خواطر من الكون المجاور ..الخاطرة 84 : اﻷزمة السورية ولغة اﻷرقام
في عام 1974 إكتشف الدكتور رشاد خليفة - حسب رأيه - معجزة الرقم 19 في القرآن الكريم ،هذا الرقم مذكور في سورة المدثر في اﻵية ( 30) " عليها تسعة عشر " ، وراح يتكلم في المجلات والكتب والقنوات التلفزيونية عن هذه المعجزة الرقمية التي كشفتها الحاسبات اﻹلكترونية، سنحاول هنا أن نعرض نماذج مختلفة عن إعجاز هذا العدد في القرآن الكريم كما ذكرها الدكتور رشاد خليفة في مؤلفاته ليأخذ القارئ فكرة عنها :
- القرآن الكريم يبدأ باﻵية " بسم الله الرحمن الرحيم " وعدد أحرف هذه اﻵية هو 19
- أول سورة قرآنية نزلت هي سورة العلق وعدد آياتها 19- الحرف "ق " في سورة ق يتكرر 57 مرة وهو من مضاعفات الـ 19 (19x3)- مجموع اﻷرقام المذكورة في القرآن الكريم يعادل 174591 وهو من مضاعفات ال 19 (19x9189)- ...... إلخ
وحسب رأيه بأن هذه اﻹثباتات هي حقائق مادية ملموسة لا تقبل أي شك أو جدل وتقدم للعالم أجمع البراهين على أن القرآن الكريم لا يمكن أن يكون من تأليف إنسان ولكنه من عند الله عز وجل.
في البداية عندما نشرت هذه المعلومات لاقت قبولا من المسلمين وإعتبروها نوع جديد من معجزات القرآن الكريم التي تظهر أمام أعين الناس بعد 1400 عام من نزوله. ولكن سرعان ما راح العلماء المسلمون يشككون في نوايا وأهداف هذا ا العالم فبعد التدقيق في أرقامه المذكورة شاهدوا أن حساباته غير دقيقة وفيها الكثير من اﻷخطاء التي تمت عمدا بهدف تحقيق نوع من توافق مع الرقم (19) ، وما دفع لمهاجمة آرائه أكثر هو عدم إعترافه بالأحاديث الشريفة ، فهو يرفض إضافة عبارة ( محمد رسول الله ) إلى الشهادة ( لا إله إلا الله ) . فهو من أجل أن يحقق توافق مجموع عدد آيات القرآن الكريم مع الرقم 19 إدعى بأن بعض المسلمين المتعصبين لنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) أضافوا إلى القرآن الكريم آيتين لتمجيده ،وهما اﻵية 128 و 129 من سورة التوبة ، لذلك الكثير من علماء المسلمين إتهمه بأنه ليس مسلما ولكن من أتباع الديانة البهائية ( الديانة البهائية ظهرت في إيران في القرن التاسع عشر وهي تعتبر أن الرقم 19 هو رقم مقدس، لذلك جعلوا عدد الشهور في السنة البهائية تساوي 19 شهر وكل شهر يعادل 19 يوم ، وعدد ركعات الصلاة الكبرى 19. ... ) ، وربما آراء الدكتور رشاد خليفة اﻷخيرة هذه كانت هي السبب في إغتياله عام 1990.
