فلسفة عيد اﻷضحى

خواطر من الكون المجاور

الخاطرة 52

نقصد من فلسفة عيد اﻷضحى أي الحكمة اﻹلهية التي وضعها الله في هذا العيد المبارك.

يعتبر عيد اﻷضحى - أو كمايسمى أيضا العيد الكبير أو عيد النحر أو عيد القربان - من أشهر اﻹحتفالات عند المسلمين ، حيث يوافق العاشر من شهر ذي الحجة بعد إنتهاء الحجاج من الوقوف بجبل عرفات وهو عدا عن أنه مناسبة للفرح واﻹبتهاج بأيام هذا العيد ،ولكنه في الحقيقة يشكل مناسبة لإحياء سنة إبراهيم عليه الصلاة والسلام ،عندما أخذ إبنه ليذبحه كما أمره الله،

ورغم حزن إبراهيم عليه الصلاة والسلام الشديد وفظاعة مشاعره إمتثل لمشيئة الله ، وحمل إبنه لينفذ أمر الله ،وفي اللحظة التي هم بها ليذبح إبنه ، أرسل الله له كبشا ليضحي به ويقدمه قربانا لله بدلا من إبنه. لهذا سن الإسلام تخليد هذه الذكرى واﻹحتفال بها للتقرب إلى الله عن طريق التضحية بخروف أو بقرة أو ناقة ،وتوزيع لحمها على اﻷقارب والفقراء والمحتاجين، ومن هنا جاء إسم هذا العيد ، عيد اﻷضحى.

إذا بحثنا في الكتب والإنترنت عن مفهوم عيد اﻷضحى بالنسبة للمسلمين بعد مرور حوالي 1400 من ظهور اﻹسلام ، نجد أنه ضمن هذا المفهوم الذي ذكرناه بشكل مختصر في اﻷسطر أعلاه، وهو لايبتعد عنه إلا في تفاصيله الدقيقة.والسؤال هنا هل من المعقول أن يكون هذا العيد والذي يعتبر من أشهر أيام السنة الهجرية عند المسلمين ، أن يكون فقط له هذا المفهوم الذي ذكرناه أي أنه فقط إحياء حادثة تضحية إبراهيم عليه السلام بإبنه ؟

لا بد هنا أن نذكر أن إبن إبراهيم الذي كان سيقدمه إبراهيم قربانا إلى الله هو إسماعيل عند المسلمين ، أما عند اليهود والمسيحيين فهو إسحاق بناء على ما هو مذكور في كتبهم المقدسة ، موضوع توضيح إختلاف اﻹبن الضحية ، مهم هنا ليساعدنا على فهم فلسفة عيد اﻷضحى ولكن شرحه، سيتطلب صفحات عديدة لذلك سنؤجل هذا الموضوع إلى مقالة أخرى ومن يريد أن يقرأ شيئا عن سبب إختلاف إسم اﻹبن يمكنه العودة إلى كتاب النساء عين الروح في فصل (سارة ) لمتابعته هناك.

لنعود ثانية إلى حادثة التضحية ،ولكن قبل أن أدخل في جوهر مفهوم هذه الحادثة سأذكر حادثة أخرى لها لتساعدنا في فهم الموضوع بشكل أفضل :

في السنوات اﻷولى من وجودي في اليونان تعرفت على شاب يوناني خريج كلية الحقوق ،هذا الشاب كان في أوقات فراغه يقرأ كتب عديدة من علوم مختلفة خارج مجال دراسته بهدف إكتساب ثقافة عالية يستطيع بها أن يكون فردا نافعا في المجتمع ، وبسبب قراءته للعديد من الكتب العلمية المختلفة توصل إلى اﻹيمان بفكرة عدم وجود الله ،فحسب رأيه أن العلم الحديث كما وصل إليه اﻵن بنظرياته العلمية يرفض فكرة وجود الله وأن معظم القصص المذكورة في الكتب المقدسة هي مجرد خرافات لا أكثر ﻷنها تعارض جميع اﻹكتشافات العلمية الحديثة. ولكن رغم أن هذا الشخص كان لا يؤمن بوجود الله ، فقد كان طيب القلب يساهم بكل ما يستطيع في مساعدة اﻵخرين ، أفضل من كثير من ناس يدعون أنهم يؤمنون بالله ولكن سلوكهم يساهم في إيذاء اﻵخرين وتدمير المجتمع بدلا من بنائه.

