الخاطرة 65 : حقيقة شجرة الميلاد

خواطر من الكون المجاور

في السنوات اﻷخيرة أصبحت عادة تزيين شجرة عيد الميلاد من أكثر التقاليد إنتشارا في العالم بغض النظر عن الديانة الرسمية للبلاد فرغم أن هذه العادة تخص شعوب الديانة المسيحية وتعبر عن ميلاد المسيح ، ولكنها في الآونة اﻷخيرة أصبحت شجرة الميلاد لجميع شعوب العالم والتي تعبر عن ميلاد عام جديد ، لذلك نرى أن معظم مدن العالم تحتفل بنهاية العام وبداية العام الجديد من خلال إطفاء مصابيح الشجرة في آخر دقيقة من نهاية العام وإضاءتها من جديد لتعبر عن بدء العام الجديد. فشجرة الميلاد بالنسبة لشعوب العالم لم تعد تعني ميلاد المسيح ولكن ميلاد عام جديد لجميع شعوب العالم. أو بمعنى آخر أن ظهور عادة تزيين شجرة الميلاد كتقليد عالمي أصبحت تعبر عن دخول اﻹنسانية في مرحلة جديدة من تطورها الروحي.

العديد من مدن البلاد اﻹسلامية أيضا أصبحت تحتفل بشجرة رأس السنة رغم معارضة الكثير من رجال الدين اﻹسلامي ، حتى أن بعضهم ينظرون إلى هذه العادة العالمية على أنها نوع من العبادة الوثنية لذلك يحاولون محاربتها بشدة ومنع إنتشارها في البلاد اﻹسلامية، فما قصة هذه الشجرة وهل هي فعلا عبادة وثنية تعارض مبادئ الدين اﻹسلامي أم أنها عادة من الدين المسيحي أتت من إلهام إلهي فيها حكمة إلهية تفسر لنا أشياء تساعدنا في فهم التطور الروحي للإنسانية ؟

هناك مقالات كثيرة في الإنترنت تتحدث بشكل مفصل عن شجرة الميلاد وعن معنى تزينها وكذلك تاريخ ظهورها. بعض هذه المقالات مؤيدة لفكرة تزيين الشجرة والبعض له موقف حيادي والبعض اﻵخر معارض. وحسب رأيي ان جميع اﻵراء المذكورة في المقالات والصحف هي آراء سطحية تعالج الموضوع من زاوية ضيقة جدا تخص ديانة كل باحث دون أن يعالج الموضوع بشكل شامل لتصل إلى مضمونه ، فمن يريد أن يأخذ فكرة عامة على جميع تلك اﻵراء بإمكانه الذهاب إلى اﻹنترنت ، ولكن هنا في هذه المقالة سنطرح موضوع شجرة الميلاد إن شاء الله برؤية شاملة من جميع زواياه تسمح بفهم مضمون هذه العادة ومعناها الروحي وليس شكلها المادي فقط كما يحدث في جميع المقالات التي تتحدث عن هذه العادة . 

لنأخذ الموضوع من بدايته :

تزيين شجرة الميلاد في كل عام يبدأ قبل عيد الميلاد (25 كانون اﻷول - ديسمبر ) بأيام قليلة وتبقى حتى عيد الغطاس ( 6 كانون الثاني - يناير ) ، وتعتبر هذه العادة المسيحية حديثة النشأة وليس لها أي رابط مع ميلاد المسيح كما هو مذكور في اﻹنجيل ، وحسب الوثائق التاريخية ، أن فكرة تزيين شجرة قد ظهرت ﻷول مرة عندما ذهب القديس بونيفاتيوس إلى ألمانيا في القرون الوسطى ( عام 727 ) فشاهد هناك قبائل وثنية تعبد إله يدعى ( ثور ) حيث تزين اﻷشجار بأنواع مختلفة من اﻷطعمة وعلى إحداها يقدم أمير كقربان للإله ثور ، فعندما شاهد القديس بونيفاتيوس وهم يريدون ذبح اﻷمير كضحية لإلههم هاجمهم وحرر اﻷمير من أيديهم وراح يحدثهم عن المسيح الذي ضحى بنفسه من أجل السلام والمحبة. ثم قام بقطع الشجرة ونقلها إلى إحدى المنازل وقام بتزينها بالشموع لتكون رمزا لإحتفالهم بميلاد المسيح وقدوم الدين المسيحي إلى بلادهم. ولكن رغم هذه الحادثة لا يوجد أي وثائق تشير إلى إستمرار هذه العادة في ألمانيا أو إنتقالها من هناك إلى منطقة أخرى.

