قطار الموت قادم لا محالة

فهل أنت مستعد ؟

هيثم البوسعيدي

سلطنة عمان - مسقط

[email protected]

الموت هو الحقيقة الوحيدة التي لا نستطيع إنكارها فهو يخنق رقاب الحكام والمحكومين الأغنياء والفقراء المؤمنين والكافرين لا يستثني ولا يرحم أي أحد  ... كل واحد منا سوف يتذوق الآلامه وعذاباته مهما طال الزمن يقول الله عزوجل : " كل نفس ذائقة الموت"  كما انه حكاية تتسامع بها الآذان وحدث متكرر تتناقله الالسن وتنبهر منه العيون ووجع تحترق من مرارته القلوب فكم العيون التي أبكاها ؟ وكم الأمنيات والأحلام التي قطعها ؟ انه هادم اللذات ومفرق الأحباب وميتم البنين والبنات... يؤمن جميع البشر بالموت ولكن القليل منهم من يتأمل معاني الموت وبما في الموت من عبرة وعظة وتفكر في الحياة الجديدة والعالم الخفي الذي سوف ينتقل إليه الميت ، كل هذه الأمور تغفل عنها قلوبنا وعقولنا المقيدة بسلاسل الدنيا الفانية. 

اما نحن الأحياء لا نشعر بقسوة الموت إلا إذا فقدنا حبيب أو قريب عند ذلك نعيش تفاصيل الموت وتتمرغ نفوسنا في هول المصيبة وتسكن في قلوبنا وحشة الفراق والبعد ، ومما لاشك فيه فإن مسألة فراق الحبيب سواء أكان الأب أو الأم أو الزوجة أو الأولاد أو الأخوان  مؤثرة في النفس البشرية  وموجعة إلى أقصى الحدود ، فهي تبدأ من تنافر الروح عن الجسد ثم  الحزن الشديد الذي يصيب نفوس أهل الميت مرورا بمراحل الغسل والتطهير والصلاة ثم تبدأ الرحلة الجديدة بدفن الميت وتركه وحيدا مفردا جثة هامدة في القبر يلاقي مصيره ويعيش حياة جديدة ليعود التراب إلى التراب .

ولو رجعنا الى مشاهد الموت التي يمر بها الميت وتأمل صورته في حالة الممات فهي لمن دواعي الاعتبار والتفكر بمن صار تحت التراب ، وانقطع عن الأهل والخلان بعد أن جيش الجيوش وجمع الأموال وملك القصور وعلا في السلطان  فأتاه الموت فجأة في وقت لم يحتسبه ولم يستعد للهول الذي ينتظره، كما ان النظر الى الميت في لحظات الاحتظار امر صعب جدا يؤذي النفوس ويطرد المسرة من القلوب ويحرم النوم على الاجفان والابدان الطاهرة ، كل هذه المشاهد تختصر لك الحياة بانها مجرد قصة قصيرة من تراب على تراب الى تراب ثم حساب فثواب او عقاب  ....ان هذه الصور والمشاهد هي ذكرى لاصحاب العقول الواعية ومنبه لاصحاب القلوب الغافلة ؛ حتى تستعد لهذه الرحلة الطويلة قبل سكون الحركات وخمود الانفاس عندها لا فائدة من مشاعر الندم او تعاظم الاحساس بالتفريط والحسرة.

لذا فإن الكيس كما يقال قديما هو من  تذكر الموت لإن ذِكر الموت يورث الإنزعاج عن هذه الدار الفانية و التوجه في كل لحظة إلى الدار الباقية ويساعد في صفاء النفوس وتنقيتها ، ثم إن الإنسان في حياته لا ينفك عن حالتي ضيق و نعمة فإن كان في حال ضيق و محنة فذكر الموت يسهل عليه بعض ما هو فيه، فإنه لا يدوم و الموت أصعب منه، و إن كان في حالة نعمة  فذكر الموت يمنعه من الإغترار بها و السكون إليها ، والتفكر في الموت هو دواء لمن قسى قلبه ولزمه ذنبه واستحكمت به دواعي الاخطاء ، لذا فإن الاقتراب من الموت ومعايشتنا لموت الاحبة وزيارة القبور له دور في توثيق الصلة مع الله في اشكال عدة ، وتنشيط العبادة ، وقناعة القلب ، وتعجيل التوبة ، والبعد عن المعاصي وتليين القلوب المتحجرة ، وزيارة العجزة والفقراء ، وتنظيم حياتنا المغلوطة لتصبح ذات معنى وهدف.

أخيرا المتأمل في حال زماننا هذا يجد الغفلة حالة ملازمة لكثير من الناس فهم يتناسون الموت واهواله ثم يكررون الجملة الشهيرة " الحي ابقى من الميت" فالاحياء كما هو معروف لا يتبنون قضية الاموات كما انهم لا يضعون انفسهم في محل ذلك الميت ، مع ان قطار الموت قادم لا محالة ليحمل كل منا الى عالم آخر لا يعلم بخفاياه واهواله الا الله سبحانه ...  عجبا من الانسان فإنه يقضي جل حياته في اللهث وراء الدنيا ويبذل ما في استطاعته للحصول على مغرياتها ويتباهى بالصحة والاموال والشباب وبحلول فاجعة الموت يصبح كل ما فعله وافناه هباءا منثورا ، لذا فأنني اشدد على اهمية قضية الموت واستذكارها لكل فرد منا حتى نستنفع بها بعدم الاغترار بالدنيا قبل فوات الاوان ، لان مهما طال بنا المقام ففي النهاية القبور هي بيوتنا  والتراب هو فراشنا والدود هو انيسنا وتبقى آمالنا معلقة فقط باعمالنا الخيرة التي قمنا بها في حياتنا قبل الموت.