صَيْدُ القَلَم

عبد المنعم مصطفى حليمة

" أبو بصير الطرطوسي "

 مقدمة:

بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد.

 هذه مجموعة من الخواطر .. قد صادَها القَلَمُ في أوقات متفرقة من حياتي .. بحسب ما يوحي إلي المنظر .. أو الحدَث .. أو الموقف .. أو الواقع الذي نعايشه .. ونجاهده .. ونكابده .. فهي من هذا الوجه تلخص تجربة ومعاناة رجلٍ قارب الخمسين من عمره .. قد طاف كثيراً من بلاد العرب والعجَم .. وخَبرَ الناسَ بكل أطيافهم وتوجهاتهم .. وخالط كثيراً منهم وخالطوه .. سائلاً الله تعالى السداد، والتوفيق، والقبول الحسن.

 ومن وجه آخر فهي لم تُكتَب لمجرد التنفيس عن النفس أو الترويح عنها .. أو لغرض من أغراض الأدب والإنشاء بعيداً عن حياة الناس .. وعن واقعهم ومعاناتهم .. لا؛ ليس شيئاً من ذلك .. وإنما كُتبت من أجل الإصلاح .. وتهذيب النفوس .. وسد الخلل .. وتوحيد الصفوف .. وإعمار ما يهدمه ويُفسده المفسدون .. ما استطعت .. وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وهو أرحم الراحمين.

 هذه الخواطر بإذن الله زاد للمصلحين والمجاهدين .. يعينهم على الإصلاح والجهاد .. ومقاومة الفساد والمفسدين .. وهم في مسيرهم يُكابدون معاناة الإصلاح والجهاد .. وهي كلمة حق زاهق رمينا بها قصور وعروش ومعسكرات الطواغيت الظالمين.

 أصارحكم القول: أن كثيراً من هذه الخواطر كُتبت .. وكان الدمعُ يُسابق المِداد .. وأحياناً كانت ترافقها الضحكات .. والابتسامات .. بحسب موضوع الخاطرة .. والغرض الذي كُتبت له .. فهي كُتبت من القلب .. سائلاً الله تعالى أن يجعل قلوب الناس وعاءً لها .. ولعل القارئ المتمعّن وهو يتنقّل بين مواضيع الخواطر وبساتينها يشعر بذلك .. ويحصل له بعض ما حصل لكاتبها؛ فتدمع عينه حيثما دمعت عين صاحبها .. ويضحكُ فِيه ويبتسم حيثما ضحك وتبسّم صاحبها!

 وكما هو ملاحظ .. فإن هذه الخواطر لم تُكتَب وتُرتَّب بحسب المواضيع أو الأبواب .. وإنما تُركت من غير ترتيب ولا تبويب .. فموضوع كل خاطرة يختلف عن موضوع الخاطرة التي قبله والتي بعده .. ولعلّ ذلك أشوق للنفس وأروح لها .. وهي تتقلب صفحات هذا الكتاب .. الذي أسميته " صَيْدُ القَلَم "، سائلاً الله تعالى السداد، والتوفيق، والقبول .. وحسن الختام، إنه تعالى سميع قريب مجيب.

 وصلى الله على محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلّم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

عبد المنعم مصطفى حليمة

" أبو بصير الطرطوسي "

21/10/1429 ه. 21/10/2008 م.[[1]].

بسم الله الرحمن الرحيم

1- لا إله إلا الله.

 لا إله إلا الله .. تعني لا معبود بحق في الوجود إلا الله تعالى.

 تعني الانخلاع أولاً من كل ضروب الكفر والشرك، والعبودية للمخلوق .. والدخول في التوحيد الخالص ظاهراً وباطنا.

 تعني الكفر بالطواغيت كل الطواغيت على اختلاف أنواعهم وأشكالهم وأسمائهم: بالاعتقاد، والقول، والعمل .. والإيمان بالله تعالى وحده بالاعتقاد، والقول، والعمل.