منذ ظهور ما نشر عن اﻹعجاز العددي لرقم 19 راحت تظهر آراء مختلفة من مؤيدة أو معارضة لهذا النوع من البحوث التي تعتمد على إستخدام اﻷرقام في فهم أو فك أسرار اﻵيات القرآنية ، ومن يبحث في النت يجد الكثير من المفكرين يحملون شهادات علمية عالية يبحثون في إعجاز الرقم 19 ويؤكدون على ضرورة متابعة هذه اﻷبحاث ،ونجد أيضا الكثير من المفكرين الذين هم أيضا يحملون شهادات علمية عالية يهاجمون هذا النوع من البحث العلمي في آيات القرآن الكريم. وبسبب ما فعله الدكتور رشاد خليفة نجد اليوم بعض العلماء في الدين اﻹسلامي يرفضون نهائيا السماع او النقاش في أي موضوع يتعلق بأرقام القرآن الكريم ،فهم يعتبرون أن إعجاز القرآن الكريم موجود في معاني كلماته وآياته. وبشكل عام هناك كثير من العلماء في العالم يرفضون ما يسمى (اﻹعجاز الرقمي ) فكما يقولون بأن البحث في اﻷرقام يجعلك ترى ما تريد أن تراه أنت ،فكل إنسان إذا إختار رقما ما ،وحاول أن يبحث في هذا الرقم سواء في الكتب المقدسة أو بما يجري حوله سيجد أن هذا الرقم الذي إختاره هو فيه إعجاز ،وأنه فعلا رقم معجزة. فكثير من المفكرين وجدوا اﻹعجاز الرقمي في الرقم (1) وأخرون وجدوه في الرقم( 2) وبعضهم وجد اﻹعجاز في الرقم (3) وبعضهم في الرقم( 4 ) أو (5) أو (6) أو( 7) أو ( 8)........إلخ
من الطبيعي أن يكون لكل رقم أهميته. فالدكتور رشاد خليفة مثلا حسب عدد أحرف كلمات آية " بسم الله الرحمن الرحيم " فوجد أنه يساوي 19 حرف. والسؤال هنا لماذا لم يحسب عدد أحرف اﻵية اﻷولى التي تكتب ولا تقرأ " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم "فهذه اﻵية عدد كلماتها ( 5 ) وعدد حروف كلماتها (25) أي من مضاعفات الرقم خمسة (5x5) والرقم خمسة هو رقم اﻷحاسيس ( حاسة البصر، السمع ، الشم الذوق ، اللمس ) وهو عدد الصلوات التي يصليها المسلم في اليوم الواحد( فجر ،ظهر ،عصر ،مغرب ،عشاء )، وهو أيضا عدد اﻷصابع في يد اﻹنسان ، وهو كذلك عدد اﻵيات (من سورة العلق ) التي نزلت في أول مرة على النبي صلى الله عليه وسلم . أيضا أسماء الرسول (ص) هي 5 ( أنا محمد ،وأنا أحمد ،أنا الحاشر، الذي يحشر الناس على قدمي ، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر ،وأنا العاقب ،أي الذي لا نبي بعده)، وكذلك أركان اﻹسلام عددها ( 5) وهي ( الشهادة ، الصلاة ، الزكاة ،الصوم ، وحج البيت لمن إستطاع إليه سبيلا ) ...إلخ. إذا تابعنا البحث عن إعجاز الرقم 5 على طريقة الدكتور رشاد خليفة في آيات القرآن سنجد أشياء كثيرة جدا لها علاقة مع هذا الرقم ومضاعفاته ستجعلنا نعترف بأن الرقم 5 هو رقم معجزة كما حصل مع الدكتور رشاد في إعجاز الرقم 19.
خلاصة القول أن البحث بهذه الطريقة عن اﻹعجازات الرقمية ستجعل من جميع اﻷرقام وكأنها أرقام معجزة ،ﻷن اﻷرقام مثلها مثل العناصر الكيميائية تدخل في تركيب أشياء مهمة جدا في حياتنا بشكل خاص أو بشكل عام. لذلك إذا تمعنا جيدا في آراء المؤيدين أو المعارضين لفكرة اﻹعجاز العددي سنجد أن كلا الطرفين يعتمدان مبدأ واحد في التفكير وهو مبدأ العلم للعلم والفن للفن والدين للدين واﻷرقام للأرقام ، وكلاهما بعيدان جدا عما يتعلق بتطور اﻹنسانية وسلوك اﻹنسان.
