خواطر إسلامية إنسانية "2"

خواطر إسلامية إنسانية "2"

والمفهوم الخاطئ للذكورية ولغة الحب

مؤمن محمد نديم كويفاتيه/ سوري في اليمن

[email protected]

هذا الموضوع كنت أود تناوله منذ فترة طويلة ، وهو موضوع ذو شجون ، كوني كنت مُدرساً في المعهد العالي للمدرسين والمدرسات ومتخصصاً في العلوم الإسلامية والتاريخية، ومُدرساً للمواد الإسلامية لاسيما فيما يخص سورة النور في ثانويات البنات لعدة سنوات التي رأيت فيها ما رأيت من المُعاناة النسائية ,عندما تأتي الي بعض الطالبات ويسألونني من الأسئلة بما يُعبر عن اقتناعهن بدونية المرأة عن الرجل ، ولربما تماماً كما جاء في الخواطر الحوائية ، مُستندات على فهم خاطئ للنصوص الشرعية ، وبالتالي كان علي بذل المزيد من الجهد إضافة إلى المادة المُقررة عليهن لإقناعهن بحقيقة وجودهن وكيانهن وقيمتهن الإنسانية والربانية ، الذي سبحانه سخر لهن وللبشرية جمعاء ما في السموات والأرض من شجر وحجر وماء وعوالم كونية لخدمتهم ليشكروا ليكونوا من السُعداء أو يكفروا ليكونوا من الأشقياء ، مُخيرين وليسوا مُسيرين ، وليس في ذلك تفضيل بين عرق وآخر أو رجل على امرأة بل العنوان في ذلك " إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم ".

ولكن مما يؤسف له وبعد 1400عام ونيف من مبعث سيد الكون مُحمد صلى الله عليه وسلم ، الذي علمنا وأرشدنا إلى نور الحق ، والذي انتصر لقضية الإنسان كجوهر فائق التكريم ، ودفع به إلى تحرير العبيد والرق تدريجياً وإكرامهم ، وكذلك عمل على تحرير المرأة من المفاهيم الجاهلية التي كانت فيها كسلعة كما هي الآن في أسواق الغرب ، وجعلها تُنافس الرجل في الخيرات والمكرُمات ، حتى ذاك الوقت مُشاركة في كل الميادين والساحات المُباركة ، وعلمنا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم حتى كيف تكون العلاقة الزوجية قائمة على أساس التفاهم والتشاور بين الزوجين ، وضرب لنا الأمثلة على ذلك من بيته الشريف ..وسلوكه وسيرته مع زوجاته ، والذي تجسد ذلك أيضاً في بيوت أصحابه الكرام.

ولن أخوض في الكثير من الأمثلة ولكن فقط لأذكر ببعض الأسماء التي ظهرت في تلك الحقبة والتي سأتناول منها ما أستطيع ذكره في السياق .. كعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وابنة الصديق رضي الله عنهما التي كانت مدرسة ومنارة في العلم ، وقائدة الجيوش لقتال القتلة الذين شاركوا في قتل الخليفة الراشد ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه ، والتي كانت أيضاً رفيقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حروبه إضافة إلى بقية زوجاته أمهات المؤمنين رضوان الله عليهم ، اللاتي عملن كمستشارات في كثير من القضايا ، ومنهنّ ما كان من الرأي لإحلال الإحرام وحلق الرأس من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتدي به المسلمون ، وخديجة الكبرى التاجرة والممول الأول لدعوة نبي الإسلام ، والتي بنفسها اختارته وأرسلت إليه من يعرض رغبتها بالزواج منه رضي الله عنها ، وكأم رومان زوج الصحابي الجليل أبي بكر حماة النبي صلى الله عليه وسلم ، والتي كان لها دور كبير في الإسلام ، وهي كانت من أوائل من أسلم وآمن بدعوة حبيب حبيبها صلى الله عليه وسلم الذي امتدح سيرتها وجهادها وتضحياتها ، ومثل أم كلثوم زوج الفاروق عُمر بن الخطاب بنت علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم ، ورُقية وأُم كلثوم بنات النبي صلى الله عليه وسلم زوجات الصحابي الجليل عثمان بن عفان الذي تزوج الثانية بعد الأُخرى رضوان الله عليهم جميعاً ، والخنساء ونُسيبة بنت كعب وأسماء ذات النطاقين ، وزوجة عمر بن عبد العزيز وأسماءً كثيرة ظهرت في سماء الرعيل الأول لدولة الإسلام الحضارية المُتقدمة ، والتي سيكون لنا معها وقفات فيما بعد، وأُخريات عظيمات كثيرات لا يُعدوا ولا يُحصو ظهرن في عالم الفكر والمعرفة والإبداع والجهاد والتضحية والبذل والعطاء والسمو وعلو التدبير والرأي والمعرفة ، كأم سُليم التي أُعجب النبي صلى الله عليه وسلم مما فعلته عند موت ابنها الذي تصادف مع مجيء زوجها من السفر ، والتي أخفت عليه ذلك ، حتى أكل وشرب وقضى حاجته ونام إلى الصباح ، وحينها أبلغته الخبر بطريقتها المُحببة

نماذج عملية وليست نظرية من واقع هذا الدين العظيم لعلو شأن المرأة في الإسلام العظيم ، والذي تحول في عصرنا الحاضر وكل عصور الانحطاط من الدور الأهم إلى التبعية المُطلقة للرجل دون الرأي المستقل ، ودون أن نسمع عن مُبرزات إلا القليل منهن ، أو أولئك ممن تجرأن على الدين بقصد النيل منه ، واللاتي آمنّ بالانحلال الأخلاقي ، بقصد تحويل المسار الصحيح لدور المرأة إلى طريق الانحلال والرذيلة تقليداً للغرب في جعلها  تُباع وتُشترى في سوق نخاسة أصحاب المُجون ، أو كمن تناولها من أصحاب التفكير القبلي العشائري والديني التقليدي بأن لا تكون إلا خادمة إمّعة في بيت من يختارها سيدها الجديد وليس من ترضى به أو تختاره ، أو أولئك المُغالون الذين جعلوها عورة في صوتها وكل ما يصدر عنها حتى ذكر اسمها حرام ، وبالتالي يجب حجبها وحتى كل مكنوناتها الفكرية تأصيلاً لأفكارهم السوداوية بدعوة دفع الفساد ، فلا يجوز أن يراها احد مُحجبة ولا أن يسمعها أحد ... ، وإذا كان عندها من شيء أن تُعطيه إياه ويكون له الفضل ، وهي لا شأن لها في الحياة العامة مما يعني تعطيل نصف المُجتمع الذي تنتمي إليه ، ولذلك علينا جميعاً أن نُشجع بناتنا على الإبداع كما نُشجع أبناءنا الذكور ، وانأ في موقعي العائد أحرار الشام سيكون فيه قسم خاص بشؤون المرأة التي سأُشجعها على المُشاركة بكل المجالات وسآخذ بيدها للظهور والمُشاركة والحوار ، وأُولاهم ممن سأشجعهن زوجتي فيحاء مصطفى مُهندس وبناتي وفي أي مجال يُريدون ، لأني أؤمن بحق حرية المرآة في المشاركة والإبداع والبناء وليس التفلت والانحلال.