 وأيما امرئٍ يقول لا إله إلا الله على غير هذا الوجه .. فهو لم يقل لا إله إلا الله التي تنجيه يوم القيامة!

* * * * *

2- محمدٌ رسولُ الله r.

 شهادة أن محمداً رسول الله .. تعني إفراده r بالمتابعة والاقتداء .. فلا يُقدم قولٌ على قوله .. ولا سنة أحد على سنته .. ولا دين على دينه!

 تعني أن لا تعقب على قوله وحكمه بشيء ..!

 ترد بقوله جميع أقوال الرجال .. ولا ترد قوله بأقوال الرجال .. مهما علا شأن أولئك الرجال أو اتسع صيتهم في الأمصار ..!

 تعني التسليم والرضى بحكمه وبكل ما جاء به من عند ربه .. مع انتفاء مطلق الحرج أو ضيق الصدر!

 تعني أن توقره وتحبه r .. وتحب الاقتداء به وبسنته .. أكثر من نفسك، وأهلك، ومالك، وولدك ..!

 وأيما امرئٍ يشهد أن محمداً رسول الله على غير هذا النحو .. فهو لم يشهد حقيقةً أن محمداً رسولُ الله .. مهما زعم خلاف ذلك .. أو ردد تلك الشهادة على لسانه ..!

* * * * *

3- متى يكون الفَرَج ..؟

 تعلمت أن الشدة مهما طالت لا بد من أن يعقبها فرج .. وأن العسر مهما طوّق صاحبه لا بد أن يليه يسر وسعة .. وأن الظلمة لا بد أن يتبعها نور وفجر صادق .. وأن العسر مهما اشتدت عزائمه لا يمكن أن يغلب يسرين!

 لا شيء يعجل الفرج كالصبر والاحتساب .. ولا شيء يؤخر الفرج كالتسخط وشكوى الخالق I للمخلوق ..!

 كم من مكروب ومعسر يستشرف الفرج من اتجاه معين إلى حدٍّ يظن فيه أن المخرج مما هو فيه من كرب وضيق لا يمكن أن يأتيه إلا من هذا الاتجاه .. فيأبى الله تعالى إلا أن يجعل له الفرج والمخرج من اتجاه آخر لم يكن وارداً على البال أو الخاطر .. ليعلم أن الفارج هو الله!

* * * * *

4- مَن هم المصلحون ..؟

 هم الذين يصلحون إذا فسد الناس .. لا توحشهم الغربة، ولا قلة الأنصار أو الأتباع!

 هم الذين لا يلتفتون إلى كثرة الجماهير .. إذا كانت هذه الجماهير تسير في اتجاه الباطل أو الهلاك!

 هم الذين يأطرون الآخرين إلى الحق ولو بالسلاسل .. وإن قابلهم الآخرون بالسياط، والرجم، والطرد ..!

 هم الذين لا يبالون بمرضاة الناس في مرضاة رب الناس .. فمرضاة الناس غاية صعبة لا تُدرك، ومرضاة الخالق I سهلة تدُرك لمن يسرها الله له.

 هم الذين يدورون مع الحق حيثما دار .. لا يلتفتون عنه ولو كان ذلك على أشلائهم، وأرواحهم، ومصالحهم الشخصية ..!

 هم الذين يَصدعون بالحق للحق .. لا يعبأون بإرهاب ولا ترغيب!

 هم الذين لا ينتظرون الثناء أو المكافأة على أعمالهم من أحدٍ سوى الله تعالى ..!

 نسأل الله تعالى بمنه ورحمته وقدرته أن يجعلنا جميعاً منهم .. إنه تعالى على ما يشاء قدير.

* * * * *

5- من هم المفسدون ..؟

 هم الذين يواكبون ويُمالئون الجماهير الضالة على باطلهم .. خشية أن تنصرف عنهم وجوه الناس ..!

