خواطر من الكون المجاور 42: الكون الروحي 2

لنستطيع الوصول إلى حقيقة الشيء أو الحدث لا بد من دراسته برؤية شاملة من جميع زواياه ،الرؤية الفيزيائية ضرورية ولكنها تعتبر زاوية صغيرة من الرؤية الشاملة فهي تعطينا فقط معلومات عن التركيب المادي لشيء، أو بكلام أوضح تعطينا معلومات عن الشكل فقط ولكن هناك أهم بكثير من الشكل ونقصد هنا المضمون ،

موضوع إمكانية السفر عبر الزمن إذا نظرنا إليه من زاوية فيزيائية سيبدو لنا بأنها فكرة صحيحة وقابلة للتطبيق ، ولكن إذا نظرنا إليه برؤية شاملة سنجد أنه من المستحيل تطبيقها واقعيا. لتوضيح هذه الفكرة سنعطي هذا المثال البسيط :

إذا سألنا ما هي الحياة ؟ اﻹجابة ستكون الحياة هي الـ DNA ، وإذا سألنا ما هو الـ DNA ؟ اﻹجابة ستكون هو عبارة عن مركبات عضوية ، فما هو المركب العضوي ؟ هو عبارة عن مجموعة من العناصر الكيمائية المتحدة مع بعضها البعض ، بشكل نظري وبرؤية من زاوية كيميائية، فطالما أننا نستطيع من خلال التفاعلات الكيميائية تكوين مركبات عضوية ، هذا يعني بأننا نستطيع صناعة المركبات العضوية التي تدخل في تركيب الـ DNA وهذا يعني أننا نستطيع صناعة الحياة ، نظريا اﻷمر مقبول ولا عليه أي إعتراض، ولكن بشكل واقعي فإن تكوين الـ DNA يعتبر شيء مستحيل ، لذلك نجد أن جميع محاولات العلماء في صناعة الـ DNA باءت بالفشل ، وسبب الفشل هو إحتواء ال DNA على الروح ، فالنظرة المادية لوحدها هنا لا تستطيع رؤية ما يتعلق بالجانب الروحي لهذه اﻹتحادات ، ﻷن الروح لها قوانينها الخاصة التي لا يعلم عنها علماء عصرنا شيئا.

جميع اﻵراء الفلسفية لعلماء الفيزياء عن الظواهر الكونية تعاني من نفس المشكلة التي ذكرناها في مثالنا ، فهم ينظرون إليها كمادة دون أن يشعروا بالجانب الروحي لها، على الرغم من أن المادة نفسها قد عبرت لهم عن هذا الجانب الروحي. فالإلكترون مثلا معروف عنه بسلوكه اﻹزدواجي فهو تارة يظهر كجسيم (مادة ) وتارة أخرى يظهر كموجة (عديم المادة ) فظهوره كموجة هنا هو رمز يعبر عن وجود روح بسيطة جدا في داخل اﻹلكترون تجعله يسلك سلوك معين في ظروف معينة ليعبر عن نفسه . هكذا هي أيضا الكواكب والنجوم فهي عدا شكلها وتركيبها المادي لها أيضا معنى روحي يعبر عن سبب وجودها ، لذلك ظهرت في العصور القديمة محاولات في فهم المعنى الروحي لها ولكن للأسف تحول هذا العلم فيما بعد إلى علم مزيف وأصبح شعوذة وخرافات وسمي بعلم التنجيم ، فكل شيء موجود في هذا الكون لم يخلق عبثا ولكن له سبب معنوي ، وحتى نفهم دوره الحقيقي في التطور الروحي الكوني لا بد من فهم مضمون هذا الشيء حيث فهم المضمون يأتي عن طريق دراسة التعبير الروحي لشكل هذا الشيء ، ولكن للأسف ما يحدث في عصرنا الحديث أن العلماء يأخذون الشكل فقط دون أن يعلموا شيئا عن المضمون. لذلك تحول الكون بأكمله في فكر اﻹنسان المعاصر إلى كون مادي خالي من الروح.