هناك وثائق تاريخية أخرى تذكر ظهور هذه العادة في مناطق أخرى بشكل فجائي وفي أزمنة مختلفة ولمدة زمنية محدودة، فهناك آراء تؤكد على أن تزيين شجرة الميلاد ظهرت ﻷول مرة في سوريا عام 512. ولكن رغم ظهور هذه الظاهرة في عدة أماكن وفي أزمنة مختلفة لم تستمر لتصبح حدثا شائعا في المنطقة. ولا يزال المصدر الحقيقي لفكرة تزيين شجرة الميلاد حتى اليوم غير واضح ويختلف من باحث إلى آخر ، ولكن بشكل عام الوثائق التاريخية تؤكد على أن فكرة تزيين شجرة الميلاد في موسم أعياد الميلاد بدأت تظهر في القرن السادس عشر و في القرن التاسع عشر أصبحت عادة شائعة في معظم الدول اﻷوربية والمسيحية . 

من يبحث في مضمون اﻷحداث سيجد أن فكرة تزيين شجرة الميلاد لم تظهر بالصدفة أو بشكل عبثي ولكنها ظهرت بحكمة إلهية وفي عصر يحمل المعنى الروحي لهذه العادة ، فأول من ربط بين ميلاد عيسى عليه الصلاة والسلام مع تزيين الشجرة هو ليوناردو دافنشي ، ولكن للأسف رغم أن جميع المفكرين يعتبرون أن ليوناردو دافنشي من أكبر مؤسسي عصر النهضة ولكن جميع أبحاثهم عن أعماله ومعانيها بقيت أبحاث سطحية عاجزة عن فهم حقيقية عبقرية هذا اﻹنسان وأهمية دوره في تغيير المجتمع اﻷوربي من عصر الجهل والظلام إلى عصر النهضة ، فمن يتعمق في أعمال دافنشي سيجد أن هذا الشخص يستحق أن يكون أحد أولئك المرشدين الذين أنبأ عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف ( الله يرسل كل مائة عام مرشد ليجدد الدين ) لما قام به من عمليات تجديد على مستويات مختلفة سواء كانت علمية أو فلسفية أو إجتماعية ، ولكن للأسف رجال الكنيسة بدلا من أن تقدره وترفع مكانته في عالم الفكر نجد أنهم قد إتهموه بالهرطقة حتى أنهم رفضوا الصلاة على روحه بعد وفاته ، وكذلك فعل علماء اﻹسلام فلم يحاول أحد منهم البحث في سلوكه و أعماله ليعلم حقيقة هذا الرجل ودوره في تطوير المجتمعات اﻹنسانية والتي جعلته حسب رأي معظم المفكرين من أكبر مؤسسي عصر النهضة. أو بمعنى آخر بأنه من أهم الشخصيات التي ساهمت في تبديد ظلام القرون الوسطى ليحل محله نور العلوم والمعرفة. 

في لوحة توقير ماغي التي رسمها ليوناردو دافنشي ، يظهر ﻷول مرة علاقة الشجرة مع ميلاد عيسى عليه الصلاة والسلام ، حيث نجد ليوناردو دافنشي يقسم لوحته إلى قسمين : قسم من الناس يمجد مريم وإبنها الرضيع عيسى ، وقسم آخر من الناس نراه يمجد شجرة ، وكأن حادثة ميلاد عيسى تشمل ناحيتين : ناحية مادية (عيسى الرضيع كجسد) وناحية روحية (الشجرة ). وكما هو معروف عن حياة ليوناردو دافنشي بأنه كان مسؤولا عن تزيين المدينة في أيام اﻷعياد الدينية فقد كان في أيام أعياد عيد الميلاد يقوم بتزيين اﻷشجار في الساحة العام للمدينة بوضع قناديل ملونة على فروعها. ومنذ ذلك الوقت بدأت تنتقل هذه الفكرة إلى مناطق أخرى ولكن لكون آراء يوناردو دافنشي بالنسبة لرجال الكنيسة في ذلك الوقت بأنها معارضة لتعاليم الكنيسة ، لذلك لم يحاول أحد ربط فكرة تزيين شجرة الميلاد بليوناردو دافنشي خوفا من محاولة منعها من قبل رجال الكنيسة ، لذلك إنتقلت هذه الفكرة إلى أشخاص آخرين حتى وصلت إلى إنكلترا حيث قامت الملكة شارلوت زوجة الملك جورج الثالث بتزين شجرة الميلاد في النصف الثاني من القرن الثامن عشر فأصبحت هذه العادة من التقاليد الملكية وهكذا من إنكلترا إنتقلت هذه العادة إلى أمريكا وكندا وأستراليا وأصبحت عادة شائعة ، تتكرر في كل عيد ميلاد من كل عام. 

