رمضانيات 4

رمضانيات

د.عثمان قدري مكانسي

[email protected]

ضيف لطيف

هذا الضيف العزيز الذي يزورنا  كل سنة شهراً يعطينا ولا يأخذ منا . لا يكلفنا ما لا نستطيع إنما يخفف عنا كثيراً من العناء ، ويساعدنا على التخلي عما يضر ولا ينفع . يعيننا مادياً ومعنوياً ونفسياً وفكرياً ... أما كيف ؟ فهاك رأيته وأراه  .

يأكل أحدنا ما يريد في الوقت الذي يشاء . وفي الوقت الذي يشاؤه غيره في كثير من الأحيان . فقد تلتقي بعضهم فيدعوك بإلحاح إلى غداء أو إفطار ما كنت تحسب له حساباً ، إنك تخرج من البيت أو تتغدى في مطعم وتنطلق إلى عملك  فتلتقي صديقاً أو عميلاً يريد أن يتقرب إليك و يكرمك ، وتخبره أن معدتك ممتلئة أو إنك لا ترغب فعلاً بإدخال شيء إليها لعدم شعورك بالجوع أو الرغبة في الطعام ، فلا يراعي الأمر ، ويصر على ذلك ، ولعله يعتبر عدم إجابة دعوته نوعاً من التهرب أو الإهانة !! فإذا أصررت على موقفك فقد تخسر موقفاً أو عميلاً ، وإن جاريته مُكرهاً خسرت صحتك ، نعم خسرت صحتك فالمعدة بيت الداء والحمية أصل كل دواء .

في رمضان تتخلص من كل هذه المواقف الحرجة . ومن أضغوط بعضهم وعدم تفهّمهم الأمور صحيحة .

بل إنك في الإفطار تتناول ثلاث تمرات  وتشرب كأساً من الماء ، وتنطلق لصلاة المغرب ، فتؤديها مرتاحاً ثم تعود لتأكل مع أسرتك أو أهلك وأحبابك .. والمسلم الحق يخفف الأكل نوعاً وكمية ، فيرتاح جسمه ويتخلص من الفضلات المقيمة في جسمه ، فيعاوده النشاط وتتحسن صحته ، هذا على فرض فهمنا لمعاني الصيام والعمل به .. أما ما يجري على الطبيعة فمخالف – مع الأسف – لحكمة الصيام ومسنونيته ، إذ ترى الصائمين ! يتموّنون في هذا الشهر ما لم يكونوا يفعلونه في الأشهر الأخرى ، فترتفع فاتورة الشراء وتكثر أنواع الأطعمة على مائدة الإفطار، وكأن القوم عائدون من بلاد الجوع  ، أو من إرهاق شديد بعد رياضة مضنية أو عمل شاق .

يُحكى أن مدخّناً يستهلك في اليوم علبة دخان واحدة قرر أن يمتنع عن اليدخين يوماً واحداً ليبرهن لنفسه أنه قادر على لجمها ، فعل ذلك بحق،  لكنه كافأ نفسه في اليوم التالي فدخّن علبتين ! وهذا حالنا معشر الصائمين إلا من رحم ربنا ، فإنك ترى أنواع العصائر وتنوّع الأطعمة على الخوان تنتظر مدفع الإفطار حتى يصير ما عليه في خبر كان ، ثم ينطلق الجميع إلى صلاة التراويح شبه نائمين بسبب بخار الطعام المرتفع إلى الرأس ، فإذا ما أدوا صلاة التراويح ( التساريع ) ومرّت ساعتان على وقت الإفطار عاد الناس يتناولون الحلوَيات وغيرها مما لذ وطاب فإذا المخزون من الطعام  في أجسامنا شهر رمضان فاق نظيره في بقية الشهور وتبدّل شهر الصيام إلى شهر المأكولات . ولا ننسَ ما يتناوله الناس في ليالي السمرمن أنواع الحلوى أمثال القطايف ، وغزل البنات ، والكُنافة بأنواعها ، والشُّعيبيات ، وقد تُسمى ( الوَربات )  .... وهي قائمة طويلة ...