من لقائنا اﻷول وبعد مناقشة قصيرة في إحدى المواضيع العامة يبدو أنه أعجب في طريقة رؤيتي للأشياء واﻷحداث وكذلك بإسلوب مناقشتي مع اﻵخرين ، وهذا كان كافيا ليصبح صديقي ألتقي به كل فترة وفترة لنشرب فنجان قهوة في إحدى الكافيتريات ولنتناقش في مواضيع مختلفة. وكان أحد هذه المواضيع هو حادثة تضحية إبراهيم عليه الصلاة والسلام ويبدو أن هذه الحادثة كونه محامي يدرس القانون ، قد أثرت به وجعلته يبحث في صميم عناصرها ،فراح يبرر عدم إيمانه بصحتها قائلا :

" في هذه الحادثة يوجد تناقض كبير في عناصرها ، الكتب المقدسة تذكر أن الله خلق كل شيء وهذا يعني أنه يعلم كل شيء ، وطالما أنه يعلم كل شيء، هذا يعني أنه يعلم ما في داخل نفس إبراهيم وكذلك يعلم أيضا شدة إيمانه به ، إذن لماذا أراد أن يمتحنه طالما أنه يعلم كل شيء ؟ هل يعلم كاتب هذه القصة فظاعة ما شعر به إبراهيم وهو يفكر بأن عليه أن يذبح إبنه ،... إبنه الذي أنجبته له زوجته بعد سنوات طويلة من اﻹنتظار ، إبنه الذي كان بالنسبة له أهم من حياته هو نفسه ، إبنه الذي يحبه حبا جما ،ساعات من العذاب المرير عاشها هذا الرجل المسكين فقط ﻷن الله يريد أن يتأكد إذا كان إبراهيم سيفعل ما أمره به أم لا ،..... هنا يوجد إحتمالان :

- اﻷول : إما أن الله لايعلم ما في نفس إبراهيم لذلك طلب منه أن يذبح إبنه ليرى فيما إذا كان سينفذ ما أمره به أم لا ، في هذه الحالة هذا يعني أن هذا اﻹله لا يعلم كل شيء ،فهو ليس إلها.

- واﻹحتمال الثاني أن يكون يعلم ما في نفس إبراهيم ولكن ومع ذلك أمره أن يذبح إبنه ، وهذا يعني أنه إله سادي ( السادي هو من يستلذ ويتمتع بعذاب اﻵخرين ) ،عندها هذا اﻹله هو إله وحشي ، وهذا يعني أنه إله فيه أخطاء كثيرة ، وهذا يعني أنه غير كامل وبالتالي أيضا فهو ليس إلها.

لذلك حسب رأيي هذ ه القصة خرافية وكاتبها ليس إلها ولكن إنسان لا يجيد كتابة قصص محكمة البناء والصياغة. ...."

بعد إنتهائه من حديثه عن حادثة ( التضحية ) كان جوابي على رأيه هو أن هذه القصة ظهرت قبل أكثر من ثلاثة آلاف عام وأنها كتبت بطريقة تناسب مستوى الفكري للإنسان الذي عاش في القرون الماضية ، حيث في ذلك الوقت لم يكن يوجد هناك أحد على اﻹطلاق قد سمع بهذه القصة وفكر بنفس الطريقة كما شرحها هو (صديقي )، ولكن الجميع عندما سمعوا هذه القصة لم يشعر أحد منهم بأي شعور حقد على الله ﻷنه طلب من إبراهيم أن يضحي بإبنه ، ولكنهم بدلا من ذلك تعاطفوا مع إبراهيم وشعروا بما شعر هو من حزن وألم وعذاب ،وهذا هو الهدف الحقيقي من القصة وهو تنمية شدة اﻹحساس المؤمن باﻵخرين من عذاب وألم وحزن، اﻹنسانية في تلك الفترات كانت تعيش في مرحلة طفولتها ، وطريقة تفكير اﻹنسان وردود فعله وإحساساته لما يجري حوله في تلك الفترات كانت تختلف عما هي اﻵن ، فاﻹنسانية في ذلك الوقت كانت بحاجة شديدة لقصص تنمي العواطف واﻷحاسيس. أما اليوم فاﻹنسانية وصلت إلى سن الرشد ،وكل إنسان اليوم له الحق أن يتسآل وأن يبحث ويحلل كما فعل هو (صديقي) ، ومسؤولية علماء الدين والفلاسفة أن أن يحللوا رموز القصة ليصلوا إلى مضمونها لينتقل معنى القصة إلى مستوى فكري أعلى مما كان عليه في الماضي وذلك بسبب تقدم مستوى علوم اﻹنسان. فالكتب المقدسة هي من الله وكتبت بشكل يناسب تطور الروح في جميع العصور حتى يوم الدين. لذلك يذكر الحديث الشريف أن الله يرسل مرشدا كل مائة عام ليجدد الدين.

