التوظيف الظالم للحادي عشر من أيلول سبتمبر 2001
التوظيف الظالم للحادي عشر من أيلول سبتمبر 2001
والحل الذي يحمل الاستقامة
محمد السيد
قال تعالى : " إن هو إلا ذكر للعالمين لمن شاء منكم أن يستقيم " التكوير _27 ، 28 _
أينع مؤتلق الكلام ، فأيقظ فيك لواعج الوجد ، غير أن جرحك يكتوي بمنافي المادية ، التي أيقظت غرائز التوحش في قلب الإنسان وعقله و من بين يديه ، حتى إذا خلّفت أنقاضاً وخرائب في دواخله وفي سيرة حياته ، حاولت أن تتعالى في باصرته المثخنة من جراح الحداثة ؛ بآلات واختراعات وتقنيات . وذلك أملاً في التغطية على أرض ملأتها الدبلوماسية الخشنة بالرعب ، وعبأتها بالكره ، وعلبتها في وصفات ، تخدم الوحوش المفترسة ، حاملة لافتات الحنو والحرص على حقوق الإنسان ..!! فلما أتتها الأمم طوعاً أو كرهاً ، وعنت وجوهها من خواءٍ وصغارٍ لأفاعي العصر .. غدا بعضنا يرد على بعضنا .. فيستعرض البعض الأول سخريته واستخفافه بشعار : الإسلام هو الحل ..! ترفعه جماهير مهتدية ، ولكن أيديها مغلولة بشوك " المرار "و هؤلاء البعض مسلمون ، و المفترض أنهم يحملون الإسلام على أنه هو الحلّ ؛ مثلهم في ذلك مثل حاملي الشعار ؛ لأن حمل الإسلام على هذا الوجه ليس فيه مجال للاختيار ، فهو واجب كل من يقول : إنه مسلم ، برهاناً منه على صحة الادعاء ، إذ أن من يحمل هذا الاسم عليه واجب جعل الإسلام عملياً ورؤيوياً هو الحلّ لنا وللعالم .. وهذا هو المعنى الحق ، والبرهان الساطع على حقيقة إسلام كل مسلم .. و إلا كان التمسك بالاسم والاكتفاء بالإعلان : قولٌ ليس له في عالم الواقع والقبول عند الله أي أثر أو مصداقية ، ويظل الجوهر فارغاً خاوياً يتخبط حامله بين المتاهات، التي وُضعنا داخلها ، وقيل لنا : إن الحل تجدونه في هذه المتاهات التي رفعت لافتات ومصطلحات لامعة براقة مثل : الحداثة، التقدم ، العصرنة .. الخ ). " ويا قوم مالي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار ". لقد جربنا أن نُقْدِمَ ، لنمسك بأي من هذه المصطلحات إلا أننا وجدنا أيدينا قد أدميت بوحشية المصطلحات وبربرية حامليها ، الذين يلقون بها شباكاً ومصائد تلتقط الواهمين الضعفاء . الذين ساقتهم عثرات الوهن والوهم والضياع إلى الركون للاسم وحسب .. أما المحتوى والمعنى والرؤية .. فقد توهموا بأنها موجودة في سوق الدعاية ، التي عبأتها ثورة الاتصال وكثافة الميديا بمظاهر لامعة ، في حين أنها أبطنت كل التضليل والتزييف والأكاذيب ، وهنا يكون دور الإسلام دوراً عظيماً منقذاً ، وتبرز الآية الكريمة : " إن هو إلا ذكر للعالمين ، لمن شاء منكم أن يستقيم ". رافعةً الإنسان من تلك التخوم التي قادته إليها تلك المتاهات ؛ فالذكر الوارد في الآية هو القرآن .. هو الإسلام .. وهو الحل ، وفيه البلسم للخروج من مآزق الإنسانية التي حشرتها فرية ( الحرب على الإرهاب ) في مراتع الخبال ، وأخرجتها مطامع تلك الحرب إلى ساحات النطع ، لتجد القتل عياناً في كل اتجاه ، تصل إليه الأبصار أو تسمع به الآذان، ولتجد النهب والسلب على أشدهما ، إذ حولت قوى الطغيان يوم الحادي عشر من أيلول من عام ألفين وواحد إلى جدار للبكاء شبيه بجدار الزير سالم .. الذي ذهب في القتل والسلب والتخريب مذهباً فريداً ، جعل القتل يجر القتل ولا يشبع ، في بكائيةٍ على قبر كليب تنتج حقداً أسود ، وعقلاً مريضاً ، ينطلقان من صدرٍ متقيحٍ ، فكلما طرح السؤال : هل يكفي ما كان من قتل وسلب وهيمنة ..؟ يأتي الجواب من جدار البكائية : ليس بعد ...!! .