والمطلوب في رمضان نوع من الغذاء نحتاجه كثيراً لأنه شهر البركات وشهر العفو والمغفرة ، إنه غذاء الروح والقلب والعقل . وهل أطيب من ذكر الله تعالى وتسبيحه والثناء عليه جل في علاه ؟. وهل ألذ من ركيعات في جوف الليل تغسل أدران الحياة وتجلو القلوب  وتُرضي رب العباد سبحانه ؟

وهل أفضل من إصلاح ذات البين ، فنعتذر ممن أسأنا إليه ونستسمحه ، وندعو له ويدعو لنا فإذا كانت ليلة القدر شملنا الله تعالى بالعتق من النار ، وغفر ذنوبنا وستر عيوبنا وقرّبنا إليه سبحانه ؟

لهذا كان أسلافنا ينتظرون هذا الشهر الكريم بفارغ الصبر ويقولون " اللهم بارك لنا في رجب وشعبان ، وبلّغنا رمضان"  .

ونحن نلهج إلى الله تعالى راغبين أن يجمع قلوبنا ويلم شملنا ، ويجعلنا قوة واحدة ويداً واحدة ترفع مقامنا بين الأمم وأن ينصرنا على أعدائنا ويشفي صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم .

              

السلف الصالح...أين نحن منهم 

قرأت بعض أخبار السلف الصالح ، فلم أستطع المقارنة بيننا وبينهم ، فأين الثرى من الثريّا ، وأين وهاد الأرض من القمم السامقة؟! وأين الوشل من النهر الواسع  العذب . فشتان ما بين الرياض الزاهرة والأرض المعشبة ، وما بين ضوء القمر وذبالة السراج .

قلت :

فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم    إن التشبه بالكرام فلاح

ألم يقل الشافعي وهو من القمم الذاهبة في سماء أمتنا ومن الشموس المضيئة في عالمنا الإسلامي والنجوم الزاهرة في حياة المسلمين :

أحب الصالحين ولستُ منهم     لعلي أن أنال بهم شفاعة  ؟؟

فإن قال هذا وهو مَن هو من السادة العلماء والرجال النجباء ، فأولى بنا أن نعرف شيئاً عنهم لعلنا نتخذ منهم القدوة الحسنة ، ونحبهم ونعمل بعض عملهم ، فينطبق علينا قول النبي صلى الله عليه وسلم : " يحشر المرء مع من أحب "

ولم أنقل لك سوى عباداتهم أما جهادهم فله - إن شاء الله تعالى - خاطرة أخرى .

قال الوليد بن مسلم : رأيت الأوزاعي يثبت في مصلاه ، يذكر الله حتى تطلع الشمس ، ويخبرنا عن السلف : أن ذلك كان هديهم ، فإذا طلعت الشمس ، قام بعضهم إلى بعض ، فأفاضوا في ذكر الله ، والتفقه في دينه .

روى حماد بن زيد عن أيوب قال : قيل لعمر بن عبد العزيز : يا أمير المؤمنين لو أتيت المدينة ، فإن قضى الله موتا ، دفنت في موضع القبر الرابع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : والله لأن يعذبني الله بغير النار أحب إلي من أن يعلم من قلبي أني أراني لذلك أهلا .

من التوازن عن السلف رحمهم الله أنهم يضاحك بعضهم بعضاً ، فإذا جاء الليل كانوا رهبانا .

وقال ابن المبارك : قيل لوهيب : أيجد طعم العبادة من يعصي ؟ قال : ولا من يهم بالمعصية.

وقال الحارث بن قيس العابد الفقيه التابعي : إذا كنت في الصلاة ، فقال لك الشيطان : إنك ترائي ، فزدها طولا.