صديقي هذا وكل شخص اليوم معه الحق المطلق أن يتساءل ، وأن يرفض أن يكون إيمانه إيمان ببغائي لا معنى له ،ﻷن عدم التساؤل سيجعل من الديانات (اﻹسلامي والمسيحي واليهودي) أشبه بالديانات الوثنية.التي لم تكن تنفع ولا تضر، فأولئك الذين دفعتهم الكتب العلمية إلى رفض اﻹيمان بفكرة وجود الله. هكذا ينظرون إلى هذه اﻷديان ، فهم يرون بعض مراسم اﻹحتفالات الدينية التي يقومون بها أصحاب الدين وكأنها عادات وتقاليد بسيطة المعنى ولكنها لا تنفع ولا تضر.

اليوم مثلا سمعت من اﻷخبار عن حادثة الازدحام التي جعلت الحجاج يدوسون بعضهم على بعضهم البعض مما أدى إلى مقتل الكثير منهم حيث وصل عدد الوفيات إلى 717 ضحية ، وسمعت أيضا من أحد الحجاج ، أن كثيرا من الحجاج يأتون إلى الحج دون أن يكون لهم أي علم عن المعنى الحقيقي للحج ، فرغم أن الرسول صلى الله عليه وسلم أثناء الحج كان يظهر وكأنه صائم لولا أنهم رأوه يشرب قليلا من الماء ، أما اﻵن فرغم أن العساكر السعوديين هناك يقدمون مجانا أكياسا فيها بعض الماء والعصير والفواكه للحجاج كافية لتسد عطشهم وجوعهم ، ولكن نجد أنه هناك حجاج يجلبون معهم طناجر ومواقد غاز واللحم والأرز ليعملوا منسف و ليجلسوا حوله فيأكلوا ويشربوا ويملؤوا بطونهم وكأنهم في رحلة ترفيهية . وبعضهم اﻵخر بدلا من الوقوف في عرفة وقضاء وقتهم هناك بالدعاء، والتعرف على اﻵخرين كما يعني إسم هذا الجبل، يذهبون إلى المستشفى القريبة من المكان ليجلسوا تحت المكيفات ويقضوها هناك حتى مغيب الشمس.

والسؤال هنا هل هذا هو الحج الذي أمرنا به الله لمن إستطاع إليه سبيلا ؟ طبعا لا ، وهذا النوع من الحجاج الذين يقومون بتشويه مفهوم الحج ،هم من يساعدون أولئك الملحدين في السخرية من الدين وتحريض الناس الطيبين الذين خدعتهم النظريات العلمية الحديثة (كصديقي مثلا ) في اﻹبتعاد عن الدين وعن الكتب المقدسة . وطبعا السبب يقع في الدرجة اﻷولى- كما ذكرت أعلاه -على علماء الدين والفلاسفة الذين لم يحاولوا تجديد القصص الدينية من خلال البحث في رموزها لتظهر بصورة جديدة مناسبة لطريقة تفكير اﻹنسان الحديث الذي وصلت درجة علومه إلى أقاصي الكون. ليعلم المسلم المؤمن المعنى الحقيقي لوقفة عرفة. ولتأخذ هذه الخطوة من مناسك الحج مفهوم علمي يساعد ليس المسلمين فقط ولكن أيضا شعوب العالم بمختلف عقائدها في حل بعض المشاكل التي تعاني منها مجتمعاتها والتي عجز عن حلها فلاسفتها وعلماءها في علم النفس أو اﻹجتماع.