من يبحث في مشاهد اﻷفلام الوثائقية العلمية التي تتحدث عن إمكانية السفر عبر الزمن وعلى الرغم من أن الذين يشاركون في طرح فقرات الفيلم هم علماء فيزياء من أرقى جامعات العالم ، يجد أن الخلاصة العامة للفيلم والتي تذهب إلى فكر المشاهدين غير المختصين بعلم الفيزياء ، تنتج في عقولهم أفكار ساذجة عن مفهوم السفر عبر الزمن مشابهة تماما لتلك الفكرة التي إستخدمها كاتب قصة فيلم المبيد حيث نجد أن اﻷب ولد بعد إبنه ب 15 عام ، فهو يسافر إلى الماضي ويضاجع أم قائده ( أبيه ) الذي أرسله إلى الماضي لحماية أمه وفي فيلم سوبرمان نجد أن سوبرمان يجبر الكرة اﻷرضية على الدوران بجهة معاكسة فيعود إلى الماضي ، ما علاقة جهة دوران الكرة اﻷرضية بالزمن؟ لا شيء، مثل هذه اﻷفكار الساذجة لم تظهر عبثا ولكنها كانت نتيجة حتمية لعملية تشويه الزمن التي حصلت بسبب آراء كبار علماء الفيزياء. وللأسف أنشتاين نفسه كان له دور في وصول فكرة إمكانية السفر عبر الزمن إلى مثل هذه السذاجة، ﻷنه أول من شوه مفهوم الزمن وحوله من مفهوم شامل إلى مفهوم مادي سطحي لا علاقة له نهائيا بمضمون مفهوم الزمن.

الزمن بالنسبة ﻷنشتاين هو البعد الرابع للمكان ، فمن المعروف أن المكان له ثلاثة أبعاد (الطول والعرض واﻹرتفاع ) ومن إجتماع اﻷبعاد اﻷربعة ظهر المصطلح العلمي ( الزمكان ) أي الزمان والمكان. فطالما أننا نستطيع التحرك على خط الطول إلى اﻷمام وإلى الخلف ، وعلى خط العرض من اليمين إلى اليسار ، وعلى خط اﻹرتفاع إلى الأسفل وإلى اﻷعلى ، هذا يعني أننا نستطيع الحركة أيضا على خط الزمن إلى الماضي وإلى المستقبل. ولكن هل هذا اﻷمر بهذه البساطة ؟ لتوضيح عملية تشويه مفهوم الزمن في نظرية أنشتاين والذي أدى إلى ظهور خرافة السفر عبر الزمن، سنعطي هذا المثال البسيط :

في الماضي كانت الرسائل واﻷخبار عادة تنتقل بواسطة فارس ينقل الرسالة على حصانه وينتقل من مكان إلى مكان، الملكة كليوباترا، مثلا ، توفيت في يوم 12 آب عام 30 قبل الميلاد، حتى ينقل ساعي البريد ( الفارس ) خبر وفاة كليوباترا إلى حاكم مدينة القدس سيحتاج إلى 30 يوم ، وإلى حاكم مدينة دمشق يحتاج إلى 45 يوم ، وإلى مدينة بابل في العراق 90 يوم ، وإلى الهند 260 يوم ، وإلى شرق الصين 500 يوم.

تاريخ وصول خبر وفاة الملكة كليوباترا ، يختلف من مكان إلى آخر حسب بعده عن مدينة اﻹسكندرية ، فسكان سواحل الشرقية في الصين كما ذكرنا سيعلمون خبر وفاة كليوباتر بعد مرور 500 يوم تقريبا ،وكل منطقة ستسجل تاريخ الوفاة حسب التقويم الذي تعتمد عليه ولكن جميعها ستذكر تاريخ وفاة الملكة كليوباترا بأنه حدث في يوم 12 آب عام 30 قبل الميلاد وليس حسب زمن وصول الخبر إليهم ﻷن لحظة الوفاة ثابتة بالنسبة لجميع أنحاء العالم و جميع أنحاء الكون أيضا.

بالنسبة لعلماء الفيزياء وبعد ظهور نظرية النسبية ﻷنشتاين فاﻷمر يختلف. فالكون بالنسبة لهم هو كون جامد، الماضي والحاضر والمستقبل هي أشياء ثابتة موجودة معا في نفس اللحظة في الكون ، فالزمن بالنسبة لهم مثل شريط فيلم السينما يتألف من آلاف الصور الموجودة معا في نفس الوقت ، فإذا نظرنا إلى بداية الشريط سنجد عناوين الفيلم ، أما إذا نظرنا في منتصفه فسنرى حبكة الفيلم وإذا ما نظرنا إلى آخر الشريط فسنرى نهاية القصة ، فالزمن هنا جامد لا يوجد به أي جريان من الماضي إلى الحاضر إلى المستقبل ، فإذا كنا خارج الكون ونظرنا إلى داخله فيمكننا رؤية أنفسنا ونحن في مرحلة الرضاعة ، وعلى مقربة منها سنرى أنفسنا ونحن في سن المراهقة وعلى التوالي سنرى أنفسنا ونحن في سن الرشد ومن ثم الهرم وبالأخير ونحن على فراش الموت، جميع هذه الفترات موجودة جنبا إلى جنب ،وكأنها صور في شريط سينمائي بين أيدينا.

