احتكار العلم .. ظلم

احتكار العلم .. ظلم

محمد السيد   

يقول الشاعر :

" بعض " الناس هناك نيام

" بعض " الناس أضاعوا المنطق والأفهام

أرسل الله الرسل بالبينات وأنزل معهم الكتاب .. لماذا ..؟ " ليقوم الناس بالقسط " .

العدل .. العدل .. أساس الحياة السديدة الآمنة ، والعدل هنا : هو رحمة الله يبعثها هدية إلى الأرض لتعمَ الجميع، وتمس كل شيء في الحياة .. عدل في الحكم ، عدل في التعامل اليومي ، عدل في العمل ، عدل في الأسرة ، عدل في الدائرة .. في المدرسة ، في المزرعة ، في الخيمة والبادية ، في الشارع ، في المتجر ، في السوق ، في العلم ، في الرأي ، وتبادل الرأي ، في الدين ، في الحكم على الآخر مهما كان الآخر .

لكن هناك بعضاً من الناس ناموا بين القرون ، ثم استفاقوا ، ليجدوا الشوط بعيداً بينهم وبين اللحاق بأطياف الحياة المتفلتة من بين أصابعهم ، الهاربة من أفهامهم الجامدة ومنطقهم الذي لا يحسنون غيره ، فسكنوا بين الحسد والجمود ، صامدين هناك كصخر الكثبان ، تظل جامدة حتى يدفنها نهر الرمال المتجدد كل آن ..!

أعوذ بالله من ظمأ الجهل والحسد، ربّ اغسلني بماء الوداد ، وبخلاص الروح من ظلمة الجسد وحلكة الحسد ، تلوت آياتك الفذة ، تقول : " أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله .. " فركلت أوزاري ، وشِمتُ الترفع ، ولذت بأمل المدد منك بصبر وأناة ، هما النور ينجم غبَّ ادلهم الخطب ...

تعالوا بنا نتطلع على مرابع الالتباس ، تنجب الانكماش على الذات ، وترنو إلى سقف واطئ وأفق معتم ضيق ، وتدور في فلك المشتبهات ، لتجزم في المآل : أن التعصب لاتجاه واحد واجتهاد فردٍ هو السداد .. مع أن مرابع هؤلاء تزخر بكلمات اللعنات للتحزب والحسد لما حققه البعض من امتداد فوق الساحة الإسلامية ، ومن انطلاق بوسطية الإسلام ومرونة اجتهاده ، وانفتاح يقينه على حاجات الأجيال وتغير وسائل وآليات التقديم والادعاء والدعاية والدعوة ، إلى آفاق التأثير والاختراق البعيد لجدران الاحترام والتقدير لهذا الدين ، وإمكان حضوره الفاعل في ساحات العالم ..

جدير بالشكر والأجر قيام البعض بتقديم الإسلام بحلة جديدة تناسب عقل ووسائل الجيل الحاضر ، عن طريق الكتابة والإعلان والإعلام ، أو عن طريق تقديم الأمثلة العملية عن التعامل الإسلامي مع الحياة ، وذلك من خلال إنشاء المؤسسات التعليمية ، والمؤسسات الصحية ، والمنشآت الصناعية والتجارية ، مهتدية بذلك كله بروح الإسلام وأغراضه الكبرى ، أخذة من عصرهم ما يفيد في الإدارة وصيغ وآليات ووسائل العمل .. مبتغين من وراء ذلك كله تقديم هذا الدين تقديماً عصرياً ، بعيداً عن الاعتداء على ثوابته . لكنك تجد من يسطون بالكلمات الملتبسة على الفكر الاسلامي الحديث والقديم يتهمون كل هذا الجهد والاجتهاد من الفكر الإسلامي الحديث بأنه " موصوف زوراً ( بالإسلامية ) " على حدّ تعبير أحد الشيوخ في مؤلف له صدر حديثاً .. حيث

يمهر هذا الشيخ كل جدّة في وسائل تقديم الإسلام ، وكل استخدام للعديد من مباني البيان الحديث في الدعوة ، بخاتم الابتداع والذم إذ يقول : (( وظهر فكر الإعجاز العلمي للقرآن ليصرف الشيطان وأعوانه به المسلمين عن تدبر كتاب الله وسنة رسوله كما فقههما السلف الصالح ، إلى محاولة بائسة لربط الوحي بالفكر وربط اليقين بالظن " وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً " . وتحولت المواعظ الدينية إلى محاضرات مبنية على فنون الفكر والبلاغة والشعر والقصص والأمثال الدارجة والفكاهة ، يجتمع عليها أكثر مما يجتمع على المواعظ الشرعية بالآية والحديث والحكم الشرعي في الاعتقاد والعبادة ... )) .

ألم أقل لكم إن مرابع هؤلاء مأزومة بالالتباس ، متوقفة عند أفق التحجر ، حيث لا يبتعد أفقها هذا عن قلب التحزب لنظرة اجتهادية واحدة ، داخل عالم الإسلام الزاخر بالحركة والحياة وأدوات الاجتهاد ، وتقدم آليات التجديد الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( يبعث الله على رأس كل مئة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها  )) ...

أي في أخذ النص والاجتهاد فيه بما يلائم الوقت والمكان ، مع الالتزام بالثوابت ، والانفتاح في الوسائل والأدوات والآليات وطرق العرض والدعوة ، في الحدود التي لا تصل إلى تمييع المواقف هذا فضلاً عن نبذ أسوار الحسد ، الذي يتفاعل بلونه الأسود في صدور لا تعدُّ غيرها شيئاً ، ولا تعتقد أن عند أحد آخر علماً نافعاً أو تديناً حقاً ، فهم يختمون العلم بقولهم ، ويستغفرون الله من كل قول أو فعل لا يحمل سمات قولهم وملامحه ، فإذا وجدوا في الساحة نجاحاً ما لقول أو فعل لم يحمل ملامحهم .. غزل الجمود والحسد طُعمه ، وزين في قلوبهم حب احتكار العلم ؛ فتدحرجت كلمات حرّى من نار مراجل الصدور ، فوق برد الكلمات الناضجة ، محاولة إذابتها ومسحها من قاموس التفاعل ، وذلك في غفلة من أصحاب الكلمات الحرّى عن كون ذلك : من الظلم للنفس والغير .. ولكن سنن الله ماضية في أن :

(( وما ينفع الناس يمكث في الأرض )).