لشرح الحكمة اﻹلهية في كل خطوة من خطوات مناسك الحج يحتاج إلى صفحات عديدة ﻷننا سنضطر أن نتكلم عن تصميم الكون وعلاقته بالحج ، ولكن هنا سنتكلم عن وقفة عرفة بشكل خاص ، ﻷن لها علاقة شديدة بأهم المشاكل التي تعاني منها اﻹنسانية بأكملها في العصر الحديث وهي ( الوحشية واﻹباحة الجنسية ).

عيد اﻷضحى كما ذكرنا أعلاه يعتبر في اﻷساس عبارة عن إحياء ذكرى تضحية إبراهيم بإبنه لذلك فهو يسمى أيضا يوم النحر أو عيد القربان. وهو يبدأ بعد يوم عرفة حيث يصعد الحجاج إلى جبل عرفات.

جبل عرفات أو جبل عرفة ، يقال أنه سمي بهذا اﻹسم ﻷن الناس يتعارفون فيه ، وقيل أيضا ﻷن جبريل طاف بإبراهيم وكان يريه المشهد فيقول له : أعرفت ؟ فيرد إبراهيم عرفت ، عرفت. وقيل أيضا أنه سمي عرفة ﻷن آدم وحواء عندما هبطا إلى اﻷرض من الجنة إلتقوا فيه فعرفها وعرفته.

أسباب تسمية هذا الجبل ب" عرفة أو عرفات " إذا بقيت كما هي اﻵن ، سيبقى اسم هذا الجبل ذو معنى سطحي لا يفيد بشيء في فهم الحكمة اﻹلهية من الهدف الحقيقي للحج وكذلك من عيد اﻷضحى أيضا. ولكن هذه اﻷسباب المختلفة لتسمية هذا الجبل تساعدنا في تحديد جهة البحث عن المصدر الحقيقي للتسمية. حيث نجد أن أسباب التسمية تذكر إسمين وهما ( آدم وإبراهيم ) وكلاهما لهما نفس المعنى ،فآدم هو أبو البشرية ،وإسم إبراهيم له نفس المعنى في اللغة العبرية ( أبو الشعوب ) ،وهذا التشابه ليس صدفة ولكنها حكمة إلهية تربط قصة تضحية إبراهيم بإبنه مع قصة آدم ، فآدم أيضا عاش نفس مشاعر إبراهيم الذي رأى بأن إبنه سيموت دون أن يستطيع أن يفعل شيئا من أجل منع عملية قتله ، فآدم أيضا عاش مقتل إبنه هابيل على يد إبنه اﻵخر قابيل (قايين ) . فعن طريق حادثة تضحية إبراهيم بإبنه، الحكمة اﻹلهية تشرح لنا حقيقة ما حدث في قصة مقتل هابيل ، فكما تقول قصة الخلق أن هابيل كان قربانه من أبكار غنمه ، أما أخاه قابيل فكان قربانه ، من ثمار اﻷرض ، فتقبل الله قربان هابيل ولم يتقبل قربان أخيه ، فاغتاظ قابيل وإرتكب جريمته ،وقتل أخاه.

الحكمة الإلهية هنا تربط قصة تضحية إبراهيم بإبنه مع حادثة مقتل هابيل لتدلنا على أن آدم نفسه كان قد ساهم في حدوث جريمة هابيل، لذلك أمر الله عز وجل إبراهيم أن يذبح إبنه.