هذه الفكرة كمفهوم مادي مقبولة ،فإذا إعتبرنا أنه هناك مخلوقات في الكواكب اﻷخرى تراقب سكان اﻷرض فخبر وفاة الملكة كليو باترا سيصل إلى سكان كوكب المشتري بعد 35 دقيقة ﻷن زمن إنتقال الضوء (حامل للمعلومات ) من اﻷرض إلى المشتري هو 35 دقيقة ، وسيصل خبر وفاة الملكة إلى سكان كوكب بلوتو بعد 5 ساعات ﻷن الضوء ليصل إلى بلوتو يحتاج إلى 5 ساعات ، وحتى يصل الخبر إلى نجم سيريوس ألمع نجم في السماء فسيحتاج إلى 8،6 سنوات ، ﻷن هذا النجم يبعد عنا 8،6 سنوات ضوئية ، ولكي يصل إلى مركز المجرة يحتاج إلى 27000 سنة ، وهكذا.....

خلاصة القول بأن ما يحدث في الكرة اﻷرضية ينتقل كصورة تذهب مع أشعة الضوء إلى جميع أنحاء الكون ، فإذا نظرنا من نجم يبعد عن اﻷرض 70 سنة ضوئية سنرى مدينة هيروشيما وهي تتدمر بسبب إنفجار القنبلة الذرية فيها، أما إذا نظرنا إلى اﻷرض من نجم يبعد عنا 2045 سنة ضوئية سنرى لحظة وفاة الملكة كليوباترا، وإذا نظرنا إلى اﻷرض من نجم يبعد عنا 4670 سنة ضوئية ، سنرى الكرة اﻷرضية في عهد بناء هرم خوفو ، وإذا نظرنا إلى اﻷرض من نجم يبعد عنا 80 مليون سنة ضوئية سنرى اﻷرض وهي في عصر الديناصورات ، وهكذا كلما إبتعدنا أكثر كلما رأينا الكرة اﻷرضية في عمر مبكر أكثر ﻷن الضوء يحتاج إلى زمن أطول للوصول إلى ذلك المكان ، وهذا يعني أن تاريخ الكرة اﻷرضية بأكمله موجود على المناطق المختلفة من الكون ،ولكن كصورة وليس كوجود حي ، وهنا هي نقطة اﻹختلاف مع فكرة الكون الجامد.

فكل شخص منا لديه في بيته صور عديدة من مراحل حياته ، صور وهو طفل وهو مراهق وهو شاب ، ولكن وجوده في هذه المراحل المختلفة من حياته ضمن الصور هو وجود مادي وليس وجود حي بحيث يمكن لنا أن نؤثر على تلك المراحل لتغييرها ، فهي ثابتة ومنتهية ،هكذا هو أيضا الزمن في الكون فأشعة الضوء تحمل أخبار عن الماضي وليس الماضي نفسه ، أما معلومات عن المستقبل في الكون فهي غير موجودة ﻷنها لم تحدث بعد. لذلك فإن فكرة الكون الجامد هي فكرة خاطئة تقوم بتشويه مفهوم الزمن ،ﻷن المستقبل هو من علم الغيب والغيب لا يعلم به إلا الله ، لذلك نجد أن أهم قانون في فيزياء الكم ( فيزياء عالم جسيمات تحت الذرة ) هو قانون عدم اليقين، فحتى على مستوى الجسيمات الصغيرة فنحن لا نستطيع تحديد وضعها الحاضر بدقة لكي نستطيع تحديد مستقبلها.

فلو فرضنا أننا نستطيع السفر بسرعة ثلاث أضعاف سرعة الضوء إلى نجم يبعد عنا 300 سنة ضوئية فإننا نستطيع رؤية ما حصل قبل 200 سنة على سطح الكرة اﻷرضية كفيلم سينمائي، وليس بمقدورنا أن نعيش ونشارك في تلك اﻷحداث، تماما كما يحدث معنا عندما ننظر إلى الصور القديمة فنحن نعود فكريا إلى الماضي من خلال رؤية الصور ولكن لا نعود كوجود حي إلى الماضي. لذلك إن إمكانية السفر إلى الماضي ، تعتبر فكرة خرافية نظريا وواقعيا ، ﻷن الماضي أصلا كوجود حي قد إنتهى ولم يعدله أي وجود إلا في الصور واشعة الضوء الكونية فقط.

