عبرات قلب مكلوم

حسن محمد حسن بريغش

بقلم : حسن محمد حسن بريغش

وأسدل الستار ،،، على أمة غريبة بين الأمم ،،،

على ملحمة سطرها التاريخ بأحرف منقوشة على الصخور ،،،

أحرف رسمت بماء الذهب ،،، مشمولة بعبير الزهور ،،،

عاش هناك ،،، حيث كانت الكلمة ناراً على قائلها ،،،

عاش هناك ،،، حيث كان القابض على دينه كالقابض على الجمر ،،،

وآثر بعدها الرحيل ،،،

ترك الوطن والأهل والأحباب ،،،،

وقال : يارب هربت بديني إليك فكن لي عونا ونصيرا ،،،

صارع الحياة وصارعته ،،،

علّم الأيام بأن للكرامة معنى تجهله ,,,

وأن للمروءة والشمم طعماً كادت أن تنساه ،،،

حمل هم دينه معه حيثما حل ،،،

نادى بعلو صوته أنه آن للجيل الجديد أن ينهض ،،،

صرخ بعلو قلمه باكياً على طفل لم يجد من يربيه ،،،

دمعت عينه على إسلام زين بأجمل الآداب لم يجد من يصونه ،،،

وبعدها بدأ قلبه الكبير الصغير بالاعتلال ،،،

صارعه بالهمة والنشاط ،،،

تحامل عليه بكثرة الدعاء للرحمن ،،،

حتى أخبره الطب بأنه وصف لك قلب جديد تزرعه ،،،

ابتسم راضياً بقدر الإله ،،،

وعاهد قلبه بأنا عشنا معاً وسنموت معاً بإذن الله ،،،

وبدأت معها رحلة جديدة في الحياة ،،،

استمرت واستمرت حتى شاء مقدر الأقدار ،،،

بأن يختبر قلب عبده المفعم بالحياة ،،،

بأن قطف من بين يديه فلذة كبده و رجاه ،،،

أخذ منه رحيق هواه بلال ،،،

وبعدها ... بدأت حجارة الجبل بالسقوط ،،،

مرت أيام وأيام يعد بها كم يوما فارق فيه بلال ،،،

حمد الله على كل ساعة قضاها بعيد عن حبيب الإله ،،،

وفي هذه الأيام ... آخى رب العزة والجلال بينه وبين الفراش ،،،

تلازما كما الحبيبان ... لا يكاد احدهما يفترق عن الآخر حتى يستفقده أخاه ،،،

حتى حانت ساعة اللقاء ،،،

غادر بيته مبتسماً ،،،

غادر زوجه مودعاً ،،،

غادر أبناءه مشتاقاً ،،،

من أحب لقاء الرحمن أحب الرحمن لقاءه ،،،

ومرت بعدها ساعات ،،،

تلتها سويعات ،،،

ينظر إلى أبنائه بعين تائهة ،،،

ينظر إلى معجزات الطب من حوله وهو يدنو من اللقاء ،،،

يومئ بجفنيه ،،،

اقتربوا مني أحبائي فربما طال الفراق ،،،

اقتربي مني شريكة العمر ... فالوعد باللقاء أكيد ،،،

أملي بكم كبير بحمل كل ما عشت من أجله يا قرة العيون ،،،

أنا أرى بقلبي الضعيف ما تخشون أن تقولوه ،،،

بلال ينتظر قدومي يا صغار ،،،

لكم أخشى عليكم من قسوة الزمان ،،،

ولكن هذا دينكم .. عليكم به فهو النجاة ،،،

وسكتت بعدها الأصوات ،،،

وعلت في نفس الوقت الشهقات ،،،

تعالي ياروحاً طاهرة إلى السماء ،،،

تعالي يا نفساً زكية إلى العلياء ،،،

وجاء الصوت الباكي الحنون ،،،

من خلف كل العبرات ،،،

لقد توفي والدكم .... رحمه الله .