ولكن ما علاقة آدم بمقتل إبنه هابيل ؟ الحكمة اﻹلهية أضافت سببا من أسباب تسمية جبل عرفة يساعد في هذا الموضوع ، هو أن آدم وحواء بعد هبوطهما من الجنة إلتقوا فيه فعرفها وعرفته ، وفي قصة الخلق نقرأ بأن سبب طرد آدم وحواء من الجنة هو بسبب أكلهما من ثمار شجرة المعرفة ، بهذه الطريقة الحكمة اﻹلهية تربط إسم عرفة ( عرفها وعرفته) مع شجرة المعرفة وعلاقتها بجريمة قتل هابيل ، والتي يتم عكسها تماما في الحج وعيد اﻷضحى ، حيث الناس في جبل عرفة تتعارف على بعضها البعض ، ثم يتم النحر بدلا من القتل وذلك بسبب إختلاف نوعية المعرفة. فهناك معرفة تؤدي إلى الخير ومعرفة أخرى تؤدي إلى الوحشية والقتل.

منذ ولادة اﻹنسانية لم يذكر التاريخ عن جريمة قتل إرتكبها طفل صغير. فقط في عصرنا الحديث حيث أصبحت الجرائم التي يرتكبها اﻷطفال أحداث عادية نسمع بها كل فترة وفترة في نشرات اﻷخبار . والسبب الحقيقي لولادة هذه الظاهرة في عصرنا الحاضر فقط هو التغيير الجذري لطبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة. فجريمة القتل في الماضي كان يقوم بها الكبار فقط، والفرق بين اﻹنسان البالغ والطفل هو أن اﻷعضاء الجنسية في الطفل غير ناضجة أي أنها غير موجودة بالنسبة لإحساساته كطفل ،لذلك كان الطفل يعتبر كائن مسالم خالي من غريزة القتل ،من هنا نفهم أنه هناك علاقة وثيقة بين غريزة القتل والنشاط الجنسي. فغريزة القتل وحب العنف والوحشية هي إحساسات مرتبط إرتباط كامل مع الكائن السفلي (( الصورة ). فعندما تكثر الجرائم في مجتمع معين فهذا مؤشر يدل على أن الكائن السفلي قد زادت سيطرته على العلاقة بين الرجل والمرأة في المجتمع . أي بكلام آخر أن العلاقة بين الرجل والمرأة لم تعد علاقة حب ولكنها تحولت إلى علاقة زنى.

لذلك تذكر قصة آدم وحواء في سفر التكوين أنه بعد أكل ثمار شجرة المعرفة عندها علم آدم وحواء أنهما عراة، فالمقصود من شجرة المعرفة هنا هي الثقافة الجنسية ،لذلك تعتبر ثمرة هذه الشجرة هي ثمرة التفاح والتي كانت تعتبر ثمرة تزيد في تنشيط الشهوة الجنسية عند اليونانيين القدماء، فآدم وحواء في تلك الفترة من حياتهما كانت روحهما بمرحلة الطفولة ، لذلك منعهما الله من أكل ثمار هذه الشجرة ، أي أنه منعهما من أن يبحثا ويعلما أي شيء عن العلاقات الجنسية بين الذكر واﻷنثى، هكذا هو التكوين الروحي للطفل ،فنموه السليم يحتاج أولا إلى تقوية إحساساته الروحية من عواطف ومشاعر ، أي تقوية مميزات الكائن العلوي فقط. لذلك فأي محاولة في تقوية مميزات الكائن السفلي كإكتسابه ثقافة جنسية مثلا، ستجعل غريزة القتل وحب العنف تنمو فيه . لذلك كان نتيجة اكل ثمار شجرة المعرفة ( إكتساب ثقافة جنسية ) في الجنة هو ولادة قابيل الذي يمثل إبن الكائن السفلي ﻹن سبب ولادته كان نتيجة علاقة إشباع شهوات في عملية الجماع التي حصلت بين آدم وحواء. لذلك ولد قابيل وهو يحمل في تكوينه غريزة القتل .