أما بالنسبة ﻹمكانية السفر عبر الزمن إلى المستقبل ، نظريا هنا يبدو لنا بأنه شيء ممكن إعتمادا على ظاهرة تباطؤ الزمن ، فقد وجد علماء الفيزياء أن جسيم الميوون ( جسيم تحت ذري ) الذي عمره وهو ساكن يعادل 2.2 ثانية ، عندما تم وضعه في حركة بسرعة الضوء تقريبا فإن عمره قد وصل إلى 30 ضعف ، إي عمر ه وصل إلى 60 ثانية - وهذا حسب رأيهم - دليل قاطع على حدوث عملية تباطؤ الزمن ، وقد يبدو وكأنهم معهم حق في ذلك ولكن هنا لدينا جسيم جامد لا تحصل داخله أي تفاعلات أو نشاطات حيوية ، وما حدث مع جسيم الميوون هو تماما كما يحدث في الثلاجة ، فإذا اتينا بقطعتين من اللحم ووضعنا إحداها في الثلاجة بدرجة حرارة تحت الصفر واﻷخرى في العراء تحت متوسط درجة حرارة 30 فإن قطعة اللحم الموجودة في العراء بعد أيام ستتعفن بشكل تدريجي وبعد عدة أسابيع ستتحول إلى رماد وتختفي ، فعمر هذه القطعة من اللحم في العراء هو بضع أسابيع ، أما قطعة اللحم في الثلاجة فيمكن أن تبقى سنوات طويلة دون أن تتأثر وعندما نخرجها خارج الثلاجة سيبدو عليها وكأنها لم تتغير نهائيا، أي وكأن هذه السنوات قد مرت عليها وكأنها ساعات قليلة، فما حدث مع جسيم ميوون ، لن يحدث نفس الشيء مع اﻹنسان ،ﻷن اﻹنسان كائن حي و إستمرار وجوده ككائن حي يتطلب المليارات من التفاعلات الكيميائية والنشاطات الحيوية في داخله ، وهذه جميعها تتأثر مع إزدياد سرعة إنتقاله من مكان إلى مكان. وحتى اﻵن جميع التجارب التي تمت على إثبات نظرية تباطؤ الزمن تمت على أجسام غير حية ، لذلك بعض علماء الفيزياء يؤمنون تماما بأن فكرة السفر عبر الزمن تخص فقط الجسيمات تحت الذرية ، وليس الكائنات الحية.

لتوضيح هذه الفكرة أكثر سنعرض هذا المثال البسيط :

الساعات القديمة كانت حركة عقاربها تعتمد على مرونة النابض وكان كلما وصل النابض إلى حالة اﻹرتخاء كانت عقارب الساعة تدور بشكل أبطأ، لذلك كانت الساعة تتأخر عن بقية الساعات اﻷخرى وعندما كان يصل النابض إلى حالة اﻹرتخاء التام كانت عقارب الساعة تتوقف نهائيا وعندها يتوقف قياس الزمن فيها ، ونفس الشيء كان يحدث في الساعات التي حركة عقاربها تعتمد على البطارية ، فكلما كانت شحنة البطارية تضعف كانت حركة العقارب تبطئ ، وكان الزمن في هذه الساعة يتأخر عن بقية الساعات وعندما كانت البطارية تخسر شحنتها تماما كانت عقارب الساعة تتوقف ويتوقف قياس الزمن فيها . ما يحدث في ساعة النابض وساعة البطارية ، يمكن أن يحدث مع تغير المكان الذي توجد به الساعة ، فالساعة الموجودة مثلا بمكان منخفض - على الشاطى مثلا - تكون حركة عقاربها أبطأ من حركة عقارب الساعة الموجودة على قمة جبال إيفرست ﻷن الجاذبية اﻷرضية على الشاطئ أكبر من الجاذبية على قمة الجبال ، فمع إزدياد الجاذبية يؤدي إلى تباطؤ حركة عقارب الساعة ، أيضا عندما تكون الساعة موجودة في مكان يتحرك فإن حركة عقارب الساعة تتباطأ كلما زادت السرعة. وعندما تصل السرعة إلى سرعة الضوء عندها تتوقف عقارب الساعة ويتوقف الزمن.