عن نافع: كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا قرأ: { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله } بكى حتى يغلبه البكاء . وكان لابن عمر مهراس فيه ماء , فيصلي فيه ماقدر له , ثم يصير إلى الفراش يغفي إغفاءة الطائر , ثم يقوم , فيتوضأ ويصلي , يفعل ذلك في الليل أربع مرات أو خمساً .

أما عامر بن قيس الزاهد فقد كان من عباد التابعين ، يشغل نفسه بإقراء الناس ، كان يقول : من أُقرئ ؟ فيأتيه ناس ، فيقرئهم القرآن ثم يقوم فيصلي إلى الظهر ، ثم يصلي إلى العصر ، ثم يقرئ الناس إلى المغرب ، ثم يصلي مابين العشائين ، ثم ينصرف إلى منزله ، فيأكل رغيفا ، وينام نومة خفيفة ، ثم يقوم لصلاته ، ثم يتسحر رغيفا ويخرج ، ولما احتضر بكى ، فقيل مايبكيك ؟ قال : ما أبكي جزعا من الموت ، ولا حرصا على الدنيا ، ولكن أبكي على ظمأ الهواجر وقيام الليل .

أما العابد التابعي هرم بن حيان العبدي ، فقد قاد بعض الحروب في أيام عمر وعثمان ، قال ابن سعد : كان عاملا لعمر ، وكان ثقة ، له فضل وعبادة .وكان يخرج في بعض الليل وينادي بأعلى صوته : عجبت من الجنة كيف نام طالبها ؟ وعجبت من النار كيف نام هاربها ؟ ثم يقول : { أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا}
وكان يقول : ما أقبل عبد بقلبه إلى الله ، إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه ، حتى يرزقه ودهم .

أما الإمام أبو عمرو الأسود بن يزيد النخعي فكان من رؤوس العلم والعمل .ويضرب بعبادته المثل .سئل الشعبي عنه فقال : كان صواماً قواماً حجاجاً . وكان يختم القرآن في رمضان في كل ليلتين ، وكان ينام بين المغرب والعشاء ، وكان يختم القرآن في غير رمضان في كل ست ليال .
قال عنه علقمة بن مرثد: كان الأسود يجتهد في العبادة ، ويصوم حتى يخضر ويصفر ، فلما احتضر بكى ، فقيل له : ما هذا الجزع ؟ فقال : مالي لا أجزع ، والله لو أتيت بالمغفرة من الله لأهمني الحياء منه مما قد صنعت ، إن الرجل ليكون بينه وبين آخر الذنب الصغير فيعفو عنه ، فلا يزال مستحييا منه .

أما مُرّة الطيب الهمداني الكوفيّ ، ويقال له : مرة الخير لعبادته وخيره وعلمه ، فتابعيّ روى عن أبي بكر وعمر وابن مسعود رضي الله عنهم .
يصفه يحيى بن معين فيقول : بلغنا عنه أنه سجد لله حتى أكل التراب جبهته .وقال عطاء بن السائب : رأيت مصلى مُرّة الهمداني مثل مبرك البعير . كان همه العبادة وقراءة القرآن والبحث عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .

أما أبو بحر الأحنف بن قيس التميمي ، أحد السادة الأمراء والحلماء ، ومن يُضرب بحلمه المثل ، فإنه كان يكثر الصيام ، فقيل له : إنك كبير ، والصوم يضعفك . قال إني أعده لسفر طويل . وعُرف عنه محاسبة النفس ، فقد كان يقول : ما حملك يا أحنف على أن صنعت كذا يوم كذا ؟. وذهبت عينه فقال : ذهبت من أربعين سنة ما شكوتها إلى أحد .