 هم الذين يخذلون الحق من أجل فُتاتٍ يسير يُرمى إليهم من الطواغيت ..!

 هم الذين يأكلون بألسنتهم .. لا برماحهم وسواعدهم!

 هم الذين يستشرفون العطاء والإحسان مما في أيدي الطواغيت الظالمين ..!

 هم الذين يرضون الناس بسخط الله ..!

 هم الذين يتقدمون في المواضع التي ينبغي فيها التأخر .. ويتأخرون في المواضع التي ينبغي فيها التقدم!

 هم الذين لا يعرفون إلا أنفسهم .. لا يرون إلا أنفسهم .. لا يهمهم مجد إلا مجد أنفسهم وذواتهم .. ولو كان ذلك مؤداه إلى زهق الأرواح بغير حق .. وإلى ضياع حقوق العباد والبلاد!

* * * * *

6- نادم على شيءٍ واحد ..!

 نادم على موقف خانتني فيه أعصابي فخفت فيه من الصدع بالحق ..!

 نادم على موقف خفت فيه الباطل وجنده ..!

 نادم على موقف لم أنصر فيه الحق كما ينبغي .. خوفاً على نفسٍ أو رزق!

 نادم على ذلك لسببين:

 أولهما: لأنني لا أقدر أن أعيد عقارب الساعة والزمن إلى الوراء لأستدرك ما قد فاتني في تلك المواقف والأوقات من نصرة للحق ..!

 وثانياً: لأنه قد ظهر لي عين اليقين أن الخوف من المخلوق لا يقدم أجلاً ولا يؤخر رزقاً .. ولا يجلب نفعاً ولا يدفع ضراً .. فعلام الخوف .. وعلام قد خفت؟!

 صدق رسولُ الله r إذ يقول:" لا يمنعن رجلاً هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه؛ فإنه لا يقرب من أجلٍ ولا يُبعد من رزق ".

* * * * *

7- ضريبة الحق .. وضريبة الباطل.

 ضريبة الحق مهما عظمت فهي بين أمرين: إما نصر .. وإما شهادة، وهما في حقيقتهما كلاهما نصر وعز وكرامة!

 أما ضريبة الركون إلى الباطل والرضى به .. فهي توجب على صاحبها الدخول في عبودية العبيد ..!

 توجب عليه أن يقدم النفس، والعِرض، والأرض، والولد، والمال وكل ما يملك في سبيل الطاغوت .. ثم بعد كل ذلك فالطاغوت لا يرضى عنه .. فهو دائماً يطالبه بالمزيد والمزيد من العطاء، والفداء، والولاء ..!

 توجب عليه أن يفقد عزته، وكرامته، وشخصيته .. ليذوب في شخص الطاغوت!

 وبعد كل ذلك .. والأهم من كل ذلك توجب عليه سخط رب العالمين .. والعذاب المهين الأليم يوم الدين!

 أعجب من أناس يشحون على الخالق الرازق I بالقليل .. بينما في سبيل الطاغوت يجودون بالنفس والمال وكل ما يملكون ..!

 أولئك لا شك أنهم هم الخاسرون الظالمون الجاهلون .. الذين لا يعقلون!

* * * * *

8- الديمقراطية ..!

 الديمقراطية تعني الإباحية بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى ..!

 تعني إباحة الحكم بغير ما أنزل الله ..!

 تعني إباحة المحظورات .. وارتكاب المنكرات ..!

 تعني الإباحة في أن تقول ما تشاء .. وتفعل ما تشاء .. وتعتقد ما تشاء .. وتتدين بالدين الذي تشاء .. لا حدود لهذه الإباحية تنتهي عنده إلا فيما يصطدم مع أهواء ورغبات الطواغيت المستكبرين ..!

 والديمقراطيون الحقيقيون هم الإباحيون .. مهما حاول المبهورون المهزومون في بلادنا أن ينكروا ذلك .. أو يضفوا على الديمقراطية والديمقراطيين من المعاني غير ذلك !

