خواطر من الكون المجاور الخاطرة 56 .. الفن الجميل
29تشرين12015
ز.سانا
الفن بتعريف بسيط هو تعبير الروح ، والفنان بتعريف بسيط أيضا هو ذلك الإنسان الذي يحول هذا النوع من التعبير إلى عمل فني (لوحة ، لحن موسيقى ، تمثال، قصيدة ....إلخ ) مما يتيح للناس التأثر الروحي كما تأثر بها الفنان نفسه .
ولكن اﻹنسان كما ذكرنا في المقالات الماضية يتألف من كائنين : كائن علوي ، وكائن سفلي ،وكل من هذين الكائنين له روح خاصة به ، وعليه فإن كان العمل الفني تعبيرا لما تشعر به روح الكائن العلوي نحو الشيء أو المشهد فإن هذا الفن ينتمي إلى ( الفن الجميل ) ، وأما إذا كان العمل الفني تعبيرا لما تشعر به روح الكائن السفلي عندها فإن العمل الفني هذا ينتمي إلى ( الفن القبيح ) . وحتى نفهم بوضوح الفرق بين الفن الجميل والفن القبيح وأهداف كل منهما ، ونوعية تأثير كل منهما في السلوك والتطور الروحي ﻷفراد المجتمع ،لابد في البداية من توضيح معنى كلمة ( جميل ) ومعنى كلمة ( قبيح ). فللأسف في عصرنا الحاضر الكثير من اﻷشياء الجميلة أصبحت في نظر الكثير من الناس قبيحة والكثير من اﻷشياء القبيحة أصبحت جميلة. اللغة اليونانية توضح لنا المعنى الحقيقي لكلمة (قبيح ) ،فهي في اليونانية (ΑΣΧΗΜΟ -اسخيمو ) ومصدر هذه الكلمة هو (ΣΧΗΜΑ ) ومعناها (شكل) حيث إن إضافة حرف Α في بداية الكلمة يغير معناها إلى ( عديم الشكل ) ، فكلمة قبيح هي صفة لذلك الشيء الذي لا شكل له ، وبدقة أكثر هي صفة لذلك الشيء الذي لا يوجد أي انسجام بين شكله ومضمونه ، والذي يجعل شكله عشوائي دون معنى أو هدف واضح. إن ولادة الحياة حدثت نتيجة إتحاد عناصر ذات أنماط عشوائية بسيطة ( صلبة ،سائلة ،غازية ) لتأخذ شكلا معينا هو DNA. وكذلك نجد المخطط اﻹلهي في تطور الحياة يعتمد مبدأ التحول من البسيط إلى المركب ، ومن العشوائي إلى المنسجم ،ومن الناقص إلى الكامل ، فهدف تطور الحياة لم يكن إلا عملية تحقيق إكتساب الروح الشكل الذي يعبر عنها بصدق. الخنزير مثلا إحساسنا له بأنه قبيح المنظر ، وهذا اﻹحساس لم ينبع في داخلنا صدفة ولكن إحساس صادق ، ﻷن الخنزير يعتبر حيوان مخالف لقوانين التطور ، فجميع أنواع الثديات التي تأكل كل شيء ( لحم وعشب) نجدها تستطيع اﻹنتصاب على أطرافها الخلفية ، كالقرد والدببة وغيرها ، أما الخنزير فهو رغم أنه أيضا يأكل كل شيء ولكنه لا يستطيع النهوض على أطرافه الخلفية وليس هذا فقط بل رأسه كذلك منخفض جدا بحيث أنه لا يستطيع رؤية السماء. أما الحصان فنجد أن مظهره يعطينا إحساسا بنوع من الجمال فهو رغم ضخامة جسمه نجده حيوان مسالم ، حيث طبيعة تكوينه الجسدي يعطينا شعور بأن تناسق أبعاد جسمه وعضلاته القوية لم تخلق لكي يقتل ، ولكنها خلقت لكي يستطيع الهروب ، حتى صوته نجده يوافق تماما روحه فهو رفيع ومريح للأذن ، وبشكل عام نجد أن كل شيء في الحصان تطور بشكل صحيح ليلائم روحه التي تكمن داخله ، لذلك يعتبر الحصان من أجمل أنواع الثديات ، ولهذا كان أيضا أحب الحيوانات إلى قلوب فناني الرسم لذلك إستخدموه كثيرا في لوحاتهم لتزداد جمالا وروعة . حتى نستطيع فهم المعنى الحقيقي لكلمة ( جميل ) لا بد من شرح بعض اﻷشياء كما يلي: في اللغة الهيروغليفية المصرية القديمة نجد كلمة ( جميل ) تكتب بشكل رمز شكله مشابه تماما شكل (مبيض الزهرة ) ولفظ هذه الكلمة يسمع ( نفر ) وهذا الجزء من الزهرة يدعى ( نورة ) فكلمة ( نفر ) هي نفسها قد إنتقلت إلى العربية وتحولت إلى ( نور ) حيث أن حرف ( ف ) قد تحول إلى ( و ) كما جرى لكثير من الكلمات اﻷخرى مثلا (قفقاس = قوقاز )،(كفيه= قهوة )، ( داوود = دافيد) ، ( سبت =سافاتو). القرآن الكريم أشار إلى هذا الموضوع في السورة التي عنوانها تحمل نفس الكلمة ( النور ) ، حيث نجد أن اﻵية 35 في هذه السورة تتكلم عن الزهرة ( الله نور السموات واﻷرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري. ....) هذه اﻵية تصف نور الله بزهرة اليوسفي ، التي تعتبر رمز العفة ، فكأس هذه الزهرة في بداية تفتحها له شكل المشكاة ، ومبيض الزهرة لها شكل الزجاجة ، واﻷخبية داخل المبيض له شكل المصباح ( الصورة ) ، هذا المصباح هو الذي سينمو بعد التلقيح ليكون ثمرة اليوسفي التي شكلها له شكل كوكب لونه بلون الشمس عند شروقها. في مطلع هذه السورة في اﻵية 2 نقرأ ( الزانية والزاني. ..) ثم نقرأ في اﻵية 4 ( ...ثم لم يأتوا بأربعة شهداء. ..) وكذلك اﻵية 6 ( فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه من الصادقين ) ومن ثم اﻵية 8 ( أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين ) فالقرآن الكريم هنا يستخدم الرقم ( 4 ) كرمز للإحساسات اﻷربعة ( البصر، السمع،الشم، اللمس) بدون الحاسة الخامسة ،لتأخذ دور إحساسات روحية تعمل تحت سيطرة الكائن العلوي ، أما في اﻵية رقم 7 فنقرأ ( والخامسة أن لعنة الله عليه... ) وكذلك في اﻵية 9 أيضا نقرأ ( والخا مسة أن غضب الله عليها. .. ) فالرقم خمسة في سورة النور له معنى دخول حاسة الذوق إلى الحواس اﻷربعة اﻷخرى والذي أدى إلى تحولها إلى إحساسات مادية تعمل تحت سيطرة الكائن السفلي. فالمعنى الحقيقي لكلمة ( جميل ) هو صفة كل شيء مصدره الكائن العلوي والذي يعتمد على اﻷحاسيس اﻷربعة بشكلها الروحي، أما كلمة ( قبيح ) فهو صفة لكل شيء مصدره الكائن السفلي والذي يجعل اﻷحاسيس الخمسة بشكلها المادي تعمل في خدمة الكائن السفلي. الفرق بين الفن الجميل والفن القبيح يشبه تماما الفرق ما بين إتحاد ألوان الضوء وإتحاد ألوان الرسم ، فإتحاد اﻷلوان الرئيسية في الضوء يعطي الضوء اﻷبيض وهكذا هو الفن الجميل يساهم في ولادة الحضارات وإزدهارها ، أما إتحاد اﻷلوان الرئيسية ﻷلوان الرسم فيعطي لون معتم مشابه للون اﻷسود ، وهكذا هو الفن القبيح يساهم في إنحطاط الحضارات وتفكك الروابط اﻹنسانية. ولعل أفضل مثال يمكن أن نذكره لتوضيح الفرق بين الفن الجميل والفن القبيح هو مقارنة بين أعمال ليوناردوا دافنشي التي ساهمت في إزدهار عصر النهضة، وأعمال بيكاسو التي ساهمت في إنحطاط عصر النهضة ووصول اﻹنسانية إلى وحشية لم يعرف التاريخ مثلها من قبل. من المعروف عن ليوناردو دافنشي (1452-1519) أنه لم يتزوج وظل عفيفا طوال حياته ، لذلك كانت جميع ملاحظاته عن المرأة عن طريق اﻷحاسيس اﻷربعة في كائنه العلوي ، لذلك خرج بلوحته موناليزا (الجوكندا) التي هزت مشاعر المشاهدين جميعهم حين عرضها ﻷول مرة عام 1504 ، حيث عرض البعض عليه مبلغا خياليا ( 4000 دوقة ذهبية ) لشرائها ، في الوقت الذي كان ثمن لوحة ( العائلة المقدسة ) لميكائيل أنجلوا لا يتجاوز ( 176 دوقة ذهبية ) ، هذه اللوحة والتي لا تزال اﻷبحاث فيها تشغل العديد من الفلاسفة والنقاد في