذوه ، فامتطيت صهوة يراعي  ، وقد كنت تسربلت بما كنت أظنه كافيا من العلم والأدب ، فإذا بقلمي يقف كثيرا ، فلو سألني سائل آنذاك لقلت

" إن الكلام ليموج في صدري ، فيقف قلمي .... فيحتار  ! "

وليس ما بيني وبينه كبير .! أليس بيني وبينه نقطه !!

ولئن كان قلمه يقف ليختار ، فإنما ينتقي من كلام قد توافق بعضه مع بعض ، فيغرف من وعاء  قد خلا إلا من الحسن والأحسن ، ماء ليس فيه ما يكدره ، فأمن إذ ذاك ان يخرج بما تمجه الأسماع فيثقل عنده الإستماع  وينأى بعيدا عن منازل العقلاء .

فشتان بين من كان له الإختيار بين تفاح ورمان ، و مسك وورد وريحان ، ومسك وعنبر ، و قراح وكوثر ، و فإن حال بينه وبين السيرفي الغداة لم يثنيه ذلك عن السير في ضوء القمر ، إن شحت بالذهب كفاه فليست تعدم  الورِق

وكأني أراه ينزع من حوض ملأه من آبار شتى ، بساعدين فتيين : عقل ذكي

وفؤاد مُنَوّر.

ما أحوجني إلى ساعد كساعديه ، فقد  أتسعت مخلاتي حتى سقط منها ما سقط .

وكلما رمت أن أكتب ، أعتراني ذهول كذهول الشيخ الهرم ، فقمت مسرعا كي ألوم نفسي وأعاتبها ، فدار لي معها حوار طويل أمتد قرابة ثلاثة أشهر ، فعلمت بعد تلك الجلسات المطوله أن سبب ترددي وإحجامي  كان كما علمت أني اجمع في  حوضي تراب و تبر ، وشعير وطحين وماء وطين  وحرائر وإماء ، فحريٌ أن أنزع نزوع  الوجل المرتقب ، والأجدر بقلمي أن يعكف طويلا لينتقي .

و لازلت حتى هذه اللحظه  أسكن بين رفوف مكتبتي مؤملا ً بالظفر بتلك

" النقطه " العصّية .!

حتى يشرق شمس ذالك اليوم أو يبتسم البدر على صفحة  ذاك المساء

وقد وقف قلمي ...... ليختار