أما شبيه الرسول صلى الله عليه وسلم في صلاته فعمرو بن الأسود العنسي الحمصي ، أدرك الجاهلية والأسلام ، كان من سادة التابعين دينا وورعا .
حج ابن الأسود ، فلما انتهى إلى المدينة ، نظر إليه ابن عمر وهو يصلي فسأل عنه ، فقيل : شامي يقال له : عمرو بن الأسود ، فقال : ما رأيت أحدا أشبه صلاة ولا هديا ولا خشوعا ولا لبسة برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الرجل .
ثم بعث إليه ابن عمر بقرىً وعلف ونفقة ، فقبل ذلك ورد النفقة .
وقال ابن عمر رضي الله عنهما : من سره أن ينظر إلى هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلينظر إلى هدي عمرو بن الأسود .

              

المبارك وابن عياض

موقعٌ في النت من أكثر المواقع نفعاً ، لا أشبع منه ولا أرى غيرهُ – من قبيله – خيراً منه – بزعمي – فما من يوم إلا وأستعين بهذا الموقع في تفسير آية كريمة أو معنى جليل ، أو التعرف إلى قصة وموقف تربوي أو فكري وأدبي أو تاريخيّ . " quran . muslim " فيه تفسير ابن كثير والجلالين والطبري والقرطبي رحمهم الله إلى جانب كل آية من آيات القرآن الكريم . فتعرّج على معنى الآيات في جمع هذه التفاسير الجليلة بسهولة ويسر، وتدرس ما فيها وتقارن مقارنة قاطف الورد وناسم الرّوح لا مقارنة التفضيل والتقديم ، فما يحق لي أن أكون إلا تلميذاً صغيراً من تلاميذ تلامذتهم وأقل من ذلك بكثير . نسأل الله تعالى أن يحشرنا معهم في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله تحت لواء سيد البشر وخاتم النبيين .

كنت أقرأ تفسير قوله تعالى آخر سورة آل عمران " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200) " فمررت في تفسير ابن كثير بقصة العالمين الجليلين " عبد الله بن المبارك " و" الفضيل بن عياض " رحمهما الله تعالى . وكلاهما عالم جليل وإمام في الدين . فقد كان ابن المبارك في أحد الثغور الإسلامية ،يجاهد في سبيل الله تعالى ، وكان الفضيل بن عياض في الحرم المكي معتكفاً لا يكاد يخرج منه إلا لزيارة المصطفى عليه الصلاة والسلام في المدينته المشرفة ، ففي قصتهما عبرة وعظة ، وأدب وأخلاق .

رَوَى الْحَافِظ اِبْن عَسَاكِر فِي تَرْجَمَة عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن أَبِي سُكَيْنَة قَالَ : أَملَى عَلَيَّ عَبْد اللَّه بن الْمُبَارَك هَذِهِ الأبيات بِطَرَسُوس ( على حدود الروم ) وَوَدَّعْته لِلْخُرُوجِ وَأَنْشَدَهَا مَعِي إِلَى الْفُضَيْل بْن عِيَاض فِي سَنَة سَبْعِينَ ومئة وَفِي رِوَايَة سَنَة سَبْع وَسَبْعِينَ وَمِئَة.

يَا عَابِد الْحَرَمَيْنِ لَوْ iiأَبْصَرْتنَا
مَنْ كَانَ يَخْضِبُ خَدّه iiبِدُمُوعِهِ
أَوْ  كَانَ يُتعِب خَيلَهُ فِي بَاطِل
رِيح العَبِير لَكُمْ وَنَحْنُ iiعَبِيرنَا
وَلَـقَـدْ أَتَـانَا مِنْ مَقال نَبِيّنَا
لا تسْتَوِي أغُبَار خَيْل اللَّه فِي
هَـذَا كِـتاب اللَّه يَنْطِق بَيننَا






لَعَلِمْت  أَنَّك فِي الْعِبَادَة iiتَلْعَبُ
فَـنُـحُورنَا بِدِمَائِنَا iiتَتَخَضَّبُ
فَـخُيُولنَا يَوْم الصَّبِيحَة تَتْعَبُ
رَهْج السَّنَابِك iiوَالغبارالأطيبُ
قَوْل  صَحِيح صَادِق iiلايكذبُ
أَنْف  اِمْرِئٍ وَدُخَانُ نَار تَلْهَبُ
لَـيْسَ الشَّهِيد بِمَيّتٍ لا iiيكذَبُ