قابيل هو في الحقيقة هو الإبن الروحي لحواء والشيطان الذي أغواها فطلبت من آدم أن يأكلا من شجرة المعرفة ، أي لتمارس الجنس مع آدم من أجل اشباع الشهوة ،أما هابيل فهو إبن آدم الذي رضي بمعاشرة حواء ليس بهدف إشباع شهوته ولكن حبا بها ، لذلك فقابيل يعتبر إبن الكائن السفلي ( إبن الغريزة )، أما هابيل فهو إبن الكائن العلوي ( ابن المحبة ) .فقابيل هو رمز العلاقة ( زنى - قتل ) أما هابيل فهو رمز للعلاقة ( العفة - السلام ) لذلك كانت حياة مريم وإبنها عيسى عليه الصلاة والسلام مثالا يؤكد تأكيد قاطعا لهذه العلاقة ، فنجد أن عيسى عليه الصلاة والسلام رفض رفضا قاطعا إستخدام السلاح وكانت تعاليمه تتعلق فقط بالمحبة والسلام ، وذلك ﻷ ن أمه مريم كانت مثالا للعفة فهي أنجبته دون مشاركة الرجل في عملية اﻹنجاب. لذلك سميت أمه، مريم العذراء أو مريم البتول لتبقى صفة العفة رمزا قويا في طريقة ولادة عيسى عليه الصلاة والسلام .

اﻹسلام يأخذ اﻷمور بشكل أوسع فيركز على جميع مميزات الكائن السفلي وليس فقط على العلاقة الجنسية ، فحب الذات والجشع والطمع واﻹحتيال والنصب والكذب ...جميعها تعتبر صفات من سلوك الكائن السفلي( روح السوء ) ،لذلك في الحج يأتي الناس من مناطق العالم ليلتقوا في جبل عرفة ويتعارفوا فيما بينهم والمقصود هنا تعارف بين كائناتهم العليا وليس السفلى ، وبدلا من القتل ينحرون الضحية ( خروف ،بقرة ، ناقة.. ) ويوزعون لحومها على اﻷقرباء والفقراء والمحتاجين كدليل على نمو شعورهم باﻵخرين وحبهم في المساعدة ،لذلك سمي دينهم ب (الإسلام ) ومعنى الحقيقي لهذه الكلمة هي "فرض حب السلام على المؤمنين" ﻷن العلاقة بين المؤمنين يجب أن تكون قائمة على المحبة واﻷخوة والتعاون ﻷنها تقع تحت سيطرة الكائن العلوي.

قصة تضحية إبراهيم بإبنه ،لم تكن - كما ظن صديقي - بأن الله أراد أن يعذب إبراهيم نفسيا هكذا بدون أي هدف ، ولكن لتكون هذه الحادثة مليئة بالمشاعر المؤثرة في نفوس المؤمنين في اﻷزمنة الماضية لتساعد من يسمعها أو يقرأها في تنمية عواطفه وكذلك لتساعد في تقوية الشعور فيه بآلام اﻵخرين والتعاطف معهم وبالتالي تساعد في تقوية العلاقات اﻹنسانية لتصل إلى أسمى أشكالها فما أسمى أن يضحي اﻹنسان بأعز ما يملك من أجل إيمانه ( كما فعل إبراهيم ) وما أسمى أن يضحي اﻹنسان بنفسه من أجل الحق و سعادة اﻵخرين (كما فعل إبنه).

وكذلك لتكون هذه القصة نفسها وبدون أي تغيير مناسبة لعصرنا الحاضر لتساعدنا على فهم اﻷسباب الحقيقية التي دفعت قابيل إلى إرتكاب اول جريمة في تاريخ اﻹنسانية. ليعلم علماء النفس واﻹجتماع وعلماء الجريمة اﻷسباب الحقيقية التي تدفع اﻹنسان إلى حب العنف وتنمية غريزة القتل في اﻹنسان ،وكذلك ليعلم علماء اليوم أجمعين أن سبب وصول اﻹنسانية اليوم إلى مستوى من الوحشية التي لم تعرف مثلها اﻹنسانية من قبل، هو بسبب إنتشار اﻹباحة الجنسية في المجتمعات الحديثة والتي جعلت من اﻷطفال بدون إرادتهم أن يكتسبوا ثقافة جنسية بأبشع أشكالها كافية لتستطيع تدمير براءتهم وتشويه نموهم الروحي السليم. فمشكلة اﻹنسانية اليوم هي أن أسلوب كتابة الكتب المدرسية في جميع أنحاء العالم أصبح تحت سيطرة الكائن السفلي ، ﻷن الكائن العلوي أصبح خارج إهتمامات العلماء بمختلف علومهم.

وسوم: 635