محاولة تفسير لغز إبتسامتها المحيرة ، فالحقيقة أن روح ليوناردو في لوحة موناليزا ( الجوكندا ) رسمت وجه أمه نفسها كرمز لحواء ، وهذه اﻹبتسامة المحيرة ليست إلا إبتسامة حواء وهي ترى أولادها قد أدركوا هذه المحطة الروحية الجديدة التي سميت بعصر النهضة ، لذلك كانت إبتسامتها إبتسامة مرهقة ولكن بنفس الوقت إبتسامة مؤثرة عميقة تملأ وجهها بأكمله ، هذا المعنى الذي أحست به روح ليوناردو عن معاناة المرأة وهي تطالب بحقها بصمت ، حاول نقله إلى روح شعوب العالم بأكمله ، وهذا اﻹحساس الروحي الغريب الذي أرعش روح كل إنسان وقعت عيناه على هذه اللوحة ، ليس إلا بسبب وعي روحه وفهمها أن هذه اﻹبتسامة تختلف عن بقية اﻹبتسامات ، فهي إبتسامة كلف تحقيقها جهود جبارة متواصلة على مدى مليارات السنين. هذا اﻹحساس الروحي المتداخل العميق دفع الكثير من الفنانين إلى رسم هذا النوع من اﻹبتسامة في وجوه نساء لوحاتهم ، وهذا ما جعل العديد من الرجال وهم ينظرون إلى هذه اﻹبتسامة أن يشعروا بالجمال الروحي للمرأة ، فذهبوا وغيروا سلوكهم نحوها وحاولوا أن يدافعوا عنها ويساعدوها في المطالبة بحقوقها لتأخذ دورها في التطوير الروحي للمجتمع. أعمال ليوناردوا دافنشي جميعها كان لها هذا الهدف ، إظهار روعة وجمال الكائن العلوي في المرأة ، ليشعر الرجال بتلك القوة الروحية الكامنة فيه والقادرة على توجيه روح اﻹنسان إلى طريق الجنة ، كما يذكر الحديث الشريف (الجنة تحت أقدام اﻹمهات ) . بالنسبة لبيكاسو والذي يعتبره بعض الناس اﻷب الروحي للفن الحديث بجميع أنواعه والذي كتبت عنه وعن أعماله الآلاف من المقالات بجميع لغات العالم. فكانت حياته وأهداف أعماله معاكسة تماما لحياة وأعمال ليوناردو دافنشي ومن يتمعن في سيرة حياته يجد أن وضع المرأة اليوم مشابه تماما لحالة عشيقاته ، فمثلا عندما كان بيكاسو في الخمسين من عمره إستطاع بشهرته وأمواله أن يوقع بحبه فتاة في السابعة عشر من عمرها تدعى ماري تيريز ، فأخذها كعشيقة وكموديل ليستوحي منها مواضيع ﻷعماله ، وبعد فترة قصيرة وعندما حملت بأحشائها جنين منه، قال لها عبارته الشهيرة ( لم يعد بك شيئا يلهمني بموضوع جديد) ، فهجرها وذهب يبحث عن إمرأة ثانية، ثم ثالثة ، ثم رابعة ،ثم خامسة .ثم. ..ثم. ثم .... عشيقته ماري تيريز شنقت نفسها. و زوجته اﻷخيرة جاكلين أطلقت على رأسها الرصاص ، وعشيقته فرانسوا غيلوت ألفت كتابا عنه يحمل عنوان ( الحياة مع بيكاسو ) ومن يقرأ صفحات هذا الكتاب سيجد أن حياة بيكاسو كانت بأكملها فضائح جنسية وسيجد كيف كان بيكاسو ينظر إلى المرأة وكم كان بذيئا في تعامله معها طوال حياته وسيشعر بأن علاقته بالمرأة كانت تحت سيطرة الكائن السفلي ، فالمرأة بالنسبة له كانت جسد خالي من الروح وما يهمه منها كان فقط إشباع شهواته الحيوانية بأبشع صورها ، ففي مثل هذه الحالة المرأة في عين الرجل تتحول إلى ما يشابه وجبة طعام لا أكثر ولا أقل ، فعندما يتناول اﻹنسان نفس وجبة الطعام لمرات عديدة يصل إلى مرحلة لا يستطيع أن يتناولها على الرغم من إنها كانت في البداية وجبة لذيذة ،وعندها فإن إرغامه على تناول نفس الطعام سيؤدي به إلى التقيؤ ، هكذا تماما كانت المرأة بالنسبة إلى بيكاسو، فهو بعد إشباع شهواته الجنسية مع كل امرأة يعاشرها كان يصل إلى مرحلة يشعر فيها بالقرف من أن يلمسها أو حتى أن يراها