يا بلدي

محمد زهير الخطيب / كندا

في كل دولة لصوص يتشابهون في الاساليب والعادات، فهم يسرقون في الليل، ويأخذون ما خف حمله وغلا ثمنه ويهربون سراعا بعدما يسرقون... والسرقة بهذا الشكل ظاهرة صحية لحد ما فهي تعني أن الأمن شبه مستتب وأن اللصوص يرتعدون فرقا من العسس، غير أني لم أكن أحلم أني سأعيش الى وقت أسمع فيه حكايات عن سرقات يأتي فيها اللصوص إلى بيت ليأخذوا جميع ما فيه في من الابرة الى الساطور ومن نفاضة السجائر الى أكبر (طشت) وكل ذلك في وضح النهار، ثم يضعوا كل هذا الحمل في شاحنة ديزل كبيرة ثم ينصرفوا دون أن يرف لهم جفن ...

لعلكم تحسبون أنني أخرف!! .. البيت في شارع النيل في مدينة حلب والسرقة حصلت منذ سنتين وصاحب البيت استاذ كبير يعمل في السعودية ويعود في الصيف الى بيته في حلب ليقضي الاجازة فيه. فأمن من هو المستتب ؟!!

أن تجد موظفا صغيرا في مطار من المطارات العربية ضاقت به سبل العيش وعجز عن إشباع سبعة أفواه تنتظره في البيت عند عودته كل مساء بعد أن ينتهي من العمل في ورديتين صباحية ومسائية، ان تجد عيناه وحركاته تستدرعطف المسافرين على استحياء ليجودوا عليه ببخشيش يدسه في جيبه دون أن ينظر إليه من الخجل، فهذه صورة مفهومة ومعقولة، أما ما يستعصي على الفهم فهو أن تجد في المطار سمسارا ينكت لك حقائبك ويفاصلك على الرشوة التي يطمع بها وعندما تأخذك الجرأة الى رفع شكاية لمسؤوله تكتشف أنك أمام عصابة من المافيا وأن لا صريخ لك إلا الدولارات التي تقبع في جيبك والتي نصحك بعض العارفين بأن تجعلها جاهزة معك لطوارئ القدر في مطارات الغجر.

أن تجد شابا صغيرا اعتقل رهينة عن أخيه الهارب، ثم تجد امرأة تأتي من قرية من قرى الساحل فتزور أمه المكلومة التي أصبح فؤادها فارغا ولم يجف دمعها مذ ذهبت عناصر الامن بابنها الحبيب، ثم تطلب هذه الزائرة من الام المنكوبة مالا لتتوسط لها عند قريبها الذي يعمل عقيدا في أمن الدولة كي يسمحوا للام بزيارة ولدها، وإذا كانت الام المسكينة لا تملك النقود (كاش) أخذت منها صيغة عرسها على مضض، قد تكون هذه حكاية ممكنة التصور، أما ما يسم البدن فهو أن يأتي طبيب مهاجر يعيش في أمريكا زائرا لأهله في الصيف وهو أنقى من العذراء في خدرها، وتتناهى إلى عناصر الامن أخبار ثرائه ونجاحه، ثم لا يرى نفسه الا مرميا في زنزانة مظلمة قذرة تشاركه في الحشرات والفئران. ثم تفصّل له تهمة إطالة اللسان على الدولة وتعريض سمعة البلد للاساءة، ثم لا يخرج من زنزانته الا بعد أن يدفع الذي فوقه والذي تحته مما جلبه معه من نقود ليفرح بها أقاربه المستورين واحبابه في بلده الحزين، وتؤخذ منه العهود والمواثيق حين خروجه على أن لا يعود لمثلها أبدا، ولو شقوا على قلبه لعلموا أنه لن يعود الى بلده أبدا ما داموا فيها.