الزمن الذي يتباطأ هنا هو الزمن المادي الذي يدخل في عملية القياس ،لذلك لا يوجد أي إختلاف في المبدأ بين تباطؤ الزمن في الساعة التي نابضها في حالة إرتخاء وتلك التي ضعفت فيها شحنة البطارية عن تلك التي تتباطأ بسبب أزدياد الجاذبية أو إزدياد السرعة. فما يحدث هنا ليس تباطؤ الزمن نفسه ولكن تباطؤ نتائج الأمور الخارجية لمرور الزمن ، ونتائج هذا التغيير تختلف فيما إذا كان الشيء جامد أم حي، فمثلا الكرة اﻷرضية تدور حول نفسها كل 24 ساعة مرة واحدة ، فسريان الزمن هنا ثابت دورة واحدة كل 24 ساعة ، حيث حياة اﻹنسان والكائنات الحية الموجودة على سطح اﻷرض تطورت وتأقلمت على هذه المدة الزمنية ، لنفرض أنه حدث شيء ما وأدى إلى تباطؤ سرعة دوران اﻷرض حول نفسها من 24 ساعة إلى 100 ساعة ، هذا يعني بأن المناطق المعرضة للشمس ستبقى مدة زمنية أكبر بأربع أضعاف المدة العادية ، وهذا يعني أن درجة الحرارة سترتفع في الصيف الى أضعاف االدرجة المعتادة ، أي أنه في المناطق القريبة من خط اﻹستواء ستصل درجة الحرارة هناك إلى أكثر من 150 درجة مئوية في النهار ،اﻷنهار والبحيرات ستجف ، كثير من الكائنات الحية لن تستطيع تحمل درجة الحرارة العالية وستموت وكذلك سيحصل مع النباتات ، وفي الشتاء ستنخفض درجات الحرارة إلى أضعاف الدرجة المعتادة وسيؤدي إلى موت العديد من الكائنات الحية التي تحملت الحرارة العالية ،وبعد عشرات السنين ستتحول الكرة اﻷرضية إلى منطقة صحراوية خالية من الحياة ،والسبب هو عدم صلاحية البيئة الجديدة للكائنات الحية.

هكذا تماما سيحدث عندما يسافر اﻹنسان بسرعات كبيرة جدا ، فسيصاب نظام عمل جسمه بخلل وشيء فشيء ستتباطأ النشاطات الحيوية حتى تصل به إلى الموت ، وقد ظهر من خلال التجارب عندما يبدأ تباطؤ الزمن تبدأ ظاهرة كونية أخرى وهي إرتفاع درجة الحرارة ، وهذا اﻹرتفاع ليس سببه اﻹحتكاك ولكن هي ظاهرة كونية.

جسم اﻹنسان خلق بشكل ملائم للبيئة التي توجد على سطح اﻷرض وأي تغيير فيها كما سيحدث بسبب السفر بسرعات كبيرة جدا بحيث يمكن للزمن أن يأخذ بالتباطؤ فإن اﻹنسان سيموت قبل أن يحدث عليه تباطؤ الزمن . فما سيحدث في اﻹنسان الموجود في مركبة تسير بسرعة فائقة جدا سيكون مشابه لما يحدث في الثلاجة حيث ستتباطأ جميع النشاطات الحيوية في جسم اﻹنسان ( سرعة دقات القلب ، التنفس، سرعة السيالة العصبية...) إلى أن يموت . أما إذا كانت السرعة ضمن الحدود التي يتحملها جسم اﻹنسان ، فعندما يسافر و يعود إلى اﻷرض بعد 30 سنة فساعته ستكون فعلا متأخرة عن ساعة أخيه التوأم بستة أشهر ولكن شكله بدلا من أن يكون أصغر من أخيه التوأم بستة أشهر كما يعتقد أنشتاين سيبدو عليه هو بأنه أكبر منه بعدة سنوات ، ﻷن أخاه عاش في اﻷرض حيث الظروف البيئية من حوله مناسبة تماما لروحه التي ولدت فيها . أما أخاه فقد عاش طوال تلك السنوات في بيئة مختلفة عن البيئة التي تلائم روحه .الروح هي اﻷصل في نشاط اﻹنسان وليس الجسد، فقد يمر اﻹنسان بظروف نفسية قاسية يرى فيها أن الثواني تمر وكأنها دقائق والدقائق كأنها ساعات واﻷيام كأنها أشهر . ورغم أنه هنا حدث تباطؤ في الزمن ولكن هذا التباطؤ قد يجعل من لون شعر رأسه يتحول إلى اﻷبيض أو بشرة وجهه تظهر عليها تجاعيد فجائية ، فيبدو عليه وكأنه كبر عدة سنوات رغم أن المدة الزمنية الواقعية كانت أيام قليلة.

