تلاقي الأضداد

تلاقي الأضداد

يمان رياض حكيم *

كيف يوضع الضدان في شيء واحد؟ كيف يكون السم القاتل و السم الشافي في كأس واحد؟ كيف يجتمع الداء مع الدواء في مسحوق عجيب الصنعة؟ كيف تختلف الموازين و يصبح المحب هو القاتل و الضحية تكون المحبوب بل كيف يستمتع الأخ و يفتخر بقتل أخيه, كيف يمكن للإنسان أن يمسك خنجراً مسموماً و يقف بكل شجاعة و يقوم بطعن نفسه؟ كيف يقف الحبيب أمام الحبيب و يتلفظ بكلمات قاتلة ذابحة مسمومة لتدخل قلب حبيبه فنكوي, و تقتل. و تذبح, و في اللحظة ذاتها يقتل نفسه بتلك الكلمات؟ كيف تكون الراحة و العذاب في الوقت ذاته؟ كيف ينفطر القلب من نار البعد و يحترق بنار القرب, كيف يكون القاتل و المقتول شخصاً واحداً, كيف للإنسان أن يضحك و يبكي في اللحظة ذاتها؟ كيف يكون القلب مذبوحاً يرفرف في الأم و الشفاه ترسم عليها ضحكةً ساخرةً؟ كيف...؟! و كيف؟!... أمعقول كل هذا التناقض؟ أيجتمع التضاد لهذه الدرجة الجنونية؟ أمعقول أن توجد هذه الأشياء في الواقع؟ أم أنني في كابوس و أريد الاستيقاظ منه بأية طريقة ....

كل هذه أسئلة تراودني و لكني وحدي في هذا.. لا بدّ أنها تراود كثيراً من الناس و لو ظلّ الإنسان يسأل نفسه و يبحث عن الإجابة حتى موته لن يلقاها ذلك الإنسان المعجون من الطين و الماء و النار.

خلقه الله من طين ليكون قادراً على الامتصاص و تمون الطيبة من سماته و تبقى نفسه في قبول مستمر نحو الدنيا و ما فيها. كما هي الأرض المتعطشة. مهما أغرقتها بالماء فإنها ما تكاد تمتصه حتى تجف و يتشقق وجهها . كذلك الإنسان مهما أعطيته من حب و عطف و حنان يبقى متعطشاً لذلك. و في الوقت الذي ينقطع عنه هذا تراه قد ذبل و يئس من الحياة ثم انعزل, أو قد يتحول إلى إنسان طاغي يواجه كل من يلقاه بقسوةٍ شديدةٍ .

و هنا تكون النار قد طغت على الطين فأصبح يابساً كفخار. و أصبح قلبه كحجر الصوان. في ذلك الوقت مهما حاولت إعطاءه عاطفة فلن يعود كما كان لن العاطفة في ذلك الوقت ماءُ ينزل على زجاج شديد السخونة فينفجر أو يكون كحجر يضرب ذلك الصوان فتنتج الشرارة التي قد تحرق كل ما تواجهه أمامها.

و خلق من ماءٍ ليحمل ما يوجه إليه من كلمات لاسعة و أفعال حارقة, خلق من ماء ليحيى كل قلب ميّت كل قلب قاسي حتى حجر الصوان إذا ظللت تصب عليه الماء فقد يخرج من تلك الصخور عشب أخضر يحي القلب الميّت بعد موته. أما النار فقد دخلت إلى قلب كل إنسان فمنهم من استطاع السيطرة عليها فأطفأها بماء الإيمان أو امتص حرارتها برطوبة طينية, و منهم من لا يستطيع السيطرة عليه فأحرقته بلهيبها و أحرقت من حولها و حتى أقرب الناس منه و ياله من عذاب شديد واجهه الإنسان. إنها نار القلوب و العقول.

      

* أديبة سورية من حلب