كما ذكرت في المقالة السابقة بأن سلوك و أعمال ليوناردو دافنشي تدل على أن روح هذا اﻹنسان تعلم أشياء كثيرة عن معلومات القرآن الكريم بشكلها الروحي وليس بمعناه السطحي كما هو عند علماء المسلمين الذين يحاولون الفصل بين الدين اﻹسلامي والدين المسيحي وكأنه لا يوجد أي رابط بين الديانتين. ولكن في أعمال ليوناردو دافنشي نجد أن اﻷمر يختلف نهائيا فنراه يحاول توحيد المعلومات الموجودة في القرآن واﻹنجيل لتأخذ المعلومة شكلها الحقيقي فتستطيع تفسير الأشياء بشكل علمي له علاقة بتكوين النفس البشرية وليس بشكل فكري عشوائي لا يعتمد أي قاعدة علمية فتبدو المعلومة وكأنها تتبع المبدأ المعروف ( العلم للعلم والدين للدين والفن للفن. ...). 

فإذا تمعنا في آيات القرآن الكريم التي تتكلم عن ولادة عيسى عليه الصلاة والسلام ، نجد أنه تربط هذه الحادثة بالنبات ، فكما تقول اﻵية القرآنية عن مريم ( وأنبتها نباتا حسنا ) وفي سورة الفتح في اﻵية 29 نجد الله عز وجل يصف المؤمنون بالزرع ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ...... مثلهم في التوراة ومثلهم في اﻹنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه. ... ) وهناك آيات كثيرة في الكتب المقدسة في الديانات الثلاث ( اليهودية والمسيحية واﻹسلامية ) تربط بين تكوين اﻹنسان والنبات ، وأفضل مثال على ذلك هو أن سفر التكوين ينتهي بقصة يوسف عليه الصلاة والسلام وإسم يوسف مصدره من شجرة اليوسفي ، فالسفر الذي عنوانه ( التكوين ) إي تكوين روح اﻹنسان يبدأ بالشجرة المحرمة التي كانت سببا في طرد اﻹنسان من الجنة وينتهي بقصة يوسف الذي يرمز إلى الشجرة التي بارك الله بها، وإذا تمعنا جيدا في تصميم القرآن الكريم نجده يؤكد على فكرة رمز الشجرة ، فإذا قسمنا رقم آيات كل سورة من سور القرآن جميعها قسمين ومثلناه بخط أفقي طوله نصف عدد آيات السور، أي سورة الفاتحة آياتها سبعة ، ونصف هذا العدد هو 3،5 فإذا مثلناه بخط طوله 3،5 إلى اليمين و 3،5 إلى اليسار ، وتابعنا بالطريقة نفسها لجميع سور القرآن بشكل متسلسل من اﻷسفل إلى اﻷعلى حتى السورة اﻷخيرة سورة الناس ، لاكتشفنا ان الخطوط ستشكل ما يشبه تماما شجرة الميلاد التي يستخدمها المسيحيون في إحتفالات عيد الميلاد ( كما يوضح الشكل في الصورة ). 

