الخاطرة 99 ..الحكمة اﻹلهية في تصميم الكتب المقدسة
في اﻷسبوع الماضي كتب أحد القراء المهتمين الذين يبحثون في أمور رموز الكتب المقدسة وخاصة الرقمية منها في تعليقه (...بأنه تعرض إلى سؤال من أحد اﻷصدقاء المقربين لماذا يلجأ الله إلى هذا الحد من الغموض في معاني اﻵيات وما ذنبنا نحن المليارات من البشر أننا لا نعرف هذه. .. وأن الله بإستطاعته أن يعطي هذه المعلومات باليد. .. لم أعطي جوابا ولكن فعلا إقتنعت برأيه أن الرحمن لا يمكن أن يبخس على الناس.)
فكرة التساؤل هنا منطقية ببعض اﻷشياء وغير منطقية في أشياء أخرى ، فالله تكلم في كتبه المقدسة عن واجبات اﻹنسان المؤمن بشكل ظاهر ومفهوم لجميع عامة الناس ، كرضى الله ورضى الوالدين ، وحب الخير للناس ، ومساعدة اﻵخرين ، والتعاون على البر والتقوى ، صلاة ، صيام. ..وغيرها. ... وهذه الصفات يجب أن تتواجد في المؤمن الذي عاش في الماضي قبل آلاف السنين أو الذي سيعيش في المستقبل بعد آلاف السنين ، ﻷن هذه اﻷشياء متعلقة بروح الفرد وروح الجماعة سواء كان اﻹنسان صغيرا في السن أو متقدما بالسن. فهذه الأشياء الظاهرية تتعلق مباشرة بطبيعة الروابط اﻹنسانية في المجتمع لتجعل منه مجتمع إنساني يختلف نهائيا عن المجتمعات الحيوانية اﻷخرى ، فهذه اﻷشياء الظاهرية هي في الحقيقة وسيلة للحفاظ على البيئة الروحية بشكلها السليم الذي سيؤمن لذلك الشخص في المجتمع الذي يريد أن يبحث عن حقائق اﻷشياء واﻷحداث أن يثابر في عمله دون أي عرقلة من أي جهة ما ، ﻷن الوصول إلى حقيقة الشيء أو الحدث يساهم في تنمية اﻹحساس بوجود الله من حولنا. وتنمية هذا اﻹحساس بأشكاله المتطورة مع الزمن يدفع اﻹنسانية إلى الوصول إلى الكمال الروحي والمادي والذي هو سبب جميع النشاطات الفكرية لسلوك اﻹنسان.
وما يهمنا هنا هو طبيعة ونوعية هذا اﻹحساس ، فنوعية اﻹحساس بوجود الله عند اﻹنسان تختلف من زمن إلى زمن آخر ، وذلك بحسب مستوى علوم اﻹنسان ومعارفه ، فمع مرور الزمن تزداد معارف اﻹنسان عن نفسه وعن كل شيء يحيط به ، لذلك تم تصميم الكتب المقدسة بطريقة تلائم مستوى المعارف والعلوم في جميع العصور ، فطالما أن اﻷفكار العلمية تتطور مع الزمن فمعلومات الكتب المقدسة هي أيضا تتجدد وبدون أن يحدث أي تغيير في كلماتها ولكن فقط من خلال فهم الرموز واﻷرقام الموجودة في آيات هذه الكتب المقدسة. حيث رؤية هذه الرموز والمقدرة على تفسيرها يتوقف على مستوى علوم كل عصر تمر به اﻹنسانية في تاريخها الطويل.