بالنسبة ﻹستخدام الخيوط الكونية والثقوب الدودية والثقوب السوداء في السفر عبر الزمن ، أولا الخيوط الكونية والثقوب الدودية هي آراء فقط ولا يوجد أي دليل علمي يؤكد على وجودها ،لذلك لن أتكلم عنها. أما بالنسبة ﻹمكانية إستخدام الثقوب السوداء في السفر عبر الزمن ، فـﻹثبات خرافة هذه الفكرة لابد هنا أن نشرح أولا فلسفة الثقوب السوداء لنفهم مضمونها وسبب وجودها في الكون :

يجب أن ننظر إلى الكون على أنه من خلق الله ويتبع قوانين التي وضعها الله وليس كما ينظر إليه أنشتاين أو ستيفن هوكنج أو غيره، فقوانين الكون الذي خلقه الله لها علاقة مع قوانين تطور المجموعة الشمسية و قوانين تطور الحياة وقوانين تطور اﻹنسان والحضارات ، وجميع هذه القوانين معا تُكوٌن وحدة متكاملة. بعكس قوانين علوم العصر الحديث التي تتناقض مع بعضها البعض وتجعل العلوم تبدو وكأن لكل علم إله يختلف عن آلهة العلوم اﻵخرى.

الثقب اﻷسود حسب رأي علماء الفيزياء الكونية هو عبارة عن تجمع مادي هائل جدا في حيز صغير. هذا التعريف خاطئ وليس له علاقة بحقيقة الثقب اﻷسود. لتوضيح المعنى الروحي للثقب اﻷسود سأحاول شرح التغييرات التي تحصل في ترابط جزيئات الماء أثناء تحوله من حالة إلى حالة بسبب تغير درجة الحرارة لنصل في اﻷخير إلى حقيقة مفهوم الثقب اﻷسود :

الماء كجزيء مركب يتألف من ذرتين هيدروجين وذرة واحدة أوكسجين ويعتبر من أهم المركبات في الكون وبدونه لا يمكن تواجد الحياة لذلك فهو يؤلف 70-80% من تركيب جسم الكائنات الحية، لنحاول دراسة علاقة الترابط بين جزيئاته وبين ذراته وبين جسيمات ذراته وتغيرها في مختلف اﻷوساط.(الصورة1)

1- الحالة الصلبة :الماء في وسط بارد جدا تحت درجة الصفر يكون في حالة صلبة (جليد) حيث جزيئات الماء فيه تكون مترابطة ببعضها البعض بروابط جذب ثابتة تجعل جزيئات الماء تفقد الحركة فتأخذ شكل مادة صلبة(صورة 2).

2- الحالة السائلة :عند إرتفاع درجة الحرارة إلى أعلى من الصفر درجة مئوية، تضعف هذه الروابط فتجعل جزيئات الماء تنزلق فوق بعضها البعض(ذوبان) وتأخذ حركة أفقية ويتحول الماء من الحالة الصلبة إلى السائلة.

3- الحالة الغازية : ومع إستمرار إرتفاع درجة الحرارة تضعف الروابط أكثر وعندما تصل إلى درجة الغليان 100 درجة مئوية تختفي الروابط نهائيا ويحدث بينها نوع من النفور وتكتسب جزيئات الماء حركة شاقولية فنرى الماء الساخن يتصاعد إلى اﻷعلى على شكل غاز (بخار).

4- حالة البلازما : عندما تصل درجة الحرارة أعلى من ( 3000) درجة مئوية تستمر عملية تفكك الروابط ويحدث ما يسمى عملية التأين حيث تتحطم الروابط في داخل الذرة بين الالكترون والنواة وتصبح الالكترونات حرة هذه الحالة تسمى البلازما وهي الحالة الرابعة في شكل المادة ويمكن ملاحظة هذه الحالة في الهالة الضوئية المحيطة بالشمس.

