عاد من يحملني وأحمله

عاد من يحملني وأحمله

حازم حسين

لعلكم تستغربون هذا العنوان لكن القصة يا سادة وببساطة شديدة أن حذائي سُرق حين كنت أؤدي صلاة العشاء في أحد المساجد.

لم أصب بالصدمة ولم أضرب كفاً بكف ذلك أن مأساة حذائي تهون أمام سرقات وسرقات تتعرض لها شعوب وأوطان.

أدركت بواقع الحال أن ما ذهب لا يعود إطلاقاً.

سلمتُ بقضاء الله وقدره، وهممت بمغادرة المسجد باحثاً في ظلمة الليل عن أكثر الطرقات أماناً وسلامة وأنا حافي القدمين، أخاف من غدرات الطريق وعثرات المكان وأشواكه وأوحاله.

فكرتُ في أن أطلب من قيم المسجد حذاءً مهترئاً أستعين به على الوصول إلى حيث أقصد. وكان أن استجاب لطلبي فزودني بحذاءٍ شعرت وأنا أنتعله بعظيم نعمة الله عليَّ فما من شدةٍ إلا ويتلوها فرج وعافية.

انتعلته فطاف بخيالي حذائي المسروق، كم كان مريحاً وواسعاً وملائماً لمقاس قدمي، فقلت في نفسي “الله يعوض عليك” ولا عزاء في الحذاء.

في تلك اللحظة قدم الوافد المبارك يسألني هل سُرق لك حذاء فأجبته وكلي أمل: نعم، فقال مسرعاً ومن معه: نحن نعرف من سرقه فانطلق بنا.

قلت لهم: وهل تعرفون مكانه ومن يكون، أجابوا بكل ثقة: أجل، قلتُ في نفسي: ممكن، لم لا؟ لعله يعود، وانطلقت معهم وأنا بين يأس ورجاء.

المكان مظلم والأزقة كثيرة والروائح تزكم الأنوف، أغذُّ السير وراءهم وكأني ألحق سراباً، حتى وصلنا إلى هدفنا، لم أستطع مواصلة السير معهم بسبب كميات كبيرة من المياه تتجمع في الزقاق المؤدي إلى بيت الجاني، فانتظرتهم على مقربة من ذلك البيت، وبعد مفاوضات لم تدم طويلاً، جاءت البشرى أن قد وجدنا حذاءك فاهنأ.

هل هذا هو الحذاء؟ بادرني أحدهم…

تفحصته في عتمة الليل.

نعم هو بشحمه وجلده.

حمدتُ الله وحمدت لهم صنيعهم هذا، ثم سألتهم من السارق؟ فأجابوا: ولد في العاشرة من عمره وهو الآن يتلقى من أبيه ضرباً موجعاً.

قلت: هذا لا يكفي ينبغي أن يساق إلى قسم الشرطة.

ضحك الجميع: الشرطة!! نصف أولاد هذا الحي يسرقون سيمتلأ القسم بالسراق يا أستاذ.

قلت: لا حول ولا قوة إلا بالله.

أسدوا إلي نصيحة بعدها: ضع حذاءك أمام ناظريك ولا تغفل عنه ساعة.

أدركت عظم هذه النصيحة.

قلت لهم: لا يلدغ المؤمن من جحرٍ مرتين.

ثم مضيت قافلاً وأنا أرحبُ بمن يحملني وأحمله!!.