هذه المعلومة عن سورة الدخان ملائمة لعصرنا الحاضر ، لذلك تظهر هذه المعلومة في هذه المقالة ﻷول مرة ، فعلماء العصور الماضية لم يكن لديهم مثل هذه المعارف في علم الذرة والكيمياء حتى يستطيعوا رؤية علاقة رقم ترتيب سورة الدخان ( 44 ) مع الوزن الذري لثاني أكسيد الكربون.لذلك صبوا إهتمامهم فقط في معنى كلمات اﻵيات، ولكن اﻵن فاﻷمر مختلف، والسورة نفسها اليوم تأخذ معنى أعمق من المعنى المعروف قديما ، وبهذه الطريقة يحدث تطور في إدراك اﻹنسان لما يحصل حوله ، ولكن للأسف فبسبب إعتماد علماء العصر الحديث المنهج المادي في البحث العلمي ،والذي أحدث نوع من اﻹنفصال بين العلوم الروحية والعلوم المادية ، لم يستطع العلماء رؤية العلاقة بين رقم ترتيب سورة الدخان مع الوزن الذري لثاني أكسيد الكربون الذي يمثل أهم نواتج عملية اﻹحتراق ، فالموضوع هنا ليس فقط ان الله عز وجل بهذه الطريقة يريد أن يؤكد لعلماء العصر الحاضر بأن هذا القرآن الذي ظهر قبل 1400 عام يعلم عن الذرات وتركيبها وأوزانها الذرية ، ولكن الموضوع هو أرقى من هذا الهدف بكثير ، فهو بهذه الرموز التي يضعها في كتابه المقدس يشرح لنا حقائق روحية تساعدنا على فهم أنفسنا لنعلم أنه هناك ترابط مطلق بين كل ما يحصل في الكون مع التكوين الروحي والمادي للإنسان .
فكما ذكرنا في مقالات سابقة بأن الماء هو أصل الحياة (ماديا ) وذلك ﻷن تركيبه الذري( H2O) يحمل في داخله رمز روح الله ( Λ ا ) حيث هذا الرمز يتألف من قسمين ، القسم اﻷول وهو الرمز (Λ) والذي يتألف من خطين متحدين في القمة والذي بدوره يمثل ذرتي الهيدروجين ( H2 )، والقسم الثاني فهو الرمز ( ا ) الذي يتألف من خط واحد والذي بدوره يمثل ذرة الأكسجين ( O ). حيث أن الوزن الذري لجزيء الماء يعادل الرقم ثمانية عشر ،حيث هذا الرقم أيضا له شكل رمز روح الله ( Λ ا ) .فشكل هذا الرمز وطبيعة تركيبه وترابطه يوضح لنا العلاقة الروحية بين المادة والروح ، وهنا يفسر لنا - مثلا - لماذا الماء يعتبر أهم عوامل وجود الحياة حيث تصل نسبته -مثلا - في تركيب جسم اﻹنسان إلى 80% . فأصل الحياة في الحقيقة ليس الماء كمادة ولكن أصل الحياة يكمن في ذلك الرمز الروحي الموجود في تركيب الجزيء الذري للماء.
أما الرمز CO2 فهو يعبر عن الشكل المناظر لرمز روح الله الموجود في الماء وهو ( ا Λ ) . حيث ذرة الكربون هنا تأخذ الرمز ( ا ) أما ذرتي الأكسجين ( 2 O ) فتمثلان هنا الرمز (Λ) . ومن المعروف كيميائيا أن هذه العناصر الثلاثة (الهيدروجين واﻷكسجين والكربون ) تعتبر أساس تركيب المواد العضوية التي تدخل في تركيب المادة الحية.
لذلك حتى يتم توضيح اﻷمور نجد أن الحكمة اﻹلهية في تصميم القرآن الكريم أضافت آية ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) في بداية القرآن تلفظ دون أن تكتب ، لتكون رمز روحي له معنى أن ولادة اﻹنسان اﻷولى قد حصلت في الجنة ( خارج الكرة اﻷرضية ) ولكنه طرد منها فهبطت روحه إلى اﻷرض وولد مرة ثانية ليصحح خطيئته ، فإذا إعتبرنا هنا أن اﻹنسان ولد على سطح اﻷرض ﻷول مرة نتيجة تطور الحياة كما تذكر نظرية داروين هذا يعني أنه لا يوجد جنة ، عندها فإن أصل اﻹنسان القرد ومصيره سيكون مشابه لمصير جميع الكائنات الحيوانية اﻷخرى و هو الفناء على سطح هذا الكوكب الذي يعيش عليه ، ولكن الحقيقة هي غير ذلك لأن اﻹنسان ولد في الجنة ولكنه طرد منها ، لذلك إذا أضفنا شكل رقم (1) الذي يمثل رقم اﻷية ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) التي تلفظ ولا تكتب ، في منتصف شكل الرقم (6236 ) سيأخذ عندها الرقم (1) شكل اﻷنف في وجه اﻹنسان ( كما توضح الصورة ) ،بهذه الطريقة تؤكد الحكمة اﻹلهية في تصميم القرآن أن أصل الإنسان هو الجنة وليس القرد. ، وكذلك إذا أضفنا هذا الرقم إلى مجموع اﻷرقام اﻷربعة أي :
عندها سنحصل على الرقم ثمانية عشر والذي له شكل رمز روح الله ( Λ ا ) . هذا الرمز يوجد فقط في كف يد اﻹنسان ليعلم اﻹنسان بأنه يحمل في داخله جزء من روح الله لذلك فهو إنسان وأصله من الجنة، بينما القرد لن يحمل هذه الروح حتى ولو بقي يتطور مليارات السنين. لذلك نجد أن الحكمة اﻹلهية في تصميم القرآن الكريم قد عبرت عن هذا النوع من التطور الروحي للإنسانية من خلال رموز أرقام السورة التي تحمل إسم خاتم اﻷنبياء ( محمد ) والذي حمل إلى اﻹنسانية آخر ديانة سماوية ليكتمل التطور الروحي للإنسانية.