موضوع اﻷرقام يجب أن ننظر إليه كموضوع فلسفي وليس كعمليات حسابية. ﻷننا إذا نظرنا إليه كعمليات حسابية سيصبح موضوع اﻷرقام موضوع مادي يمكن ﻷي شخص مختص بعلم الرياضيات أن يشكل من خلال عمليات حسابية إي رقم يريد أن يحصل عليه ، ولكن إذا نظرنا إليه كموضوع فلسفي سيكون اﻷمر مختلف تماما ، حيث اﻷرقام في هذه الحالة تأخذ معاني تعبر عن صفات روحية لم تكن مرئية من قبل. وسنعطي هذا المثال البسيط :
اﻵية 6 من سورة الصف تذكر ( أحمد ) والسؤال هنا ما هي الحكمة اﻹلهية في ذكر إسم نبي اﻹسلام ( أحمد ) بدل اﻹسم ( محمد ) المعروف به عند الجميع ؟ لغة اﻷرقام هنا تكشف لنا الحكمة اﻹلهية في إختيار هذا اﻹسم ، فالقيمة الرقمية لكلمة ( أحمد ) في نظام الكابالا العربية يعادل 358 :
إذا عكسنا الرقم 358 سيكون الرقم الناتج هو (853) وهو رقم القيمة الرقمية ﻹسم ( علي) :
هذا التناظر في الرقمين ليس صدفة ولكن له نفس مبدأ تناظر خطوط اليد اليمنى (1Λ) مع خطوط اليد اليسرى (Λ1) و له معنى روحي أي أن محمد صلى الله عليه وسلم هو يد اﻹسلام اليمنى بينما علي رضي الله عنه هو يد اﻹسلام اليسرى تماما كما يحصل في بقية الديانات. فكل ديانة حتى تكون كاملة يجب أن يكون لها مسؤول روحي ( رمزه اليد اليمنى ) ومسؤول مادي ( ورمزه اليد اليسرى ) ، في اليهودية مثلا كان موسى هو رمز اليد اليمنى للديانة اليهودية أما هارون فكان رمز اليد اليسرى ، وفي المسيحية أيضا كان عيسى يد اليمنى ويحيى يد اليسرى.
لذلك كان عنوان السورة التي تذكر إسم ( أحمد ) عنوانها ( الصف ) ولها معنى أن الرسول صلى الله عليه وسلم مع علي رضي الله عنه هم إثنان ولكن في صف واحد. وما حدث من إنشقاق في اﻹسلام إلى سنة وشيعة كان سيحصل في يوم من اﻷيام ليقوم كل طرف بواجبه ليكون هناك تكامل في الحضارة اﻹسلامية ليعمل الطرفان جنبا إلى جنب ( علوم روحية وعلوم مادية ) ، ولكن ظهور العداوة والبغضاء بين الطرفين ( السنة والشيعة ) فهو مخالف لتعليم الدين اﻹسلامي ،وليس من الصدفة أن المعركة التي كانت سببا في حدوث اﻹنشقاق وظهور العداوة والبغضاء بين الطرفين كان إسمها معركة ( صفين ) وهذا اﻹسم له علاقة بعنوان سورة (الصف) حيث من أحرف كلمة تبدو وكأنها المثنى لكلمة ( صف ) . أي بدلا من أن يكون جيش المسلمين صف واحد كما هو مذكور في اﻵية 4 من السورة ( إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ) إنقسم جيش المسلمين في معركة ( صفين ) إلى صفين حيث كل صف يقاتل الصف اﻵخر. صحابي مسلم يقتل مسلم ، حيث راح ضحيتها من جيوش الطرفين أكثر من سبعين ألف قتيل مسلم.
يمكن التأكد من صحة طريقة ربط هذه المعلومات لتأخذ هذا المعنى الذي ذكرناه ، وذلك عن طريق اﻷرقام المذكورة في السورة ، فرقم القيم الرقمية لعنوان السورة ( الصف ) يعادل 58 في النظام الرقمي البسيط :
الرقم 58 هو عمر علي رضي الله عنه عندما حدثت معركة صفين. أي عندما تحول جيش المسلمين من صف واحد إلى صفين.
