من وحي الأبوة
فاطمة الزهراء الناصري
أتدرون من أبي؟ إنه ذلك العامل البسيط، الذي شحذ مهجتي عزما و إرادة وتحديا... ذلك الرجل الذي لو حشدت كل كلمات الود والهيام والألفة...لم تعدل حبه لي! أما أنا فبحبه، وخضوعا لرغبته، وأحيانا استجابة لاستفزازاته، أكتب هذه الكلمات؛ فكانت من وحي الأبوة.
نصيـحة أبي
تخولني أبي بالنصيحة يوما فقال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم "هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم"[1]! فقلت: وكيف ذلك يا أبي؟
فقال: أحسني إلى من لا تنتظرين إحسانه إليك لضعفه، ولا تخشين من قد يؤذيك لجبروته وقوته، سيقدرك الأول إذ لم تهزئي به، ويخشاك الثاني إذ لم تخضعي له، وسيرفعك الله لأنك لم تعبدي سواه!
هممت بالكلام فاستدرك أبي: قد يتجبر الضعيف بعد طول إحسان، ويخضع القوي بعد أن لم ينفعه الطغيان، لا تعبئي بالأول، ولا تستكيني للثاني، استمري في الإحسان، فإن قيل إنما تفعلين ليقال... فإن الحديث قال:"إنما الأعمال بالنيات"[2] لا تعبئي بقولهم أبدا، ثم استرسل وكأنه يجيب عن عين الإستفهامات التي نضحت ملامحي عن بعض علاماتها؛ من تجبر على العباد بجبروت الله ازدروه ونبذوه، ومن استكان ورفع مقام الله رفعوه، التواضع والاستكانة مع القوة هما الرفعة نفسها، والتكبر ولو مع التمكن هو عين الذل.
هممت بالكلام فاستدرك أبي مرة أخرى: فإن قيل وما جدوى رفع الضعفاء إذا جافيت الأقوياء؟ فاذكري الحديث: "هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم"فقلت سمعا وطاعة أبي.
[1]- صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب.
[2]- صحيح البخاري، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله، حديث رقم1.