* * *

9- الحرية في الإسلام ..!

 وقفت على جميع نصوص آيات القرآن الكريم .. وعلى كثير من أحاديث النبي r فلم أجد لكلمة الحرية وروداً، ولا ذِكراً ..!

 الحر والحرية في مصطلحات الفقهاء هو الإنسان الحر الذي يقابل العبد المملوك لسيده .. وبغير هذا المعنى لم يستخدموا هذه الكلمة في كتبهم ولا كلامهم!

 حرية الإنسان في الإسلام مقيدة بقيود الشرع .. فهو حُر في المشروع وفي إطار الشرع وتعاليمه .. وهي لا شك مساحة واسعة جداً لا يجدها الإنسان في أي دين أو ملة أخرى.

 وأيما حرية تخرج عن هذا المفهوم والإطار فالإسلام منها براء .. لا يعترف بها ولا يقرها؛ لأنها حينئذٍ لن تكون الحرية .. وإنما ستكون الإباحية والبهيمية والشيوعية المتحررة من قيود وضوابط الأخلاق والدين .. وستكون العبودية للأهواء والشهوات .. وللطغاة!

* * * * *

10- يأبى الله أن يضع القبول إلا لأوليائه ..!

 يأبى الله أن يضع القبول في الأرض وفي السماء إلا لأوليائه ولو بعد حين .. وهم المتقون المجاهدون، المتبعون المقتدون لا المبتدعون المنحرفون ..!

 هم الذين يرضون الله وإن سخط الناس .. ويقدمون مرضاة الله على مرضاة الناس ..

 قال ابن تيمية رحمه الله: قد جعل الله لأهل محبته علامتين: اتباع الرسول، والجهاد في سبيل الله؛ وذلك أن الجهاد حقيقته الاجتهاد في حصول ما يحبه الله من الإيمان والعمل الصالح، وفي دفع ما يبغضه من الكفر والفسوق والعصيان ا- ه.

 قلت: والولاية تنقص وتضعف على قدر ما يضعف الجهاد، وتنقص المتابعة للرسول r ولسنته ..!

 فإن قيل: كم من فاسق بل وكافر يوضع له القبول عند جماهير كثيرة من الناس .. فكيف نوفق بين ذلك، وبين ما تقدم ؟!

 أقول: القبول يقاس من أوجه عدة:

 منها: باعتبار الزمن .. فكم من طاغية وظالم صفقت له في حياته جماهير عديدة من الناس لكنه ما إن يهلك، ويرحل إلى ربه ليلقى جزاءه .. فإن محبيه ينقلبون إلى أعداء وخصوم .. وأن الناس الذين كانوا يصفقون له، والأجيال من بعدهم .. لا تذكره إلا باللعن والطعن والسوء!

 بينما ذاك النبي الذي لم يؤمن به من قومه إلا الرجل الواحد كما جاء ذلك في الحديث وإن كان في الحقبة الزمنية التي يعيش فيها يظهر للناس أنه لم يوضع له القبول .. لكنه على امتداد الزمان، والقرون، والأجيال نجد أنه هو الذي وضع له القبول دون أعدائه من المجرمين، وبرهان ذلك أن ملايين من الموحدين على ممر الأزمان وإلى يوم القيامة يخصونه بالدعاء والصلاة كلما صلوا وسلموا على جميع الأنبياء والمرسلين ..!

 فكم من عالم لم يعرف الناس في زمانه قدره .. ويعيش بينهم غريباً طريداً .. ثم بعد أن يقضي نحبه، ويُلحد له في الأرض .. يضع الله له القبول والثناء الحسن على ألسنة العباد ..!

 ومنها: أن القبول يُقاس باعتبار نوعية الناس الذين نال عندهم القبول؛ أي أن القبول المعتبر هو القبول الحسن الذي يوضع للمرء عند الصالحين المؤمنين .. فهؤلاء شهادة الواحد منهم توازي وتعلو شهادة أمة من الكافرين المجرمين.

