تقوا الله في هذه المهنة
اتقوا الله في هذه المهنة
د.مصطفى عبد الرحمن
لازالت مهنة الطب - وبكل أسف وأسى - تشهد انحداراً متسارعاً عن علو قدرها وسمو مكانتها وذلك لسببين اثنين :
الأول : تخلي الطبيب عن التحلي بأخلاقيات المهنة:
فالطب أصبح مهنة كسائر المهن فيه الدعاية وفيه التجارة ! ... والطبيب أصبح اليوم كأي تاجر... يتكلم في المال وفي التجارة وقد يشارك في البورصة واعمال العمارة… ولاينسى نصيبه من الربح والخسارة! ...
والوجه التجاري للمهنة كان قد غلب في السنوات الاخيرة! ... فقامت منشآت علاجية ومراكز استشفائية همها الوحيد والوحيد فقط : استرداد النفقات السريع وتحقيق الربح الوفيردون مراعاة للجانب الانساني في التطبيب وتقديم العلاج ... وقد رأيت هذا والله بأم عيني في احدى بلادنا الحبيبة ... وهذه لعمري من المصائب المحزنة في أيامنا.
ونتيجة لهذا الانحراف المؤلم انظروا الى صورة الطبيب في زماننا: فبرغم الشهادات العالية والاختصاصات الراقية والخبرات الطويلة السامية... يأتي المريض )وقد يكون ممن لايفك الخط ... كما يقولون( ليقول لطبيبه : وهل انت متأكد من تشخيصك يا دكتور ؟ ! ...
ثم تعالوا نسترجع صورة الطبيب منذ ثلاثين سنة او اكثر : ينادى الى مريضه فيأتيه سراعا... ولايخرج من عنده الا وقد فحصه كما ينبغي واسترسل في شرحه واطال في نصحه... ثم التفت الى اهله فهدأ روعهم وازال شكهم ورسم بسمتهم ثم مضى ... وانظروا اليهم كيف لحقوا به الى الباب ورافقوه الى المخرج ثم دسوا في جيبه ما تيسر لهم وحسب امكانياتهم ... ثم مضى هو وبكل ادب دون ان ينظر في الامر او يدقق في الاجر ويتأكد من المبلغ... ولذلك كان يسمى حكيماً... نعم حكيماً وكان يليق به هذا الوصف ...
ثم تأملوا كيف كان حال الطب في ذلك الزمان ... كان قول الطبيب منزهاً ووصفه منزلاً ونصحه فرضاً... وكان المريض لايعرف الا طبيبه فيوقره ويحترمه ويقدره ويبجله... ويخلع ويترك من يستغيبه أو يحقره أو يفجره ... فأي الصورتين أجمل يا ترى؟... وأيهما تليق بالطبيب... الجديدة بالالوان أم القديمة بالابيض والاسود ؟...
وأما السبب الثاني فهو : تخلي المهنة عن التحلي بأخلاقياتها والانحراف عن أولوياتها والابتعاد عن انسانيتها:
فقتل المريض )شفقة! ... ( يطبق في كثير من البلدان هذه التي تقول عن نفسها أنها متقدمة... واجهاض الجنين حتى بغير عذر ! ... يمارس وتحت حماية القانون في الكثير من الاوطان هذه التي تتباكى ليل نهار تشكو ندرة الزيجات وقلة الولادات !... وقريبا ستصبح التجارب على الاجنة ممكنة في هذه المجتمعات التي تعتبر أن مجرد المساس بالحيوانات جريمة منكرة وغير مغتفرة !… أما استنساخ الاعراق البشرية فستصبح عادية بعد أن تم فعلا استنساخ الفكرة )الهتلرية) في التفوق العرقي ولكن هذه المرة بمعامل امريكية ودعايات هوليودية... فنجحت !... ولااستبعد ابدا أن تكون الحروب القادمة )جينية وراثية! ...) تدمر فيها امم من قبل ان تولد تتهم بحمل )مورثاث ارهابية وجينات عدائية! ...)... بدلا من ان تصب عليها بعد أن تولد الحمم الحارقة من الارتفاعات الشاهقة... فيما سمته لنا من تعتبر نفسها سيدة هذا العالم المتحضر )بالحرب الجراحية الدقيقة( !!!…
ولاصلاح السبب الثاني لابد من اصلاح السبب الاول ... نعم اصلاح الطبيب الذي ان صلح صلحت المهنة واستقامت وعادت الى رشدها وامتطت ومن جديد سلم عليائها واستوت على عرش كبريائها.
ولا أظن أن اصلاح هذين الخللين سيأتي من الغرب ... ان الغرب تخلى عن تعاليم السماء واستبدل بها أخلاق المصلحة والهوى ... فأصبح سجيناً لهذه المصلحة الدنيوية المتدنية... وما عاد يعني له شيء تعبير )أخلاق دينية( أو)تعاليم سماوية( أو )محاذير الهية( أو )حدود ربانية(.
ان اصلاح هذا الخلل سيأتي من الشرق... نعم من الشرق ... وهذه والله هي احدى ما يجب ان نحمل من رسالات الى هذ الغرب... لماذا انتم تستغربون وتتعجبون؟
ان العودة الى اسس حضارتنا العريقة والمستمدة من تعاليم ديننا والتي فيها هذه الجدلية بين الروح والمادة ... بين الممكن والمحرم ... بين وجوب العمل وضرورة مراقبة الله في العمل... بين استخدام سنن الله واحترام حرمة خلق الله ... بين وجوب البحث العلمي والوقوف على حدود هذا البحث العلمي.
نعم ان حضارتنا الاخلاقية وبرغم هذه الهزائم( المزمنة) هي وحدها المرشحة لترشيد (وليس استبدال) هذه المدنية الكونية المنحرفة... والشاردة... والسائرة بالامم جميعا الى مصير مجهول .. وذلك سواء (عرفت) هذه الحضارة التائهة هذه الحقيقة اليوم فغضت النظر استعلاءً واستكباراً … أم (جهلت) واكتشفت ذلك غداً فانصاعت قهراً واستصغاراً ... فهل انتم موقنون؟...
...............................