نُبْل ..!
رجاء محمد الجاهوش
[مادة مُرشَّحة للفوز في مُسابقة كاتِب الألوكَة]
طَوَتْ أشعَّتها بهدوءٍ واسْتَـتَرَت، فتَهادَى بوشاحِهِ الأسودِ المخمليّ، وبَسَطَهُ عَلى صفحةِ السَّماء، مُطرّزًا بنُجوم ماسيَّة وقمر فضيّ.
تناثرت النُّجوم هنا وهناك، وسارَ القمَرُ يَلتَمِسُ مكانَه المعروف، غازِلاً من النُّور بَريم* الحبِّ والخشوعِ والإذعانِ.
مَضَت شَمسُنا بإيمانٍ ويَسْر، فحَلَّ مَحَلَّها ـ رغمَ فارِق الحجم ـ لِيقدِّم ما لدَيه، لِيظهَر.
لَمْ تَنْـتَبْـها مَشاعِر غيرَةٍ أو حِقدٍ أو حَسَدٍ، فهي المؤمنة الرَّاضِيَة ...
مؤمِنة بأنَّ الله ـ جلَّ جلاله ـ قَسَّمَ بَين عبادِهِ مَعيشَتهم في الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وجعلَ لكلٍّ مِنهم رزقَه الذي لا يُخطئه...
راضِيَة بما قُسِمَ لها، فلا تَتَمَنَّى ما مَتَّعَ الله به غيرها مِن مُتَع الدُّنيا .
لَمْ تكن يومًا أنانيَّة، ولا تحبّ أن تكون، بَل تُتعبها هذه الصِّفة الذَّميمَة في بعض الكَواكِب التي تَتَعَلَّـى في تَرَفّع وكِبرياء.
نَبيلٌ قمَرنا، يُشبهها !
يَبزِغُ بنورٍ خافِت لا يَقوى عَلى مجاراة ضيائها، لكنَّه قانِعٌ بما وهبَه الله، سعيد أنَّه يُشاطرها الحياةَ بودٍّ وسَلام دونَ تناحُر أو اخْتِصام !
لم يُفكِّر ـ يومًا ـ أنْ يَغدر بها، أو أن يَستأثِرَ بالنُّور وحده، فيَسطو على المكان ويَطردها، ولَم يُخطِّط يومًا لإبادتها !
يَتَعاقَبان وِفقَ قانون إلهيّ، وبعبوديَّة محضَة، لا تمرّد فيها ولا عِصيان .
تَغيبُ.. وهي عَلى ثِقةٍ أنَّ حضوره لا يُفقدها مَكانَتها، بَل يَزيدنا شوقًا إليها، إلى ساعةِ إشراقِها، ضيائها الوهّاج، دفء أشعَّتها، ولحظة اللِّقاء .
يَغيبُ.. وهو على ثِقةٍ أنَّ حضورها لن يُنسينا همسات نورِه وجَمال هَيْئتِهِ، فتظلُّ النُّفوس توَّاقة لِطَلعَتِهِ .
* البَريم : خَيْطان مُخْتلفان أَحمرُ وأَصفرُ، وكذلك كل شيء فيه لَوْنان مُخْتلِطان، وقيل: البَريم خَيْطان يكونان من لَوْنَيْن.
والبَريم : ضَوْءُ الشمس مع بَقِيَّة سَوادِ الليل والبَريم : الصبح لما فيه من سَوادِ الليل وبَياض النهار، وقيل: بَريم الصبح خَيْطه المخْتلط بِلَوْنَيْن، وكل شيئين اختلَطا واجتمعا بَريم .