وهم الحب

سوزان نبيل الشرايري

سوزان نبيل الشرايري  *

[email protected]

الحب حاجة إنسانية فطر الله القلوب عليها وكل منا ذكرا أو أنثى يسعى لإشباعها حتى يحقق بهذا الإشباع راحته وسكينته من جهة وإتماما لرجولته أو أنوثتها من جهة أخرى .

ولكن عندما يصبح الحب هو الهاجس الوحيد الذي يشغل البشر والشاطئ الوحيد الذي تبحر إليه كل السفن عندها لا بد من إعادة ترتيب أولوياتنا بشكل أفضل يريح رؤوسنا من ذاك الصداع المزمن المسمى بالحب ظاهرا وباستغلال العواطف والتلاعب بالمشاعر حقيقة .

ولا أريد من احد أن يظن بأنني ضد الحب وأهله ولكنني ضد هذا الاستخدام الظالم بحقه فانا أؤمن بأن كلا منا يعيش حالة حب تجعله مرهف الحس منطلق الهمة ولكن ليس الحب مجرد عاطفة رعناء بين رجل وامرأة غريبين بل هو لفظ عام يطلق على كل شيء تميل إليه نفسك فأنت تحب دراستك فتنجح بها وهذا يحب عمله فيتقنه وذاك يحب والديه فيبرهما وهذه تحب زوجها حلالها وتطيعه فتجني قلبه والجنة .

إذا ليس الحب حكرا على الشباب والفتيات فلماذا إذا نضيق دائرته  ونحبس حريته ؟لماذا نحرمه من ذاك الإحساس بالعمومية والشمولية ؟

وقد سمعت العديد من الحكايات عن فتيات وشبان رسموا بأقلام رغباتهم أحلاما عديدة حول فتى أو فتاة الأحلام فما أن وجدوا أحدا يجسد هذه الرسومات تمسكوا بل تشبثوا به باسم الحب والعشق والهوى .

مثلا وللإيضاح وليس على سبيل الحصر نأخذ نموذج الفتيات :

حيث تجد الفتاة تسهر الليالي وتذرف الدموع وتنظم شعر الغزل والغرام في شاب لمجرد انه نظر إليها أو ابتسم في وجهها أو وافق طموحاتها وأحلام يقظتها فتعاني وتتألم ويتوجع ذاك القلب المسكين فيصير الهجر والحرمان داؤه والوصال والغرام دواؤه.

فمع كل تقديري للحب وقناعتي بأن السعادة الحقيقية هي عندما تسكن نفسك إلى من تحب إلا أنني أؤمن مطلقا بان الحب عندما يكون من طرف واحد يصير لعنة لا تحمل لصاحبها سوى البؤس والشقاء.

فعندما يكون الحب من طرف واحد والصبر والعطاء من طرف واحد والتنازل والتضحية من طرف  واحد فهل تظنين أن النتائج ستكون طيبة ؟؟!

بالطبع لا. لأنك عندها ستضطر للقبول بجميع الشروط  المادية وستغير مسار حياتك لأجل الطرف الآخر ,ثم تتوالى سلسلة التنازلات والتضحيات لأنك تتعامل مع طرف يشتري ويبيع وفق حسابات لا تدر له سوى الأرباح وهذا ليس ذنبه فمن حقه أن يتعامل بما يوافق مصالحه أما لغة القلب التي تتعامل أنت معه بها  فليس مضطرا للخضوع لها.

لذاك لا بد من التيقن بان إنجاح أي علاقة إنسانية سواء في الحب أو الزواج أو الصداقة لا بد أن يكون الحرص على إنجاحها متبادلا بين الطرفين لان استمرار التضحية من طرف واحد سيوصل المرء إلى إحدى أمرين إما السقوط والانهيار في منتصف الطريق أو استمرار إذلال وامتهان النفس حتى تصل لمرحلة التبلد وكلا الأمرين يصرف هذا الحبيب المنتظر لأنه وببساطة لن يقاوم طبعه الذي اعتاد الزهد فيما لا يبذل به جهدا .