ﻷن هدفه الحقيقي منها هو تدنيسها لتتحول إلى كائن قذر ، ومن يتمعن جيدا في كل لوحات بيكاسو عن النساء سيشعر بذلك التعبير الروحي الذي وصل إليه بعد إشباع شهواته الحيوانية منها ( الشعور بالقرف ) وهو يرى عشيقاته وللأسف هذه اللوحات التي جعلت من المرأة كائن يولد في الرجل الشعور بالقرف( الصورة )، اليوم تباع في معارض الرسم بملايين الدولارات، فليس من الغريب طالما أن بيكاسو هو اﻷب الروحي لفناني هذا العصر ان يسجل التاريخ في صفحاته "لم تعرف الإنسانية وحشية مثل وحشية إنسان العصر الحديث " . للأسف غياب الفلاسفة في عصرنا الحاضر وتحول مادة الفلسفة إلى نشاط فكري آخر ليس له علاقة لا من قريب ولا من بعيد بعلوم الفلسفة الحقيقية والتي دورها دراسة مضمون اﻷشياء ، أدى إلى تحول الفن إلى شيء عشوائي بدون تعريف واضح ، فسمحت الظروف لكل معقد نفسي أو محتال أو دجال بأن يمسك الريشة أو القلم أو آلة موسيقية ليقوم بسرقة من أعمال فنية أخرى مجهولة في بلده ليعمل منها قطعة موسيقية أو لوحة أو تمثال أو قصيدة ولكن بطريقته هو ليخدع نفسه ويخدع اﻵخرين وليصنع من نفسه فنانا يجذب المعجبات ليشبع شهواته ولتنشر وسائل اﻹعلام فضائحه الجنسية فيعتقد الناس العامة أن تحقيق إشباع الشهوات الحيوانية هي التي تصنع من اﻹنسان فنانا. يقول ليوناردو دافنشي عن الفن " الفنان هو ذلك الشخص الذي عندما يصف الماء يصف ذلك الماء الذي يخرج من النبع في الطبيعة و ليس ذلك الماء الموجود في جرة بيته". الفيلسوف وناقد الفن الفرنسي " ايبوليتو تاين" (1828- 1893 ) في كتابه " فلسفة الفن" يذهب ويوضح معنى الفن أكثر قائلا "بسبب وجود عوامل عديدة تساعد على تشويه وإخفاء صفات وشخصية الأشياء في الطبيعة ، قانون الطبيعة نفسه أجبر على ولادة مهنة الفن، الفنان هو الذي يساعد الطبيعة في إظهار شكلها الحقيقي لتستطيع التعبير عن نفسها" وأنا بدوري أضيف توضيحا أشمل لمعنى الفن ودور الفنان " كل شيء خلقه الله لم يخلق عبثا ولكن ليأخذ دوره في المخطط الإلهي في تطور الكون، لذلك أعطى لكل شيء هوية تعبر عن روحه وسبب وجوده، والفنان هو ذلك الإنسان الذي يستطيع رؤية روح هذه الأشياء وهو الذي لديه القدرة على عرضها على الناس بعد نزع جميع الشوائب التي شوهت هذه الروح ، عندما تظهر هوية كل شيء بشكله الصافي كما خلقه الله عز وجل ، يمكن للإنسان أن يرى حكمة قانون الخلق من خلال إنسجام وتناسق هذه الأشياء مع بعضها البعض وبالتالي تستطيع الإنسانية اختيار الطريق الصحيح في التطور لتصل إلى الصفاء الروحي و الجسدي. في الماضي كانت اﻷعمال الفنية التي ساهمت في إزدهار الحضارات جميعها تحاول إظهار كم أن اﻹنسان هو كائن مختلف عن الحيوانات ،لذلك كانت الإنسانية في تقدم مستمر نحو اﻷرقى. من يتمعن اليوم في اﻷعمال الفنية بمختلف أنواعها ، رسم ،موسيقى، نحت ،شعر ،سينما. ... يجد أن معظمها تحاول ان تظهر كم أن اﻹنسان مشابه للحيوانات، لذلك نجد الفن الحديث قد تحول إلى عنف ووحشية ودعارة. ولكن مهما يكن ومهما حصل ستبقى سنة الله في الخلق تسير كما يشاء هو ، ويوما ما لعله قريب جدا إن شاءالله ، ستستيقظ اﻹنسانية من سكرتها ،وستنظف كتبها ومعارضها من جميع أعمال الفن القبيح لترمي بها إلى سلة المهملات ، ﻷن اﻹنسان هو كائن يملك في داخله جزء من روح الله ، والله يعني الكمال والجمال.
وسوم: 639