أنثى الجدار
أنثى الجدار
لبابة أبو صالح
-1-
و لماذا تعتبرُها شتيمةًً حين أكونُ أنثاه .
إنه أكثَرُ الأشياءِ تعبًا ..
و هو الذي كان منه الحطامُ .
و هو الذي لما رسمَ ذوو الريشةِِ و الألوانِ لوحاتِهم احتمَلََ صدرُهُ ألمَ المساميرِ المُدبَّبَة .
و احتَمَلَ بردَ الشتاءِ ليأوي الإنسانَ .. على أيِّ حُسنٍ أو بشاعةٍ نَفسيَّةٍ كان
و هو الذي لما كانَ شيئًا ( مُذَكَّرًا ) .. كنتُ أنا ( أُنثاه ) !
.
.
-2-
الخطيئةُ ألا نفهَمَ الجدار .
الخطيئةُ ألا نُشبِهَ الجدار ..
و ألا نكونَ شيئًا ذا قيمةٍ يحوزها هو !
.
.
-3-
فإذا هَرِمتَ و لمْ تعدْ أضلاعُكَ تحتَمِلُ صليلَ البردِ و الألمِ .
كُن ترابًا .!
إنما رَجْعُنا إلى الترابِ .. مَوتًا و بِلًى !
.
.
-4-
و صامتٌ بلا ألوان .
تُلوِّنُكَ أصبِغَتُهُم .. و تُصِرُّ معَ التقادُمِ أن تتقَشَّرَ لتُبينَ
لونَكَ الأصيلَ .
فيُعيدون تلوينكَ .
و تتقشَّر .!
و يلونون .. فتتقشَّر .!
فإذا هُجِرْتَ .. و ارتحلوا .. أفصَحتَ عنكَ , و طيَّرَتِ الريحُ خلفَهُمْ قشورَ الألوانِ !
.
.
-5-
أ لمْ يسْألِ العباقِرَةُ رؤوسهم : " لماذا يأنَسُه الإنسانُ فيُسند رأسه إليه ؟! " ..
أ لم يسألوا أنفُسَهُم لماذا هذا الائتناسُ و هوَ صلبٌ قاس !
ليتهم سألوا .
لِيفهموا أنهُ كائنٌ يُجبركَ أن تُصادقه .. دونَ أن تشاء !
.
.
-6-
و لهُ ظلٌّ و فَيْءٌ .
تمامًا كالأشجار !
.
.
-7-
حينَ كنتُ صغيرةً .. كنتُ أبادِلُ الأشياءَ دوري . و ألعبُ دورَهم .
فلما بادَلْتُهُ الدورَ ..
وقفتُ وجهي إليه .. و ألصقتُ خدي و أذني به .
فتحتُ ذراعيَّ و التصقتُ بجسدي كلِّهِ .
و أغمضتُ عينيَّ كالميتة ..
حتى لم يعُدْ بيننا أيُّ فرقٍ غيرَ الهواءِ الذي أتنفَّسُهُ .
.
.
-8-
الصدى .
صوتُ الجدارِ حينَ يخلو المكانُ .
إنه لا يُحِبُّ الفوضى و الزحام .
و لا يُحِبُّ الكلام !
كأنثاهُ تمامًا !
.
.
.
-9-
لمَّـا طال جِدالهم .. و فقدوا أبجديةَ التفاهمِ و لغتَه !
هربوا إلى النومِ .
تركوا كلَّ ما خلَّفوه من صدًى .. يرتدُّ بين ذاكرتي .. و الجدار .
و جاءَ الصبحُ لأصداءِ جدالٍ جديدٍ .
و الجدارُ صابرٌ و أنا !
.
.
-10-
سهلٌ هو أن نُحِبَّ الأشياءَ .
فقطْ ..
أن نُفكِّرَ كيفَ سيكونُ لو أنها تشعُر .!