قَالَ فَلَقِيت الْفُضَيْل بْن عِيَاض بِكِتَابِهِ فِي الْمَسْجد الْحَرَام فَلَمَّا قَرَأَهُ ذَرَفَتْ عَينَاهُ وَقَالَ : صَدَقَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن وَنَصَحَنِي ، ثُمَّ قَالَ : أَنتَ مِمَّنْ يكتُب الحَدِيث ؟ قُلْت : نَعَمْ قَالَ : فَاكْتُبْ هَذَا الحَدِيث كِرَاء ( أجرة ) حَمْلك كِتَاب أَبِي عَبْد الرَّحْمَن إِلَيْنَا . وَأَمْلَى عَلَيّ الْفُضَيل بْن عِيَاض :

حَدَّثَنَا مَنْصُور بْن الْمُعْتَمِر عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة : أَنَّ رَجُلاً قَالَ : يَا رَسُول اللَّه عَلِّمْنِي عملاً أَنَال بِهِ ثَوَاب الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيل اللَّه فَقَالَ " هَلْ تَسْتَطِيع أَنْ تُصَلِّي فلا تَفتُر وَتَصُوم فَلا تُفطِر ؟ " فَقَالَ يَا رَسُول اللَّه أَنَا أَضْعَف مِنْ أَنْ أَسْتَطِيع ذَلِكَ . ثُمَّ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ طُوِّقْت ذَلِكَ مَا بَلَغْت الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيل اللَّه أَوَمَا عَلِمْت أَنَّ الْفَرَس الْمُجَاهِد لَيَسْتَنّ فِي طِوَلِه فَيُكْتَب لَهُ بِذَلِكَ الْحَسَنَات " .

فأقر الفُضيل رحمه الله تعالى بفضل المجاهد على العابد .. والأحاديث الواردة بهذا الخصوص كثيرة وصحيحة . وما أعظم أن يكون المسلم صواماً قوّاماً ومجاهداً مقاتلاً في سبيل الله فينال الأجرين معاً ، وهؤلاء قليل ندرة الأحجار الكريمة في أرض مليئة بالصخور والأحجار . فطوبى للمشمّرين .

              

ليتنا نصوم ونفطر معاً

صامت ليبيا قبل الجميع بيوم ، ثم صام أغلب المسلمين في اليوم التالي ، وصامت بعض البلاد الشرقية في اليوم الثالث . وهذه وهدة المهزلة في عالمنا المسلم ...

ولسوف نرى غداً الثلاثاء من يفطر وحده أو مع غيره ، ثم نرى البقية الباقية تتابع في إعلان رؤيتها شهر شوال الأربعاء والخميس !

فلماذا هذا الاختلاف في الأمور البدهية ؟ نعم إنها بدهية على الرغم من تنطع المتنطعين وفلسفة المتفيهقين . وتعليلات من يدّعي الاجتهاد والتأويل .

1- إن من صعد القمر ودار حوله ثم نزل عليه كان يحسب حركاته ودورانه بالثانية وأجزائها ، ويتابعه أيام الصحو والغيوم والليل والنهار أكان هلالاً أم بدراً أم محاقاً ، ويحدد مطالعه ومخارجه ومسافته وبعده ..  وتصل إليه المركبة الفضائية بالدقة المتناهية  فهل قمرهم غير قمرنا ؟ وأهلّتهم غير أهلّتنا ؟!