5- اﻹتحاد النووي : إذا زاد إرتفاع درجة الحرارة ووصل إلى درجة 15مليون درجة مئوية مثلا كما هو في مركز الشمس ،عندها نجد ظهور قانون جديد يمنع إستمرار تحطيم الروابط فنرى حدوث ما يسمى الإندماج النووي حيث يتم إندماج أنوية نظائر الهيدروجين لتعطي عنصر جديد أكثر تعقيدا من الهيدروجين وهو الهليوم ونتيجة هذا اﻹتحاد النووي وتحول الهيدروجين إلى هيليوم ينتج طاقة هائلة تخرج على شكل أشعة ضوئية وهي التي نراها تخرج من الشمس والنجوم وتأتي إلينا لتمد الكائنات الحية بالطاقة لتستطيع اﻹستمرار في نشاطها الحيوي ، في مجموعتنا الشمسية تتوقف عملية تفكك الروابط عند هذا المستوى.

6 - التفكك الكلي : عندما يزيد إرتفاع درجة الحرارة إلى أكثر بكثير من درجة حرارة مركز الشمس مثلا كما هو الحال عند إنفجار النجوم العملاقة التي لها أضعاف حجم شمسنا حيث تصل درجة الحرارة في مركزها إلى مليارات درجة مئوية، عندها تستمر عملية تحطيم الروابط إلى أن تشمل جميع الروابط الموجودة في داخل النواة وما تحت جسيماتها و يتحول النجم العملاق فجأة إلى نجم من نوع آخر معاكس تماما للنجوم المعروفة وهو النجم الأسود أو كما يسمى في علم الفضاء الثقب اﻷسود (صورة 3) ، في مركز هذا النجم اﻷسود توجد نقطة سوداء لها قوة جاذبة هائلة جدا تجذب كل شيء قريبا منها وبمجرد إقترابه تقوم بإبتلاعه وتفتيته بحيث تجعل المادة فيه تختفي من الوجود، في مركز هذا النجم اﻷسود يحدث الفناء المطلق أو الموت اﻷبدي، حيث لا وجود ﻷي شكل من أشكال المادة هناك، فقط يوجد في مركز هذا النجم شيء يدعى الزمن السلبي.

الزمن السلبي روحيا يمثل دماغ الشيطان، أي هي المنطقة في الكون التي تعبر عن أقوى جزء من القوى العالمية الممثلة لروح السوء (التدمير). الله أشار إلى هذه الفكرة في الأساطير اليونانية فنجد أن إله الزمن (كرونوس ) كان يبتلع أولاده. ولذلك أيضا نجد كوكب زحل الذي يحمل إسم هذا اﻹله ( كرونوس، إله الزمن ) تحيط به حلقات عديدة تتألف من الغبار والصخور المفتتة (صورة5) ليعطينا صورة مبسطة رمزية عما يحصل في الثقب اﻷسود، هذه الأسطورة وكذلك تسمية هذا الكوكب بإسم كرونوس ( إله الزمن ) ليس صدفة ولكن هو من عند الله، ليفسر لنا حقيقة ما يحدث في داخل الثقب اﻷسود .

النجم هو مصنع تخليق العناصر المادية التي يتكون منها جسمنا وكل شيء حولنا في هذا الكون فهناك نجوم صغيرة كشمسنا مثلا تقوم بتصنيع العناصر الخفيفة عن طريق تحويل الهيدروجين إلى الهليوم و الهليوم إلى بيريليوم والليثيوم ومنه إلى الكربون، وهناك نجوم أكبر تقوم بتصنيع العناصر الأثقل فيتحول الكربون إلى نيتروجين ومنه إلى اﻷكسجين ....وفي نجوم أكبر يتم تصنيع السيليكون والفسفور والنيكل والحديد... ..وعند إنفجار هذه النجوم تتكون العناصر اﻷثقل كالزئبق والفضة والذهب ونتيجة هذا التخليق وتحول عنصر إلى عنصر آخر أكثر تعقيدا تنتج طاقة هائلة تخرج على شكل أشعة ضوئية تنير كوكبنا وجميع أنحاء هذا الكون، فمنبع النور رمزيا يأتي من النجوم والتي تعتبر المصانع التي يتم فيها بناء المادة وتطويرها من نوع إلى نوع آخر أكثر تعقيدا.

أما الثقب اﻷسود فهو نجم أسود يقوم بعملية معاكسة لنجم مضيء فهو مصنع تدمير كل شيء لذلك هو أسود ليس ﻷن الضوء لا يفلت من جاذبيته كما يظن علماء الفيزياء الكونية ولكن ﻷن جسيمات الضوء ( الفوتونات ) في داخله تتفكك إلى موادها اﻷولية ثم تفنى بشكل كامل لذلك الثقب اﻷسود يعتبر رمز الموت اﻷبدي أو الفناء المطلق.