الحصول على هذا الشكل من عدد آيات السور وبالطريقة التي ذكرناها تم بعد دراسات طويلة لمعاني اﻵيات وعلاقتها ببعضها البعض وتجانس ترتيب أرقام عدد آيات السور ، وظهور شكل الشجرة من خلال تسلسل رقم عدد آيات السور لا يمكن أن يكون صدفة ولكن حكمة إلهية ، وكل شخص سيدعي بأن تشابه شجرة القرآن مع شجرة الميلاد هو محض الصدفة ، فكأنه يؤكد على أن القرآن الكريم هو كتاب مكتوب من إنسان وليس بوحي إلهي ، ﻷن الله عز وجل لا يترك في أعماله أي مكان للصدفة ولكن كل شيء عنده يتم حسب خطة محكمة بدقة لا تعرف الخطأ لتعطي معنى معين ،وهذا يعني أن وجود الشبه بين شجرة الميلاد وشجرة القرآن له معنى ويجب أن نبحث عنه، فوجود هذا الشبه - كما ذكرنا - ليس صدف ة ولكن حكمة إلهية هدفها - حسب رأيي - تقوية علاقة الإخاء والتعاون بين الشعوب المسيحية والشعوب اﻹسلامية ، أما أن نكتم سر هذا التشابه لكي نجعل المسيحيين في ظن المسلمون بأنهم من الضالين وأن كل ما يفعلونه هو من الشيطان الرجيم بهدف زرع العداوة والبغضاء بين الطرفين ، فهذا يعارض تماما روح اﻹسلام وتعاليمه.

- من السورة اﻷولى، سورة ( 1) الفاتحة وحتى سورة ( 38) ص هي المرحلة اﻷولى وترمز إلى المرحلة الجنينية والرضاعة في تاريخ الإنسانية. إي مرحلة ما قبل التاريخ أي منذ ولادة اﻹنسانية وحتى عام 3000 قبل الميلاد) ، حيث طبيعة اﻹنسانية كانت مثل طبيعة الجنين الذي يبدأ بتكوين نفسه جسديا في رحم أمه ثم يخرج ليسير على اﻷربعة لذلك كانت السورة الثانية عنوانها ( البقرة ) وبعد ذلك يحاول تعلم الأحرف ونطق الكلام. هذه المرحلة هي مرحلة تكوين المادي للإنسانية ،لذلك فإن عالم الطفل يشمل فقط أفراد العائلة، ولذلك كانت اﻹنسانية تعيش ضمن مجموعات صغيرة وذات نشاط فكري شبه معدوم. 

- من سورة (38) ص إلى سورة ( 76) اﻹنسان ، هي المرحلة الثانية وتبدأ من عام 3000 قبل الميلاد - إختراع الكتابة - وتنتهي بنزول آخر ديانة سماوية ودخول الحضارة اﻹسلامية في عصر اﻹنحطاط في القرن الثالث عشر بعد الميلاد ، حيث اﻹنسانية في هذه المرحلة كانت في فترة مرحلة الطفولة والله عز وجل أعطى علامة تساعد على فهم هذه المرحلة فنجد أن علي رضي الله عنه قد كرم الله وجهه وسبب هذا التكريم ﻷن علي لم يرى أعضاءه التناسلية فما حدث مع علي رضي الله عنه لم يكن صدفة ولكن علامة تشير على مفهوم تلك المرحلة التي تعيشها اﻹنسانية فالطفل لا يشعر بأعضائه التناسلية لأنها لم تنضج بعد أي بمعنى آخر أن الطفل لا يرى أعضائه التناسلية ﻷنها غير موجودة في هذه المرحلة ، وبشكل عام الطفل في هذه المرحلة يبدأ بتعلم الكلام (اللغة) ومع تعلمها يظهر الشعور باﻹنتماء إلى عالم آخر أكبر من عالم العائلة ولكن هذا العالم أيضا صغير، فيظهر في الطفل الشعور باﻹنتماء القومي أو اﻹنتماء الديني ، لذلك نجد جميع شعوب العالم في هذه المرحلة قد وصلت في نهاية حضاراتها إلى التعصب القومي أو التعصب الديني ﻷنها كانت في مرحلة الطفولة ، فالطفل في تلك المرحلة لا يزال يبحث عن تكوين نفسه فهو يشعر باﻷشياء القريبة منه فقط أي أنه يشعر باﻷشياء التي تخصه هو وحده، لذلك كان إسم السورة التي تنتهي فيها هذه المرحلة ( اﻹنسان ) أي الشعور الشخصي لتعبر عن تلك المرحلة في حياة الإنسانية بشكل عام حيث الشعب بأكمله يفكر فقط في مصالح بلاده ومصالح ديانة بلاده . 

