خواطر من الكون المجاور الخاطرة 45 .. النور
عندما كنت في المرحلة الثانوية، كنت أشعر بان الكتب المدرسية قد تحولت إلى كتب تبحث في مادة الشيء ولا تعطي أي أهمية لتلك الروح التي تكمن في هذا الشيء وكان إحساسي هذا يزداد مع كل صفحة أقرأها من كل كتاب ، حتى الكتب الدينية أيضا كنت أشعر بأنها تبحث في المعنى اللغوي للآيات القرآنية وليس في معانيها الروحية ، وكأن هذه اﻵيات المقدسة كتبت بمنطق إنساني وليس بمنطق روحي شامل يتحدث عن صميم اﻷشياء واﻷحداث، أحاسيسي هذه منذ تلك الفترة كانت تجعلني أشعر أن اﻹنسانية بشكل عام تعاني من إنحطاط روحي وهذا اﻹنحطاط كان يبدو في ذروته في فكر كبار علماء العصر ، أولئك الذين تدرس آرائهم ونظرياتهم في الكتب المدرسية ، وكان علينا نحن الطلاب أن نفهمها ونحفظها كما هي وكأنها قد أنزلت من السماء ولا يوجد أي مجال للشك بصحتها ، وكثير من اﻷحيان كنت أشعر بحاجة شديدة أن أتناقش مع الأساتذه ﻷثبت لهم خطأ أو ضعف تلك اﻵراء والنظريات التي يدرسونها لنا ، وﻷثبت لهم أيضا بأنها تقتل في نفس الطالب إنسانيته وروحانيته لتجعل منه كائنا منعزلا في أحاسيسه عن اﻵخرين ، يشعر فقط بحقوقه هو، أما واجباته نحو اﻵخرين فلا يعلم عنها شيئا. ولكن رغم الحاجة الشديدة في المناقشة، دوما كنت أرى نفسي عاجزا عن الدخول معهم بمثل هذه النقاشات وذلك بسبب عدم وجود المعلومات الكافية لدي لأبرهن لهم صحة أحاسيسي.
في مثل تلك اللحظات وفي كل مرة عندما أشعر بعجزي في مناقشة أساتذتي ،كنت أشعر بنفسي وكأنها تائهة في عالم مظلم ،عندها كان فكري يذهب بعيدا يبحث عن النور، فأرى نفسي أكتب قصيدة أو مقطع نثري يعيد إلى نفسي نوعا من التوازن الروحي تعود بها ثقتي بنفسي ثانية ﻷتابع تساؤلاتي وإستفهاماتي لكل شيء يحدث معي ، وشيء ما في داخلي وكأنه يؤكد لي بأنه من يسأل الله عز وجل، فإنه يوما ما سيأتيه الجواب على سؤاله. متى غير مهم، فالله هو من يحدد الزمن المناسب ، وهو أحكم الحاكمين.
أحد تلك المقاطع النثرية التي كتبتها في تلك الفترة الدراسية كان هذا المقطع والذي يحمل عنوان " النور "
" عند غروب الشمس
أبكي كثيرا كثيرا
وقليلا ما كنت أضحك
وعندما يسألوني عن السبب
أموت
إلهي. ..يا من وضعت في هذا الكون سرك
علمني جزءا من هذا السر
علمني كيف أصنع شمسا مثل شمسك
عندما يريدون إطفاء شمسك
إلهي علمني
أو إنثرني ذرات في مهب ريح الطفولة
ﻷبقى طفلا
لا يرى إلا نور شمسك.
وسوم: العدد 628