إلى أطبائنا الشباب.. دعوة إلى الإبداع

د.مصطفى عبد الرحمن

إلى أطبائنا الشباب.. دعوة إلى الإبداع

بقلم :د.مصطفى عبدالرحمن

لازالت امتنا متنكبة عن المشاركة في صناعة الحضارة المعاصرة ... أمة تشكل اليوم ربع العالم تقريبا، لكن ليس لها أي حضور يليق بها على المستوى العلمي... ولاغيره أيضا!!! ... ولازلنا- وبكل أسف وأسى- في هزيمة مزمنة، وعلى كل المستويات والصعد...هزيمة ادلهم خطبها وطال ليلها وحلك ظلامها وتعقد حلها، وتألبت علينا فيها الأمم جميعها قاصيها ودانيها كبيرها وصعلوكها قويها وهزيلها عدوها وعميلها... إن وضعنا يدعو للأسف والحزن والأسى ! ...والأمة في مأزق... ومع ذلك كله... لا نقول هلكت الأمة...

ونحن الأطباء .. لا شك أننا على ثغر من هذه الثغور يجب الا نقبل ان تؤخذ الامة من قبلنا... ثغر بوأنا الله سبحانه لنكون من حماته... وهو ثغر ليس بالهين والقليل... وتعالوا معي نتصفح أوراقنا لنرى أنحن مقصرون؟... أم لا؟ ... أنحن نهضنا بالواجب؟... أم تقاعسنا عن أدائه والذود عنه؟!.... 

 تعالوا معي نفتش في كل هذه المصادر الطبية والمراجع العالمية والموسوعات الأكاديمية.. أترون لنا أثرا؟... اتجدوا منا احد يرصع اسمه غلاف؟...أبدا !!!..

ثم تعالوا نفتش في أي من هذه الأبحاث العالمية المنثورة في اشهر الدوريات العلمية الدولية... أتجدون لنا أثرا يعادل في الثقل وزن ورقة واحدة في أي من هذه المطبوعات الدورية؟...أبدا !!!...

ثم عرجوا معي على هذه المخترعات الفذة من أجهزة علمية وأدوات طبية وجراحية ومخترعات تقنية والكترونية.. القديمة منها والحديثة.. من عصر السماعة إلى عصر الرنان المغناطيسي مروراً  بالصونار والتصوير الطبقي المحوري ... أتعثرون فيها على براءة اختراع واحدة مسجلة لأي من ابناء ملتنا وعلماء جلدتنا وأفذاذ أمتنا؟...أبدا!!!...

ثم تعالوا نتأمل بهذه الصناعات الصيدلانية والمنتجات الدوائية والعلاجية.. أتصادفون أيا منها يرجع لنا الفضل في اضافته الى قائمة الأدوية الحديثة والمنتجات الجديدة ؟... ابدا !!! ..

ثم تعالوا بعد ذلك نفتش في أوراق تاريخ أمتنا المشرق .. لنتبين ماذا كان عليه الحال أيام أجدادنا:

ابن النفيس : وصف الدورة الدموية الصغرى وصفا دقيقا، بحيث اننا لم نستطع ان نضيف اليه شيئا يذكر حتى بعد ظهور التصوير الشعاعي والتصوير بالصونار ولاحتى بعد تصوير القلب والأوعية بأدق وأحدث الاجهزة الالكترونية !!!...

ابن سينا: كتب كتابا هو )القانون في الطب (  منذ حوالي الف عام ... كان هذا الكتاب لايزال يدرس في اقدم كلية للطب في اوروبا) كلية طب مونبيلييه في جنوب فرنسا( حين وقعت الحرب العامة الاولى، أي بعد حوالي 900 سنة من تأليفه !!!...

الزهراوي: ابتكر أدوات جراحية، كانت في عصره قمة في الابداع وثورة في الاختراع !!!...

ومن جهة اخرى : كان الفضل لأجدادنا في التنبيه الى ضرورة بناء المستشفيات خارج التجمعات البشرية : حيث يساهم الهواء النقي في سرعة الشفاء من الأمراض والعلل  المزمنة... وذلك في تجربة فذة معروفة حيث وزعوا قطعتين من اللحم احداها وضعت في قلب المدينة والاخرى خارجها ولما تفسخت الاولى بسرعة بينما قاومت الاخرى اكثر... استنتجوا ان التهوية افضل خارج المدن وهذا يسرع الشفاء وهذا صحيح !!!...

وكان اجدادنا أيضا اول من نبه الى ضرورة المعالجة النفسية للمريض : واكدوا انها ضرورية ضرورة الدواء نفسه.. اذ ان تقوية معنويات المريض، تفعل جهازه المناعي ليصبح اكثر مقاومة للعلة.. واستخدموا ذلك في العلاج.. في حين ان ذلك لايطبق حتى الآن حتى في ارقى المستشقيات العالمية !!!...

أما نحن اليوم: فلقد تنكبنا كثيرا عن ركب الحضارة ... وواقعنا الحضاري المعاصر مؤلم ومؤرق وشاهد بائس على ضعفنا وهواننا وغيابنا !... اذ لم نستطع في واقعنا المعاصر ان نضيف شيئا تذكرنا البشرية به... مالسبب يا ترى ؟... او بالأحرى ماهي جملة الاسباب وراء تخلفنا الطبي المزمن هذا ؟...

كلنا يعلم: ان الامة وعلى جميع مستوياتها كما أشرنا متخلفة!... وطاقاتنا العلمية في كل بلداننا مرهقة يائسة!.. وقسماً كبيرا من عقولنا وادمغتنا و الى غير رجعة نازحة مهاجرة!... وخيراتنا المادية في الارصدة مجمدة... وما أنفق منها فعلى غير هدى مبذرة ومهدرة!... ولغتنا العربية المسكينة هي الأخرى... عن أي دور حضاري  مقصاة ومبعدة !!!…وأصبحت حتى في شوارع بلادها غريبة... كليلة... كليمة... مستترة ... وتكاد تكون مستهجنة ومستنكرة!!!…ولكن مالسبيل الى الخروج من هذا النفق المظلم؟... فما عاد البكاء والنحيب يكفي...

وكلنا يعلم ايضا: اننا اليوم بأمس الحاجة الى اعادة صياغة افكارنا وتشكيل عقولنا وتوحيد طاقاتنا ولملمة جراحاتنا وبلورة خططنا وبرامجنا ومناهجنا... ولكن كيف؟...كيف السبيل الى ذلك؟... فما عاد الكلام يجدي نفعا...

وجدتها: ان الحل في الابداع .. ولكن : هل يمكن صناعة الابداع لكي نختصر الزمن ونقصر المراحل ونلحق بالركب ؟... واذا كانت هذه الصناعة ممكنة... اذن كيف لنا أن نصنع الابداع ؟... وكيف لنا أن نصنع المبدعين المبرزين في مجال الطب؟... كيف لنا ان نشارك البشرية في التقدم الطبي والابداع العلمي والاختراع التقني؟... كيف؟... بالله عليكم أريحوني وقولوا لي كيف؟... سؤال أتركه لكم- وخاصة أنتم يا أطباءنا الشباب-  أمانة في أذهانكم  ومحركاً لعقولكم وطاقة متأججة في أفئدتكم علها تثمر في مستقبل أيامنا ابداعاً ما ... نتقدم به على استحياء بعد طول سبات... الى قاموس الحضارة المعاصرة.