2- يقول النبي صلى الله عليه وسلم " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته " ولم يحدد صلى الله عليه وسلم طريقة الرؤية ، قد تراه بالعين المجردة أو النواظيرالدقيقة أو الحسابات الفلكية . وقد تكون الرؤية عينية وقد تكون حسابية  . والأخيرة – الرؤية الحسابية - دقيقة كما ذكرنا قبل قليل .فلماذا التقيد بالوسائل القديمة ما دامت الطرق الحديثة تؤدي الرؤية على  وجه أتمّ وأكمل ؟

3- ولم يقصد صلى الله عليه وسلم أن يرى المسلمون الهلال في صيام رمضان ولا إفطار شوال  ويكفي أن يراه الموثوق بهم ليثبت أحد الأمرين ، والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم  " صلّوا كما رأيتموني أصلي " ولم يره صلى الله عليه وسلم يصلي إلا أصحابُه رضوان الله تعالى عليهم ، فهل تسقط الصلاة عمّن لم يره أوْ له أن يصلي كما يشاء؟ أم إن المسلمين التزموا أخبار الصحابة الثقات الذين رأوا صلاته فأوصلوها لنا؟

4- بعضهم  يقول : إن هناك مطالع للقمركثيرة . فلنسألهم : هل تعدد المطالع يعني أن من صام أو أفطر اليوم سيجد قمره في الليلة الرابعة عشرة مستديراً ، ومن صام أو أفطر بعده بيوم ستكتمل دورته في اليوم التالي؟! وأقصد أن المتأخرين سوف يكون قمرهم في الليلة الثالثة عشرة حين يكون قمر من صام قبلهم مستديراً استدارة كاملة ؟ قد يكون الجواب إيجاباً حين يكون لكل بلد قمر خاص بهم يظهر لهم بطلعته البهية دون غيرهم  !!  ، وليس حول الأرض سوى قمر واحد يطلع عليهم جميعاً في ليلة واحدة ويغيب عنهم جميعاً في ليلة واحدة . 

5- بعضهم يحتج قائلاً : إن هناك ما يثبت كثرة مطالع الشروق والغروب . ألم يقل القرآن الكريم مرة " رب المشرق والمغرب " ويقول أخرى " رب المشرقين ورب المغربين " ويقول ثالثة " رب المشارق والمغارب " ؟  فالجواب أن الشروق والغروب يحصلان كل ثانية على مساحات في الكرة الأرضية لأنها تدور حول نفسها إلا أن القمر واحد كما أن الشمس واحدة .

6- وللتدليل على أن القمر يطلع على الأرض كلها في ليلة واحدة نقول :إن الهلال يظهر دقائق قليلة في الليلة التي يولد فيها ، لكنه سيمتد بقاؤه في اليوم التالي حوالي خمسين دقيقة  ، ولنفرض أن بلداً صام الأحد حين ثبت لأهله رؤية هلاله  في الليلة السابقة ، وبلداً آخر صام يوم الاثنين لأنه لم يثبت عنده رؤية الهلال ، فإذا كان صوم البلد الأول صحيحاً فسوف يرى أهل الأرض كلهم الهلال أكثر من خمسين دقيقة  قبل غيابه ، وإذا لم يروا الهلال فهذا يعني أنه صام يوماً من شعبان . وقد قلنا إن القمر في استدارته سوف يراه أهل الأرض كلهم مستديراً .

7- لست ممن يحب المناكفة والجدال إلا أن المنطق والعقلانية والعلم ينبغي أن يكون رائدنا إلى الحق وأن يكون تصرفنا دالاً على حكمة وحسن تصرف ، فالبشرية تنظر إلينا نظرة الناقد والمتفحص ينتظرون منا خطأ – وما أكثر أخطاءنا مع الأسف -  ليهزؤوا بنا ويسخروا منا وينفروا عنا .  وها نحن بتفرقنا وبعدنا عن الله نقدم للعدو ما يرغب ويشتهي ، ليتشفى ويسيء .

8- إن تقوى الله يقربنا إلى أنفسنا ويغيّر حالنا من ضعف إلى قوة ، ويجعلنا يداً واحدة ، ويفوّت على المتربص بنا مكره وفساده ، ويخذّله عنا ثم يَخذُلثه . فهل نعي ذلك ؟ أم على قلوب أقفالُها؟!!!