هكذا تنطوي صفحات العمر
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره واتوب اليه ونعوذ بالله من شرور انفسنا وسيئات اعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمد عبده ورسوله وصلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ..
فسال محدثي وكانت علامات النجابة والنباهه ظاهرة عليه وتعلوه سيما الخير والصلاح ونحن فى زمن تقبل فيه انصاف الحلول وتميع فيه الاوامر والنواهي فما وافق الهوي اخذنا وماخالفه تجاهلنا ... وساحدثك عن حادثة وقعت لي قبل شهور ... ساحدثك عن قريب بعيد قربة النسب وابعده الدين وبحكم اطلاعي على دقائق حياته وتفاصيل ايامه فقد تاكد لي انه لا يصلي مطلقا ...
كنت اتعجل الايام واسير معه فى الحديث خطوات عجلي ليقيم الصلاة ولكنه كان يقدم ويؤخر ويظن ان العمر طويل ورغم النهاية المرة التى يعلمها كل بني البشؤ الا يتماهل ويتجاهل ..
قلت له عشرون وثلاثون بل ثمانون عاما ثم ماذا بعد .... الموقف نفسه سيمر عليك طالت بك الايام ام قصرت عنك الليالي ..
فى ليل مظلم استحوذ عليه الشيطان فانساه ذكر الله اطلق قديمه ترك فى اوحال المعصية واوزار الكبيرة ..الهته الاماني وغرته لذة الحياة وبهجة الدنيا ... وكثير من الناس اليوم مثله لو اجلت طرفك فى المجتمع ..
وفجاة على غير موعد نزل به نازل وطرقه طارق ولم يكن هذا الضيف ليزوره الا هذه المرة فحسب ولكنها زيارة ثقيلة مؤلمة انه الزائر الذي لا يرد ...
حاول ان يؤخره او يؤجله بل ورغب ان يتفاهم معه ويدفع فى وجهه الدواء والطبيب والاموال والاولاد ولكن انتهي كل شيء ...
هوت امال عظام واحلام كالجبال ورغم كل الوسائل الدفاعية نزل بساحته امر كان ينكر وقوعه فحشرج صدره وضاقت انفاسه وغادرت روحه وامامه اسئله صعاب الجنة والنار ...
فى مجتمع اسرتي لم يكن هو اول من غادر الدنيا بهذه السرعة ولم يكن هو الشاب الوحيد الذي فقدناه ... ولكن كانت حياته فجيعه وموته عبره .. وكان يوم موته وتغسيله والصلاه عليه يوما مشهودا .. تراجعت طاعةوعبادة حتى تم كل شيء .. ولعلك تعلم ان فى مجتمعي الصغير بعضا ممن فى دينه وهن وفى اسلامه دخن ومنهم من تلبسه الشياطين فاعلن النفاق قولا وعملا وهؤلاء واعوانهم اجتمعوا لحربي واطلاق السهام نحوي فى اجتماع عائلي شهري ملاه الاشياخ من كبار السن ومن شبابهم وصغارهم ..
قال محدثي وهو يتذكر الموقف فى ذلك الجمع الكبير هب احدهم شاهرا سيفه ومصوبا سهمه ورافعا صوته باستغراب يملؤه الاستهزاء وهو يسمع الجميع .. اني انت عن صلة الرحم والقيام بالواجب فها هو فلان مات ولن نر لك اثرا ولم نعلم لك مكانا وهي ايام مشهوده لم يتاخر عنها القاصي والداني سوي انت اشار باصبعه نحوي ..
اتجهت العيون يملؤها العتاب وتحركت الايدي لتوم وهتزت الرؤوس تؤكد حدثية وتستطلع جوابا لسؤاله .. اين انت عن واجب الصلاة والعزاء .. واضاف احدهم ممن اتخذ الاستهزاء طريق تصلى وتصوم ولا تعرف حقوق القريب وواجبات الاسرة ..
ثم نقث حقدا اسود من قبله وهو يقول .. انت مظهر بدون مخبر وصرة بدون روح .. تدعون انكم اتخذتم الدين شعار ودثارا وانتم لم تقيموا صلبه ..
قال محدثي كانه يزل حيرتي واستعجالي سماع ردة فعله ونهاية المجلس الغاضب والمحاكمة السريعة ..
جعلتهم يتحدثون ما شاءوا وجعلت نفسي هدفا لسهامهم حتى فرغت كنانه الكثير منهم ثم قلت للمحدث الاول بصوت يسمعه الجميع .. ما رايك لو صليت صلاة المغرب اربع ركعات .. هل يجوز لك ذلك .. سكت ولم يجب وهو يحرك حاجبيه ويهز يده باستغباء عجيب ولكن عدت وكررت السؤال وطلبت منه الاجابة بصوت مسموع حتى يسمع المجلس كله قال لي بعد تكرار السؤال عليه ثلاث مرات لا يجوز ..
قلت احسنت هذا امر الله ورسوله فنحن نطيعه فى هذا والله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم امرنا فى الكتاب والسنة الا نصلي على من مات وهو لا يصلي وسماه كافرا ..
رفعت صوتي نحو المجلس وانا افرغ سهما من كنانتي هل اسمع كلام الله ورسوله واطيع امرهما ام اسمع جعجعتك وهراءك ..
استدرت نحو المجلس وانا اقول امرنا ان لا نصلي على من مات وهو تارك الصلاة ولا نغسله ولا ندفنه فى مقابر المسلمين لقد سلمت وانبت واطعت نفذت ولهذا صليت المغرب ثلاث ركعات كما يجب وتركت الصلاة على من لا يصلي كما يجب ..
خيم الصمت على المجلس واستراحت النفوس واغمدت السيوف فقد ظهر الامر واضحا جليا ولم افرح انتصار لنفسي بل لما عطرت به المجلس من قول الحق ..
قال محدثي مرت شهور فاذا كثير من شباب اسرتنا وقد سمع وراي هذا الموقف يعيد حساباته ويراجع افعاله ويخشي ان يمر عليه يوم لا يجد فيه من يصلي عليه ..
لقد كان هلاك هذا القريب رحمه الله لمن بعده وعبرة لمن خلفه ويزال يتردد فى جنبات المسلمين قول الله تعالي .. ولا تصل على احد منهم مات ابدا ولاتقم على قبره ..
وهكذا تمر الايام عجلي وتنطوي صفحات العمر ويبقي للمرء ما قدم فاطلق بصرك قليلا لتري الامر ثم مد يدك لترحيب بالزائر القادم واكرم قدومه فهو يقطع الايام والشهور سائرا نحوك ...
المصدر – عبد الملك القاسم
وسوم: العدد 623