كما أن البدايات الخاطئة لا تؤدي إلا لنهايات فاشلة ومن لا يثابر للفوز بي فلا يستحق مني التفكير به ولو للحظات ولن أكون أبدا من عبيد العاطفة ,فنحن يجب أن نكون عبيدا لله وحده أما الناس فنتعامل معهم بكل كبرياء واحترام كامل لإنسانيتنا .

فلا نلهث وراء من يطردنا من حياته لان ذلك يساهم في تقليل أسهمنا لديهم ويجعلهم يروننا بأقل من قدرنا وقد قيل إذا كنا نهوّن من أنفسنا فلا يحق لنا لوم الآخرين لاستهانتهم بنا.

وقد يقول قائل إن ظروف بيتي أو نفسيتي المرهقة تجعلني ابحث عن شخص أحبه وأشكو له فيريح هذه النفس المتعبة بعبارات التودد والغرام والمزيد من الرعاية والاهتمام .

وسأجيب على ذلك بأن بعض الدراسات أشارت إلى أن الناس يكونون مؤهلين لبدء علاقة عاطفية عندما يتدنى مفهوم ذاتهم لأي سبب(كالصدمة العاطفية أو موت عزيز أو الإهمال اسري أو الغيرة ...) فيبحثون عن آخر يكمل تصورهم .ولكن هل اللجوء إلى علاقة خاطئة في ظلمة المعاصي والآثام هو الحل ؟؟هل الارتباط بشخص لا يدرك قيمتي كأنثى حرة شريفة هو السبيل إلى النجاة؟؟

فكري اخيتي قبل أن تجعلي من حياءك معبرا يدنّس بأرجل هذا وذاك فكري قبل أن تجعلي سمعتك وشرفك معلقة على همز هذا ولمز ذاك .

وإن كنت ستقولين لي أحبه ولا استطيع العيش دونه وأمر قلبي ليس بيدي فسأقول لك بأن الإنسان يمر بمراحل خلال علاقته بالآخر يكون أولاها المشاعر والميل وهذه المراحل غالبا ليس فيها إرادة ولكنها تتميز بالقدرة على التحكم والسيطرة في عدم التمادي ويليها مرحلة العلاقة وهذه يكون للإرادة فيها دور .

لكن هذا الكلام لا يعني موافقتي لك على الاستسلام ,فالإرادة القوية تجعلك قادرة على صنع ما تريدين وتغيير كل عاداتك ,والموضوع ليس أكثر من حالة ثوران على ما اعتدت عليه فنحن أحيانا نرفض الخروج من تجربة مؤلمة لاعتيادنا عليها ولأنها أصبحت من مكونات حياتنا وسطور ذكرياتنا ,لذلك يجب التنبه يجب التنبه من ذلك وعدم التمادي به لان الخاسر الوحيد في هذه اللعبة هو أنت وأنت وحدك .

فأنت كمن وضع نفسه في سجن وأغلقه عليه من الداخل وبدأ يصرخ كيف اخرج منه .

قومي فورا بفتح باب السجن فليس هو الشاب الوحيد المناسب في الكون لأنه ببساطة ليس من نصيبك والخالق سبحانه وتعالى سيرزقك من هو خيرا منه إن تعففت وتخليت عن التفكير بأنه لا يوجد غيره. قد قالت هيلين كيلر"عندما يغلق في وجهنا باب من أبواب السعادة يفتح باب آخر ولكننا غالبا ما نحدق في الياب المغلق فننسى الباب الذي فتح أمامنا " .

إذا الموضوع في نهاية الأمر عملية ضبط الميزان لديك :الكفة الأولى فيها سلسلة دائمة من التنازلات في سبيل القرب ممن تحبين والكفة الأخرى فيها كرامتك ومستقبلك سمعة اهلك ورضا ربك فمن سترجح عندك؟؟

أنت صاحبة القرار الوحيد .لذلك أعط نفسك فرصة للتفكر والنسيان ولا تتعجلي بالارتباط بآخر حتى يتعافى قلبك من آلامه ثم افتحي قلبك لمن يمنحه الحب والعطاء على سنة الله ورسوله وفي نور الوضوح والعلن وليس ظلمة السر والآثم.

               

*م*ماجستير تربية إسلامية

جامعة اليرموك