فإذا حسبنا المجموع العام للآيات من بداية القرآن وحتى سورة محمد سنجد أنه يعادل 4583 آية ، وإذا حسبنا مجموع القيم الرقمية لعناوين هذه السور سنجد أنه يعادل ( 3488) ، أما رقم عدد السور من البداية إلى سورة محمد فهو 47 ، إذا حسبنا مجموع هذه اﻷرقام سنجد أن مجموعها يعادل ثمانية آلاف ومئة وثمانية عشر :
هذا الرقم في اﻷرقام الهندية له الشكل ( Λ ا ا Λ ) وهو شكل الخطوط الموجود في كف اليد اليمنى واليد اليسرى في اﻹنسان ، والذي يعبر عن إكتمال التكوين الروحي للإنسان كما أراد الله خلقه.
مثل هذه المعلومات أيضا لن يستطيع علماء العصور الماضية رؤيتها في القرآن الكريم ، ﻷنه لن يخطر على بالهم بأنه يوما ما ستظهر نظرية علمية تقول ( بأن أصل اﻹنسان قرد ) وأنه أيضا ستصل اﻷمور إلى أن تجعل معظم العلماء في العالم يؤمنون بصحة هذه النظرية.
يقول الحديث الشريف ( يبعث الله على رأس كل مائة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها) وهذه هي فلسفة الكون بأكمله فكل شيء لا يتجدد يأخذ طريق عكسي ( V ا ) يؤدي به إلى الفناء ، فالدين والكتب السماوية مثل الماء وكما هو معروف أن الماء إذا لم يتجدد بحركة مستمرة فإن الماء يصبح مستنقع من المياه العكرة ملائم لنمو البعوض والجراثيم ، هكذا أيضا هي الكتب المقدسة إذا لم تتجدد معانيها لتلائم العصور الحديثة فإنها تخسر عظمتها اﻹلهية وتتحول إلى كتب لا تنفع ولا تضر. والخوارج هم أفضل مثال على أولئك الذين يفهم القرآن فهم سطحي بدون أي محاولة لتجديد معاني آياته.
من يتمعن جيدا في تطور اﻷديان عبر التاريخ سيشعر بهذا التجديد. في العصور القديمة -مثلا - وقبل ظهور التوراة كانت اﻵلهة لها أشكال معينة ووظيفة معينة تحقق فائدة معينة للبشر ، لذلك كان الناس يصنعون لها تماثيل حتى يستطيعوا رؤيتها واﻹحساس بها بشكل أفضل. فاﻹنسان في ذلك الوقت كان فكره خالي من الصور لذلك كانت مخيلته ضعيفة لا تختلف عن مقدرة مخيلة طفل صغير ، لذلك كانت هذه التماثيل تساعده في تنمية إحساس اﻹنسان بذلك اﻹله الذي يعبده ، وإذا تمعنا جيدا في اﻵلهة القديمة سنجد أن كل إله هو في الحقيقة يعبر عن صفة من صفات أسماء الله الحسنى ، فكما تقول اﻵية القرآنية ( وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ) ورغم أنه حدثت محاولات كثيرة في تحريفها والتلاعب بها ولكن حتى اﻵن نجد أن معظم اﻵلهة الوثنية بشكل عام تدعوا إلى التقارب والتفاهم وتنمية المحبة والسلام والعدالة بين افراد المجتمع ولهذا أتباعها لا يتخلون عنها .