للأسف اليوم في سوريا يحدث تماما كما حدث في معركة ( صفين ) فنجد الفتنة تقوى مع مرور اﻷيام وتقوى معها العداوة والبغضاء بين السنة و الشيعة ، حيث اﻷمور التي تسير من السيء إلى اﻷسوأ خلقت عدة أطراف متنازعة كل طرف يحاول تدمير اﻷطراف اﻷخرى ، وجميع اﻷمم من بعيد تنظر إلى ما يحدث في سوريا وتعتقد أن سبب تلك المعارك الوحشية التي تحدث في مدن سوريا سببها الدين اﻹسلامي نفسه . ﻷن معظم اﻷطراف المتنازعة في سوريا تعتبر نفسها أنها تحارب في سبيل الله لحماية طائفتها الدينية من الطائفة اﻷخرى.
كما لاحظنا في هذا المثال إن إختيار اﻷرقام أو الكلمات لم يحدث حسب مزاج المؤلف ولكن حسب تلك العناصر التي وضعها الله في سورة ( الصف ) فالتفسير الرقمي هنا لم يحدث بشكل عبث ولكن حسب الخطة اﻹلهية التي وضعها الله في تصميم القرآن الكريم .
خلاصة القول :القرآن الكريم هو هبة من الله إلى المسلمين وغير المسلمين ليساعدهم في حل المشاكل الروحية التي ستواجههم على مر الزمن، وآياته فيها من الحكمة لتحل تلك المشاكل ولكن لفهم هذه اﻵيات يجب أن نتبع المبادئ اﻹلهية في تصميم الكتب المقدسة ، فالله عز وجل يصف قرآنه الكريم في سورة المطففين ب( كتاب مرقوم * يشهده المقربون ) . فاﻷرقام المذكورة في سوره وآياته لم يتم وضعها عبثا ولكن هي قسم من معاني السور وآياتها ، وبدونها سيخسر القرآن الكريم طبيعته اﻹلهية ، فتفسير آياته إعتمادا على كلماته فقط كان قد ساهم في الماضي في حل مشاكل المسلمين ولكن اليوم اﻷمور قد تطورت وإختلفت عما كانت عليه في الماضي ، لذلك حتى يكتسب القرآن الكريم طبيعته اﻹلهية ليناسب متطلبات العصر الحاضر لا بد من تجديد معاني السور واﻵيات إعتمادا على فهم رموزه ومعاني أرقامه. فاليوم وبسبب التفسير السطحي للكتب المقدسة أصبحت هذه الكتب غير قادرة على المساعدة في وقف اﻹنحطاط الروحي الذي تعاني منه المجتمعات اﻹنسانية والذي يسير بإستمرار من السيء إلى اﻷسوأ.
كل شيء وكل حدث في هذا الكون له علاقة توافق رقمي ، ورؤية هذه العلاقة يعطي المعنى الروحي لسبب وجود هذا الشيء أو هذا الحدث ، فالكون بأكمله ليس إلا معادلة رقمية وفهم هذه المعادلة وعلاقتها بظهور اﻹنسان وسلوكه يتطلب النظر إلى اﻷرقام نظرة شاملة تصف الشكل والمضمون للشيء أوالحدث ،وليس كما يحدث اليوم حيث تتم دراسة الأشياء واﻷحداث من خلال نظرة مادية تصف الحالة المادية ( طول ،عرض، ثقل ،سرعة ،شدة تيار ، شحنة. ...إلخ . ) أما عن المضمون فلا نعلم عنه شيء. لذلك وصلت اﻹنسانية إلى أسفل السافلين.
ز.سانا
جدول قيمة كل حرف في اﻷبجدية العربية حسب نظام الكابالا العربية موجود مع الصور الملحقة
وسوم: العدد 668