* " إن هو إلا ذكر للعالمين " .. ذكر وتذكار ودعوة مفتوحة للعالمين ، فهي تنطلق ما بين جبهة : " فاستقم كما أمرت " ، التي نبذتها فورة العصر ، واتخذتها سخرياً ، منتهية إلى صدِّ : " ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير " ، ذلك النهي الذي ابتلعه الزمان ، وأغرقه في موجه ، حتى غدا جبين الوقت غائراً في عدمية الشكل واللون ، مرخياً سدل الحزن ، مباشراً وجع اللقمة واليوم ، منهكاً ضمير الفرد ، داخلاً بالقلوب قلاع الشهوات ومراتع اللذات ، جاعلاً من كل ذلك أئمة تقود ركب الحياة بلا هوادة إلى عري الحظائر ..
* " لمن شاء منكم أن يستقيم " : من أراد قلب المعادلة الشرسة ، التي قادت ركب الحياة إلى ما بيناه آنفاً ، فلينحز إلى قوله جل وعلا : " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا " . وعندئذٍ يهرب الخوف من الساحة ، ويتسرب الحزن إلى العدم ، وتتجول في الساحات بشارة الاستقامة ، ينادي بها الذكر للعالمين ، هديةً تُزف فوق أحصنة العز ، حاملةً عطر الآية الكريمة : " فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ". وعلى الفور يتضوع في الناس عبق السنابل ؛ يتفجر من رحمها الخصب والصدق واستقامة الحياة ، ونظافة المسير ، ويتألق في الربوع سلامٌ يدك مرابع الأوهام .. ويهتك ستر المتخفين خلف زيف التحرير والديمقراطية وحق الإنسان .. وعندئذٍ ينتحر الهوان على بوابات الإقدام ..
* وهذه ليست دعوة محلية أو قومية أو خصوصية لأحد .. إنها لكم جميعاً أيها الناس : " لمن شاء منكم أن يستقيم " . فيها يكمن الحل الذي لا تستقيم حياتكم بدونه .. ومع ذلك فرب هذا الكلم الغالي ، يفسح لكم ولا يكرهكم .. فقوله " لمن شاء منكم " ، يرفعكم إلى مقام الإنسان المكرم عنده ، لٍيُفَعِّلَ فيكم خاصية التفكير ، وخصوصية الاختيار ، وهما اللتان ميز بهما الإنسان عن باقي مخلوقاته .. أفلا يكون التجاوب على قدر المنحة ..؟ أفلا يكون الاختيار بقدر العقل العظيم الذي وُهٍب ؟ أفلا يرعوي أقوام حاولوا في كل القرون أن يزلقوا الناس في أتون اللهب ، وَوَرَثَتُهُم اليوم ينسجون للإنسانية من جديد عرياً من خوف ، ويمضون لتجفيف الأرواح من نقي المنابع ، وفي ربيع المواسم قلبوا الحظائر التي حاصروا فيها الإنسان إلى مقاتل ومنافي ومساحات اجتياح غادر ، معنونةٍ جميعها بشماتة السلام وإدانة الضحية وخزي المتعاونين ..
* إنها دعوة تراثها عميق عمق الوجود الإنساني فوق الأرض ، جرى في نسغها منذ وجدت عرق الأنبياء ودموعهم ودماؤهم ، ورفدت النسغ جهود الأتباع على مدى الزمان كابراً عن كابر ، وقد انتهت وراثتها اليوم إلى حركة الإسلام العصرية التي رائدتها دعوة الإخوان المسلمين .. فهي تحمل اليوم العبء الذي قال عنه رب العزة : " إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً " وهي صابرة مرابطة مع شقيقاتها من فصائل الدعوة على ثغر : " الإسلام هو الحل " ، وهي ليست كما يحلو للبعض أن يتفلسف : بلا برامج ولا رؤى .. بل هي في كل المراحل قدمت الرؤى والبرامج والأجندات .. منذ الذي جاء في رسائل إمامها حسن البنا ؛ من طرح عملي مبرمج سياسي واقتصادي وتنظيمي ودعوي حركي وحياتي ، إلى الذي تقدمه حركة الإسلام اليوم من برامج ورؤى ومشاريع عملية تركزت في أدبيات الحركة في كثير من الأقطار .. ونحيل المماحكين إلى المشروع الذي قدمته الجماعة في مصر ، والمشروع السياسي للجماعة في سورية وإلى ميثاقها للعمل الوطني ، و إلى ميثاق العمل الذي شاركت الجماعة الإسلامية في لبنان في وضعه . وأخيراً وليس آخراً نقول : فما ذنب الجماعة إذا كان الناس لا يطَّلعون ، ولا يقرأون ، أو أنهم يتجاهلون ما تصدره حركة الإسلام هو الحل .. ؟! .