- من سورة (76) الإنسان إلى سورة (114 ) الناس هي المرحلة الثالثة وترمز إلى سن المراهقة للإنسانية حيث تنضج اﻷعضاء التناسلية فيبدأ اﻹنسان يشعر بأنه نصف روح وأنه يحتاج إلى نصفه اﻵخر من الجنس اﻵخر هذا الإحساس يجعله يشعر بأنه فرد من أفراد المجتمع له حقوقه وعليه واجبات نحو هذا المجتمع وعندها يتحول شعوره من اﻷنا إلى النحن ، وشعوره بهذا النوع من اﻹنتماء يكبر ويكبر معه عالمه الصغير (القومي والديني) ويتحول إلى عالم كبير يضم شعوب العالم بأكملها فيتحول من شعوره بنفسه (اﻹنسان ) ليشعر بإنتمائه العالمي ( الناس ) . لذلك كان إسم السورة اﻷولى من هذه المرحلة سورة (اﻹنسان) وإسم السورة اﻷخيرة منها هو سورة (الناس ) لتعبر عن اﻹنتماء العالمي حيث اﻹنسانية بأكملها تتحول إلى عائلة كبيرة واحدة وهي عائلة آدم وحواء . 

كما ذكرنا في الخاطرة. ...فلسفة عيد اﻷضحى ، بأن الشجرة المحرمة التي أكل منها آدم وحواء هي شجرة المعرفة الجنسية ، والتي دفعت آدم وحواء إلى ممارسة الفحشاء ، فآدم وحواء في تلك الفترة كانا بمثابة طفلين لذلك كانت المعرفة الجنسية بالنسبة لهما شيء محرم لذلك كان عقابهما الطرد من الجنة. 

أما بالنسبة لشجرة الميلاد فاﻷمر مختلف ، فظهور الدين اﻹسلامي كآخر ديانة سماوية له معنى نهاية المرحلة الطفولية للإنسانية، وظهور حضارة عصر النهضة كان علامة على دخول اﻹنسانية مرحلة المراهقة لذلك سمي هذا العصر باللغة العربية عصر النهضة ، ويعني قيامة الجسد ، لذلك نجد حدوث قفزات واسعة بالعلوم المادية سمحت إكتشاف جميع القارات لتصبح شعوب العالم بأكملها مترابطة فيما بينها ،فتحولت الكرة اﻷرضية من مكان أطرافه مجهولة إلى عالم معلوم من جميع أطرافه. وظهور عادة اﻹحتفال بتزيين شجرة الميلاد ليست إلا علامة تشير إلى هذه الناحية من التطور لذلك تغير معنى هذه العادة شيء فشيء من معنى خاص يرمز إلى عيد ميلاد يسوع ( عيد مسيحي ) إلى معنى عالمي (عيد عالمي) تحتفل به شعوب العالم ويعبر عن دخول اﻹنسانية بمرحلة جديدة من التطور ، حيث نجد أن تزيين الشجرة يتم بمصابيح ملونة وكرات ملونة ترمز كل واحدة منها إلى ثمرة من نوع مختلف حيث كل ثمرة تعني ميزة حسنة أو نوع معين من المعارف بعكس شجرة الجنة التي كانت ثمارها من نوع واحد ( التفاح ) والذي يرمز إلى المعرفة الجنسية فقط ، ففي مرحلة المراهقة وبعد المرور بالمعارف الروحية عن طريق التربية الحسنة ( الدين ، اﻷخلاق الحميدة ، والصفات السامية ) التي إكتسبها اﻹنسان في مرحلة الطفولة ، فبجانب هذه المعارف يجب إكتساب معارف عن العلوم المادية والمعلومات الجنسية ، ليعلم اﻹنسان ما يحدث به من تغيرات في جسده ، وهذه المعارف بشكل عام هي أساس العلوم المادية. 

