درس فلوجي لأمة نسيت طعم الفلج

عبدالرحمن الحياني

درس فلوجي لأمة نسيت طعم الفلج

عبد الرحمن الحياني

[email protected]

لا غرو أن عزة المسلمين لا تتحقق إلا بشيء واحد ، وقد عُدّ هذا الشيء  ذروة سنام الإسلام ، فبه تصان الأعراض ، وتحمى الحرمات ، ويذاد عن الحمى، أظنكم عرفتموه .. أجل إنه الجهاد ، تلكم الكلمة التي أخافت أعداء الله في كل زمان ومكان ، في ماضيهم وحاضرهم ، وستبقى تخيفهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولا غرابة بعد ذلك من أن يلصق بها أعداء الأمة تهمة الإرهاب ، ولن أمضي قدماً في بيان مشروعية الجهاد ، وأنه ينقسم إلى جهاد دفع ، وجهاد طلب ، فهذه أمور تعرفها الأمة صغيرها و كبيرها ، ولكن المشكلة في التطبيق لا في التنظير ، فقد كفينا ـ نحن المسلمين ـ هذه المسألة ، ببيان من الله ورسوله ، وما حل بالأمة من ذل ومهانة وهوان ـ حتى على يد الأمم التافهة ـ لم يكن إلا بسبب التخلي عن هذه الشعيرة ، وتلكم الفريضة ، التي قال فيها الصادق المصدوق : [ وما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا ] وهنا مكمن الداء ـ كما يقال ـ  ولا يغيب عن الذهن ما لهذه الكلمة من أثر في نفوس أعداء الأمة من يهود ونصارى ، وغيرهم ، وليس ببعيد ما قاله الهالك إسحاق رابين في مؤتمر مدريد للاستسلام ، حينما  أعلنها صراحة ، و طلب من الحاضرين ، من أبناء جلدتنا : أن يزيلوا هذه الكلمة من القواميس العربية ، أتعرفون لماذا ؟ ...الجواب ما قدمناه آنفاً ، ولا يخفي على ذي لب الأثر الإيجابي لهذه الشعيرة ، التي تم إحياؤها في فلسطين ، وأعني بها أعمال الانتفاضة المباركة على أرض فلسطين المباركة، فقد جعلت اليهود ، ومن يشد على أيديهم ، ويدور في فلكهم ، يحسبون ألف حساب لأصحاب الأيادي المتوضئة ، والوجوه الوضيئة ، وربات الحجاب والنقاب ، وما تفكير شارون بالانسحاب من غزة عنكم ببعيد .

     وأعرج بعد هذا على الساحة العراقية ، عاصمة الخلافة والخلفاء ، ورمز الحضارة والمدنية ، في زمن الجهل والظلام ، ولن أعيد وأزيد ، فيما قيل عن أسباب سقوط بغداد ، وإعلان احتلالها بدبابتين أمريكيتين ، فهذا أمر تبينت بعض أسراره ، وبقية الأسرار ستتكشف تباعاً ، ولكن الذي يهمني في هذا الموضوع ، قضية الفلوجة مدينة المآذن والقباب ، تلكم البلدة المجاهدة الصابرة الصامدة ، التي قدمت أعظم درس في الجهاد والصمود والتضحية في العصر الحديث ، عندما صمدت أمام أعتى هجمة لأعظم جيش في العالم ، وسأعلنها بكل صراحة ووضوح ، ودون مواربة أو تزيف ، رضي من رضي ، وسخط من سخط ، أن هذا الصمود لم يكن إلا بالجهاد الحقيقي الذي أعلنه أولئك النفر المؤمن ، أصحاب العقيدة الراسخة ، والإيمان القوي بالله تعالى، بعيداً عن المبادئ الفاسدة التي لم تغن نقيراً ولا قطميراً يوم الزحف ، فهؤلاء هم أحفاد سعد والقعقاع وأبي عبيدة وسلمان الفارسي ، الذين آلو على أنفسهم ألا يدخلن هذه البلدة عدو، إلا على أنقاض مدينتهم ، وعلى جثثهم جميعاً ، فكتب الله لهم الثبات والتمكين ، مع الفارق الشاسع في العدد والعدة والعتاد بينهم وبين عدوهم ، وبعدها لا تسأل عن خسائر الأعداء في هذا الحصار، الذي حاول الأمريكان ، ومن يدور في فلكهم  فرضه على هذه المدينة المجاهدة ، إن هذا الصمود يضع الأمة أمام مفترق طرق ، يضعها أمام مسؤوليتها التي طالما تخلت عنها ، فلقيت ما لقيت على يد أعدائها من شذاذ الآفاق ، وقطاع الطرق ، فإنها إذا لم تع الدرس ، وتستفد من هذه المعركة ، وتأخذ العبرة والعظة ، وتوقن تمام اليقين ، أن طريق الفلوجة هو طريق العزة والكرامة لهذه الأمة المنكوبة ، هذه الأمة التي آن لها أن تعود لسالف عهدها ، وتعتلي سؤدد مجدها ، لتقود العالم من جديد ، إلى بر الأمان ، بعيداً عما يراد له من دمار وخسار وبوار ، على يد اليهود أبناء القردة والخنازير ، قتلة الأنبياء والمرسلين ، والتاريخ شاهد على نبل حضارة الإسلام ، وسمو مبادئها ، مهما كاد المغرضون ، وأرجف المرجفون  فما مثلهم إلا :

كناطح صخرة يوماً ليوهنها       فلم يضرها وأعي قرنه الوعل

فهل من سميع ؟ وهل من مجيب ؟ وهل من معتبر؟

         

*  الفلوجة من الفلج ، ومن معانيها الغلبة والنصر