في التوراة والتي ظهرت قبل اﻹسلام بأكثر من ثلاثة آلاف عام ، نجد أن جميع اﻵلهة تم توحيدها بإله واحد، ولكن رغم ذلك نجد أن هذا اﻹله كما هو في التوراة له صفات إنسانية فهو يسير في الجنة ويغضب ويندم ،وينزل على اﻷرض ليذهب إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام ليخبره بأنه سيدمر قوم لوط . ونجده أيضا يصارع نبي يعقوب وبسبب هذه الحادثة يتحول إسم يعقوب إلى إسرائيل ومعناه ( صراع الله ) ﻷنه صارع الله. لذلك كانت صفات الله في تلك العصور القديمة في مخيلة المؤمنين اليهود مشابهة لصفات إنسانية بحيث يمكن لمخيلة اﻹنسان أخذ صورة عامة تسمح له أن يشعر بها ويرتبط معها.
في اﻹسلام نجد مفهوم كلمة ( الله ) يتطور أكثر فيأخذ مفهوم قائم بذاته يختلف كليا عن الطبيعة اﻹنسانية، لذلك المسلم عندما يسمع تلك اﻷشياء المذكورة في التوراة عن الله سيستعيذ بالله ويظن أن هذه اﻷشياء هي نوع من اﻹساءة لله عز وجل ، لذلك يرفض صحة التوراة ويتهمها بالتحريف والتشويه ، ولكن يجب هنا أن نعلم أن بين ظهور التوراة وظهور القرآن الكريم حوالي ألفي عام ، وأنه في هذه الفترة الزمنية الطويلة حصلت تطورات في المعارف والعلوم وأيضا حصل تطور في طبيعة التفكير ، لذلك حدث نوع من التجديد في مفهوم كلمة ( الله ) ، فالإختلاف في مفهوم الله بين التوراة والقرآن ليس سببه تحريف التوراة كما يظن المسلمون ، ولكن سببه هو تطور اﻹنسانية نفسها ، لذلك نجد القرآن الكريم يعطي أدلة تؤكد على صحة هذه الفكرة ، فالقرآن مثلا يذكر إسم إسرائيل ، فطالما أنه يذكر هذا الإسم فهو يوافق على معنى هذا اﻹسم ، وكأن القرآن هنا وبشكل غير مباشر يذكر حادثة ( صراع الله ) والتي بسببها تحول إسم يعقوب إلى إسرائيل . هناك أدلة أخرى كثيرة في القرآن تؤكد بشكل غير مباشر عن صحة اﻷحداث المذكورة في التوراة ، و الحكمة اﻹلهية من ذكر هذه اﻷدلة هو التأكيد على أن اﻷحداث المذكورة في التوراة هي أحداث رمزية ، أي بمعنى أن الله لم يصارع يعقوب ، وأن هذه الحادثة هي رمزية غير واقعية ، وأن المقصود هنا ليس الله نفسه ولكن ذلك الجزء من روح الله الذي نفخه في آدم ، أي أن يعقوب مع تحول إسمه إلى إسرائيل أصبح بمثابة آدم الذي تاب عن خطيئته لذلك إستطاع إبنه يوسف أن يرفعه إلى العرش ، والمقصد بالعرش هنا هو رمز تصحيح الخطيئة والعودة إلى الجنة ( موضوع تحريف التوراة هو موضوع أعمق بكثير مما نعرفه اليوم بمعناه الحرفي وإن شاءالله سنتكلم عنه في المقالات القادمة) .
لكل عصر قاعدة فكرية جديدة تختلف عن القاعدة الفكرية القديمة وذلك يحدث بسبب تطور طبيعة تفكير اﻹنسان والذي يؤدي بدوره إلى تطور المعارف والعلوم. فالغموض الموجود في الكتب المقدسة لا يعتبر غموض ولكن هو معلومات دفينة يمكن رؤيتها وتفسيرها في المستقبل عندما تصل المعارف و العلوم إلى المستوى المطلوب لفهم هذه الرموز.
وسوم: العدد 684