شرف الخصومة
شرف الخصومة
عبد الرحمن الحياني
قد تستغرب أشد الاستغراب ، وتندهش كل الدهشة ، إذا ما أخبرتك أن للخصومة شرفاً ، وأن شرف الخصومة من ثوابت القيم العربية في الجاهلية والإسلام ، إذ به تبقى الكوة مفتوحة لرأب صدع الخلاف ، وردم هوة الشقاق، وإذا انعدم هذا الثابت ، أو فقدت هذه الخصلة ـ خصلة شرف الخصومة ـ من بين الخصوم ، فلن تجد لخصومة نهاية ، ولا لتلك المشكلات العالقة حلولاً ، وعندما يتحلى الخصوم بها ستجد الكثير من نقاط الاتفاق والتقارب بينهم ، وما أجمل قول أمير المؤمنين علي ـ كرم الله وجهه ـ في هذا المعنى إذ يقول :
" أحبب حبيبك هوناً ما ، عسى أن يكون بغيضك يوماً ما ،
وأبغض بغيضك هوناً ما ، عسى أن يكون حبيبك يوماً ما "
وأراني أتهلل لقول ذلك الشاعر الجاهلي ، الذي تمنى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يراه ، ولم يتمن أن يرى أحداً غيره من أهل الجاهلية لخصال كانت فيه ـ وأعني به عنترة العبسي ـ حيث يصف عدوه ـ وهو يقابله في ساحة الوغى ـ بصفة الكرم ، وهي هنا بمعنى الشرف والشجاعة والمروءة ، وهي من أسمى الصفات وأجلها حيث يقول :
فشككت بالرمح الطويل ثيابه ليس الكريم عن القنا بمحرم
ومما كان يؤخذ على بعض الخصوم اللدادة في الخصومة ، والذهاب بها إلى أقصى مدى ، ومن أقوال العرب في ذلك : " فلان لم يترك للصلح موضعاً " ، إذا تعدى شرف الخصومة ، وتعدى الحدود التي يجب الوقوف عندها ، وتجاوزها ..
وبعد:
فهذه دعوة إلى خصوم اليوم ـ من أبناء الأمة ـ ليتحلوا بشرف الخصومة ، مستفيدين من آداب التخاصم في تاريخهم المجيد ، ذلكم التاريخ الحافل بالمآثر والدروس والعبر ، وما شعرة معاوية الذائعة الصيت عنهم ببعيدة ... فهل من سميع ؟! وهل من مجيب ؟