 ومنها: أن القبول المؤقت الآني الذي يوضع للمجرمين الفاسقين بين الناس .. يكون إما لإرهاب يدفعونه، أو لرغبة ما في أيديهم من عطاء .. فإذا ذهب هذا وذاك .. انقلب القبول إلى بغض، وطعن، ولعن .. وليس هكذا القبول الذي يوضع للمؤمنين الصالحين.

* * * * *

11- إذا أردت أن يُوسَّع عليك في الرزق ..

إذا أردت أن يُوسع عليك في الرزق فصِل رحمك .. يوسع الله عليك في الرزق!

إذا وقعت في فقر وحاجة فصِل رحمك .. يُرفع عنك الفقر، وتُقضى لك حاجتك ..!

هذا أمر قد جربته بنفسي أكثر من مرة .. حيث كانت لي في هذه الغربة عمة .. كلما وقعت في حاجة وضيق .. كنت أقصد زيارتها .. فأرزق بعدها .. وتُقضى حاجتي!

فإن كنت في شكٍّ من ذلك فاقرأ قوله r:" من سرَّه أن يُعظِم الله رزقه، وأن يُمدَّ في أجله فليصل رحمه ".

وقال r:" من سرّه أن يُبسط له في رزقه، ويُنسَأ في أثره فليصل رحمه ".

* * * * *

12- أكثر ما يُسيء العالِم ..!

 أكثر ما يُسيء العالِم أربعة أشياء:

 1- أن يقول مالا يفعل .. فينفع غيره وهو لا ينتفع .. ونفسه أولى بالنفع من غيره .. والله تعالى يقول:) كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (الصف:3.

 2- أن يكتم العلم مع حاجة الناس إليه .. والنبي r يقول:" ما من رجل يحفظ علماً فيكتمه، إلا أُتي به يوم القيامة مُلجماً بلجامٍ من النار ".

 وقال r:" من سُئل عن علم يعلمه فكتمه، أُلجم يوم القيامة بلجامٍ من نار ".

 3- أن يركن في معاشه على الراتب الذي يأخذه من الطاغوت .. فهو كلما أراد أن يقول كلمة حق في الظالمين .. فكر في راتبه ومعاشه .. ولقمة عيشه .. وعيش أطفاله .. فيجبن ويخذل الحق !

 كان ابن المبارك يتجر ويقول: لولا خمسة ما اتجرت: السفيانان، وفضيل، وابن السماك، وابن علية، فيصلهم بالعطاء . فقدم سنة، فقيل له: قد ولى ابن علية القضاء وقيل صدقات البصرة فلم يأته، ولم يصله .. !

 فركب ابن علية إليه فلم يرفع به رأساً، فانصرف فلما كان من غدٍ كتب إليه رقعة، يقول: قد كنت منتظراً لبرّك، وجئتك فلم تكلمني، فما رأيته مني؟!

 فقال ابن المبارك: يأبى هذا الرجل إلا أن تُقشَّر له العصا، ثم كتب إليه:

 يا جاعلَ العلمِ له بازيا ... يصطادُ أموالَ المساكين

 احتلتَ للدنيا ولذاتها ... بحيلةٍ تَذهبُ بالدينِ

 أين رواياتك في سردها ... في تركِ أبوابِ السلاطين

 إن قلتَ أُكرهتُ فذا باطلٌ ... زلَّ حمارُ العلمِ في الطينِ

 فلما وقف على هذه الأبيات قام من مجلس القضاء فوطئ بساط الرشيد، وقال: الله، الله، ارحم شيبتي فإني لا أصبر على القضاء ..!

 قلت: هذا فيمن يعمل في القضاء عند هارون الرشيد .. فكيف بمن يعمل في القضاء عند طواغيت الحكم في هذا العصر .. ويجعل من نفسه أسيراً لرواتبهم .. وعطائهم؟!