الله عز وجل أشار إلى المعنى الروحي لهذا الثقب اﻷسود وعن الفرق بينه وبين المعنى الروحي للنجم المضيء في قرآنه الكريم في سورة النجم، فترتيب هذه السورة هو 53 ،فشكل هذا العدد باﻷرقام التي يستخدمها القرآن هو خمسة وله شكل دائرة كشكل الثقب والرقم ثلاثة له شكل فم حسب فلسفة اﻷرقام (الصورة ). أي فم في مركز الثقب الدائري ومن المعروف أن من فتحة الفم تدخل المواد المركبة ليتم تحطيمها عن طريق اﻷسنان،هكذا تماما ما يحدث في الثقب اﻷسود،ولكن هناك يحدث فيه تحطيم مستمر وكامل.

اﻵن إذا إعتبرنا أن سورة الفاتحة هي رمز ولادة الكون روحيا والسورة الثانية البقرة هي رمز ولادة الكون ماديا وجمعنا أرقام ترتيب السور من السورة الثانية وحتى رقم 53 ترتيب سورة النجم أي :

مجموع أرقام التراتيب 1430 هو القيمة الرقمية لعبارة (الثقب اﻷسود) في نظام الرقمي للغة اليونانية (ΜΑΥΡΗ ΤΡΥΠΑ) لغة اﻹنجيل :

بهذه الطريقة الحكمة اﻹلهية في تصميم القرآن الكريم تطلب منا اﻹستعانة باﻷساطير اليونانية (إسطورة إله الزمن كرونوس) لفهم طبيعة الثقب اﻷسود وعلاقته بالنجم.

من يقرأ سورة النجم يجد أنها تذكر معلومات عن المخطط اﻹلهي وعن طبيعة هدف روح الخير العالمية والتي تتلخص بالعبارة (وأن عليه النشأة اﻷخرى) أي إعادة تكوين اﻹنسان من جديد ليكفر عن خطيئته وليصبح صالح للعودة والعيش ثانية في الجنة، أما في سورة الطارق ( النجم الثاقب ) فتعطينا معنى الدور الروحي للنجم كنجم ، فعن طريق اﻹندماج النووي يمنع إستمرار تفكك الروابط ، وكذلك تعطينا معنى النجم كإنسان عندما يأخذ دور النجم في المجتمع (النجم الثاقب. لكل نفس عليها حافظ) أي دوره في منع تحطيم الروابط بين اﻷشياء واﻷحداث وبالتالي منع تطور الروح نحو الوراء ( اﻹنحطاط )، وفي الوقت نفسه تعطي رمز معاكس لكلمة ثقب المستخدمة في إسم النجم اﻷسود (الثقب اﻷسود)، فهو ثاقب يدخل في الثقب اﻷسود ويبطل مفعوله في تحطيم الروابط، فالمقصود هنا بالطارق النجم الثاقب هو الإنسان الذي يبطل مفعول فكر اﻷعور الدجال الذي يعتبر أقوى مدمر لكل الروابط اﻹنسانية .

إن فكرة إستخدام الثقب اﻷسود في تحقيق السفر عبر الزمن هي فكرة خرافية هدفها منع فهم المعنى الروحي للثقوب السوداء ودورها الحقيقي في هذا الكون ، وظهور مثل هذه الفكرة لا يدل سوى على أن المنهج العلمي الحديث قد وصل بالعلوم إلى أسفل السافلين ولم يعد يفرق بين روح الخير وروح السوء. لذلك ليس من الصدفة أن دور التعليم التي كانت في الماضي دور تنشر النور لتبدد الظلمات بهدف تطور المجتمع نحو المحبة والسلام واﻷخلاق السامية ، أصبحت اﻵن بؤرة فساد تنمي حب الذات والعنف والوحشية واﻹباحة الجنسية ،لذلك وصلت اﻹنسانية إلى مرحلة ظهرت فيها وﻷول مرة في تاريخ البشرية ظاهرة ( الطفل المجرم ).

خلاصة الحديث الزمن هو ذلك الجزء من روح الله الموجود في داخل الكون والذي يحمل في داخله شيفرة جميع خطوات التطور التي يجب أن تحصل على مكونات الكون ليتم خلق اﻹنسان من جديد ( وعليه النشأة اﻷخرى ) ،فالكون بأكمله ليس إلا عبارة عن السجن الذي يجب أن يقضي به اﻹنسان أيامه ليكفر عن خطيئته وليصبح صالحا للعودة إلى الجنة وطنه اﻷم التي تقع خارج هذا الكون.

 

وسوم: العدد 624