ليس من الصدفة أن الوثائق التاريخية تذكر أن فكرة تزيين شجرة قد بدأت بذهاب القديس بونيفاتيوس إلى ألمانيا في القرون الوسطى عندما شاهد هناك قبائل وثنية تعبد إله يدعى ( ثور ) وتزين اﻷشجار بأنواع مختلفة من اﻷطعمة وعلى إحداها يقدم أحد اﻷمراء كقربان لإله ثور ، لذلك هاجمهم القديس بونيفاتيوس وحرر اﻷمير من أيديهم وراح يكلمهم عن المسيح الذي ضحى بنفسه من أجل السلام والمحبة. ثم قام بقطع الشجرة ونقلها إلى إحدى المنازل وقام بتزينها بالشموع لتكون رمزا لإحتفالهم بميلاد المسيح. فتلك الحادثة تعبر عن الشجرة المحرمة في الجنة ، فإله ( ثور) هو رمز الشيطان وإسمه له لفظ يشبه بالعربية ( الثور. .أو العجل ) والذي يمثل شكل رأس الشيطان، فرمز الشيطان كما هو متعارف عليه له شكل رأس إنسان له قرنين. أما اﻷمير الذي كان يقدم كقربان لإله ( ثور ) فهو رمز هابيل ، الذي كان قتله أخاه قابيل حيث قابيل كان ثمرة خطيئة آدم وحواء ( إبن الزنى ) ، وبقدوم الدين المسيحي إلى تلك المنطقة في ألمانيا في الزمن الذي كانت الحضارة اﻹسلامية ( آخر الديانات ) قد أثبتت وجودها عالميا وراحت تتابع إزدهارها ، تلك الفترة الزمنية كانت تعبر تماما عن تخلص اﻹنسانية من الشوائب الشيطانية التي دخلت اﻹنسانية بخطيئة آدم وحواء، لذلك تم إنقاذ اﻷمير ،لأن الانسان قد وصل إلى نهاية مرحلة الطفولة حيث أتم كل مراحلها على أكمل وجه وبدليل أن الانسانية كانت قد وصلت إلى مستوى مناسب كأن يرسل الله رسالته الأخيرة ( دين الاسلام) لتتابع الانسانية طريقها نحو الصفاء. 

تقاليد الطائفة اﻷورثوذكسية أيضا تؤكد على صحة مفهوم شجرة الميلاد وعلاقتها بشجرة المعرفة ، فطائفة اﻷورثوذوكس لها طريقة مختلفة في التعبير عن شجرة الميلاد ولكن له نفس المعنى ، فبدلا من تزيين شجرة تقوم الطائفة اﻷورثوذوكسية وخاصة في اليونان بتزيين سفينة بكرات وأضواء ملونة ، هذه العادة ليست إلا رمز شبيه برمز سفينة نوح فكما حملت سفينة زوج من جميع أنواع الحيوانات لتبدأ اﻹنسانية مرحلة جديدة بعد تطهير العالم من كل مميزات السوء التي أدت إلى غضب الله وحدوث الطوفان ، هكذا أيضا هي شجرة الميلاد، تعبر عن بداية جديدة للإنسانية حيث كل فرد فيها يجب أن يكون فيه الشعور باﻹنتماء العالمي أقوى من جميع اﻹنتماءات اﻷخرى فاﻹنسان فوق ( القومية ، الدين، العرق، العلوم .. الخ ) ﻷن جميع هذه أﻷشياء ظهرت لحماية وخدمة اﻹنسان أما المبدأ الذي يقول الدين للدين والفن للفن والعلم للعلم فهو مبدأ فكري شيطاني لا علاقة له بما أنزل الله عز وجل.

ما ذكرته في هذه المقالة عن شجرة الميلاد هو جزء من بحث طويل دام سنوات ، وهدف نشر المقالة ليس إقناع الجميع بمفهوم حقيقة شجرة الميلاد ، أو محاولة التأكيد على ضرورة المشاركة بإحتفال تزيين شجرة الميلاد. فهذا اﻷمر يتوقف بما يشعر به كل شخص ، ولكن هدف نشر المقالة هو عرض ما أحسست به وما توصلت إليه في إجتهاداتي التي دفعني القدر نفسه إلى البحث فيها وكما تقول اﻵية القرآنية 159 من سورة البقرة ( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ) وأنا بدوري أذكر تلك البينات التي دفعني القدر إلى رؤيتها، في هذا العصر الذي راحت الفتن تلعب دورها لتنمي روح العداوة والكراهية بين الشعوب والديانات والطوائف، وأرجو الله أن يكون هو - لا أنا - من سينير عقولكم وأرواحكم لتستطيعوا التفريق بين الحقيقة والدجل. والله أعلم.

كل عام وأنتم بخير 

وسوم: العدد649