 4- أن يخالط الطواغيت الظالمين، ويتردد على مجالسهم .. والنبي r يقول:" من أتى أبواب السلطان افتتن، وما ازداد أحد من السلطان قرباً إلا ازداد من الله بعداً ".

* * * * *

13- الجاهِل العالم ..!

 هو الجاهل الذي يكسيه الطاغوت لحاجة في نفسه ثوب العلماء .. ويصنع له الدعاية القوية المكثفة ليقنع به الناس .. ويجند لذلك جنوداً وأبواقاً يرددون اسم هذا الجاهل العالم في الأمصار وفي كل وادٍ ونادٍ .. بأن هذا الجاهل هو العالم الذي دونه العلماء .. فالعلم لا يؤخذ إلا منه .. والسنة لا تؤخذ إلا منه .. وكذلك السلفية لا تؤخذ ولا تُعرف إلا منه .. فإذا نجح الطاغوت في ذلك .. وتحققت غايته .. وصدّق الناس كذبه .. قام الآخر الجاهل المتعالم بدوره كبوق وكساحر من سحرة فرعون لا هم له إلا كيف يذب عن سيده الطاغوت .. وكيف يجادل عنه .. وكيف يُضلل الشباب ويُحزبهم لنفسه .. وكيف يطلق الأحكام الجائرة على كل من يخالفه .. أو تسول له نفسه بسوء نحو سيده .. ولي نعمته .. الطاغوت!

 وما أكثر هؤلاء في هذا الزمان لو أردنا أن نذكر الأسماء ..!!

* * * * *

14- من هو العالِم ..؟

 للعالم خصائص وصفات أهمها وأعلاها وأجلها أن يدور ظاهراً وباطناً مع التوحيد حيث دار .. يشهد بالتوحيد .. ويدعو إلى التوحيد .. ويأمر بالتوحيد .. ويعلّم التوحيد .. !

 ومتى خرج عن ذلك الوصف بقليل أو كثير خرج من دائرة العلماء .. ومن وصف العلماء، والدليل على ذلك قوله تعالى:) شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (آل عمران:18.

 وعليه أيما امرئٍ لا يشهد بهذه الشهادة .. أو يشهد بما يضادها ويخالفها من الشرك .. فهو بنص الآية الكريمة ليس من العلماء، ولا من أولي العلم .. مهما اتسع صيته، وشُهر اسمه في الأمصار، أو تزيّ بزي العلماء!

* * * * *

15- الصديق الوفي ..!

 هو الذي تجده عند الحاجة .. ولو احتجته في شيء لا تخسره ..!

 هو الذي يسترك في السخط والرضى لو رأى منك عيباً ..!

 هو الذي لا يشي سرّك إلى أحدٍ .. وفي السخط والرضى سواء ..!

 هو الذي يقيل عثراتك وكبواتك .. عند حصولها .. ولا بد من حصولها!

 هو الذي ينصحك ولا يغشُّك .. ولا يكذبُك .. ولو نصحك فهو ينصحك غيرة عليك .. لا طعناً فيك!

 هو الذي ينصفك .. وينصف الحق منك .. في السخط والرضى سواء!

 هو الذي يُؤثرك على نفسه عند موارد الشح والقِل ..!

 هذا هو الصديق الوفي .. وهو في الناس أندر من النادر .. فإن وجدته فلا تفرط به ولو بملء الأرض ذهباً!

* * * * *

16- خوارج هذا الزمان ..!

 خوارج هذا الزمان .. يُعرفون بصفات وخِلال:

 منها: أنهم يُكفِّرون بالخطأ، وبالظن، والشبهات .. وبأمورٍ لا ترقى إلى اليقين .. بل وبأمور لا تكون في عالم الوجود والواقع!

 يكفي أحدهم ليصدر التكفير في حق فلان .. أن يُقال له قِيل عنه كذا وكذا ..!

 ومنها: أنهم لا يَعرفون مبدأ إقالة العثرات .. ولا مبدأ اعتبار الحسنات .. ولا مبدأ اعتبار المقاصد عند ورود المتشابهات .. ولا مبدأ رفع الملام عن الأئمة الأعلام كما يقول بذلك شيخ الإسلام!

 ومنها: أنهم لا يَعذرون بالجهل .. ولا بالتأويل .. ولا بعجز لا يمكن دفعه!

 ومنها: قلة الإنصاف والعدل .. فهم لأدنى خلاف يُكفِّرون .. ويجرمون .. ويخلدون في النار!

 ومنها: الجهل بالدين .. فينطلقون إلى آيات قيلت في أئمة الكفر والإجرام .. فيحملونها على المؤمنين الموحدين!

 ومن ذلك كذلك أنهم ينطلقون إلى كتب أهل العلم فيكثرون النقل منها .. فيضعونها في غير موضعها المراد .. فيظن المغررون المضللون من الشباب أنهم بذلك علماء .. لأنهم استندوا إلى أقوال العلماء في تنطعاتهم وأحكامهم الجائرة على الآخرين .. وبشيء من المتابعة والتدقيق يجد القارئ الواعي أن هذه النصوص التي استدلوا بها من أقوال أهل العلم هي عليهم وليست لهم .. أو على الأقل ليس فيها أدنى دلالة على ما ذهبوا إليه!

ومنها: الحقد الدفين على المسلمين الموحدين .. تحت عنوان إحياء عقيدة الولاء والبراء كما يزعمون ..!

ولو قيل عنهم: أنهم يُحيون عقيدة البراء والبراء .. وليس الولاء والبراء .. لكان التعبير بحقهم أصوب وأدق!

ومنها: أنهم ينفون عن أنفسهم تهمة التكفير بالذنوب .. لينفوا عن أنفسهم مسمى الغلو أو الخوارج .. وهم في حقيقتهم يكفرون بلا ذنب كما تقدم .. ففاقوا بذلك الخوارج .. وسبقوهم سبقاً بعيداً!!

 ومنها: أنهم يُعرفون بالكبر والتعالي على العباد .. لا يوجد عندهم كبير يحترمونه أو يرجعون إليه .. فالكبير والصغير عندهم سواء!

 هؤلاء هم خوارج هذا الزمان .. فاحذرهم .. وحذِّر الناس منهم .. واحذر أن تكون واحداً منهم وأنت لا تدري ..!!

* * * * *

17- حتى تكون سلفياً ..!

 حتى تكون سلفياً في هذا الزمان .. عند سلفيي آخر زمان لا بد لك من ثلاثة أشياء:

 1- أن تمسك عن تكفير طواغيت الحكم المعاصرين .. وتجادل عنهم!

 2- أن تقول أن مطلق العمل ليس شرطاً لصحة الإيمان .. وأن المرء يكفيه للنجاة يوم القيامة أن يأتي بالتصديق والقول ..!

 3- أن تبالغ في إطراء الشيخ فلان، وفلان، وفلان ..!!

 فإن أتقنت فعل هذه الأشياء .. فأنت سلفي جلد .. وأبو السلفيين!

* * * * *

18- غاياتُ البلاء ..!

 ينزل البلاء في العبد لغايات ومقاصد عدة، منها: البلاء الذي ينزل بالعبد لرفع مقاماته ودرجاته في الجنان .. كالبلاء الذي ينزل بالأنبياء، والصديقين، والشهداء.

 ومنها: البلاء الذي ينزل بالعبد تطهيراً لذنوبه وخطاياه ..!

 ومنها: البلاء الذي ينزل بالعبد انتقاماً وتبكيتاً وتعذيباً .. وذلك إما لكفره أو ظلمه وفجوره!

 ومنها: البلاء الذي ينزل بالعبد انتقاماً .. وتطهيراً لذنوبه معاً!

 ومنها: البلاء الذي ينزل تمحيصاً