خواطر من الكون المجاور، الخاطرة 120
حاسة التنبؤ بالزلازل
في عام 1999 بدأت أشعر بأحاسيسٍ غريبة فجائية تحدث في جسدي وكانت مدتها من دقيقة إلى دقيقتين أو ثلاثة وعلى فترات متقطعة فأحيانا كانت تحدث يوميا أكثر من مرة ثم تغيب لمدة يومين أو أكثر لتعود ثانية من جديد ، في البداية ظننت أنها ربما تكون نوع من الجلطات الخفيفة ولكن بعد محاولة فهم نوع هذا اﻹحساس تأكدت بأن اﻷمر لا علاقة له بجهاز الدوران نهائيا ، فظننت بأنه قد يكون نوع من أنواع التوتر العصبي ، وكون هذا اﻹحساس لم يكن يصاحبه أي ألم أو أي نوع من أنواع اﻹنزعاج أو أي أعراض صحية لذلك لم أعطيه أي أهمية.
مع مرور الأيام بدأت تزداد شدة هذا اﻹحساس وبدأ يزداد أيضا عدد مرات حدوثه،عندها بدأت أشعروكأن هذا اﻹحساس ربما سببه نوع من الشحنات الكهربائية أو الكهرومغناطيسية الخفيفة جدا التي يستقبلها جسمي، فظننت أن سببه هو الهاتف الخلوي والذي في تلك الفترة كان في السنوات اﻷولى من إستخدامه بشكل شعبي. فأغلقت الهاتف لعدة أيام ﻷرى فيما إذا كان هذا اﻹحساس سيتوقف، ولكن لم يحدث أي تغيير، فعلمت أن الهاتف الخلوي لا علاقة له بهذا اﻹحساس. وإستمر اﻹحساس الغريب هذا يزداد شدة وكثافة حتى وصل اﻷمر بأن أستيقظ بعض اﻷحيان من نومي ، فبدأت أشعر بنوع من القلق بسبب عدم فهم ما يحدث في جسدي. ولم يكن بوسعي أن أذهب إلى الطبيب ليكشف ما يحدث ، فلا يوجد هناك أي نوع من أنواع اﻷلم ولا أي أعراض مرضية . فأموري الصحية كانت على خير ما يرام. لذلك فحسب علمي أن الطبيب وكل ما يملك من أجهزة كشف وتحاليل لن يستطيع رؤية أي شيء غريب يحدث في جسدي.
وهكذا إستمر هذا الحال لمدة أكثر من شهرين ونصف. وفي يوم 7 أيلول ( سبتمبر )عام 1999، الساعة الثالثة ظهرا كنت جالسا على مقعد موقف الباص أنتظر ﻷعود إلى بيتي، وفجأة بدأ ذلك اﻹحساس يشتد ووصل إلى مرحلة جعلني لا أستطيع أن أبقى ساكنا في مكاني فرأيت نفسي أنهض وبمجرد أن قمت بأول خطوة شعرت فجأة باﻷرض تهتز تحت أقدامي هزات عنيفة ، وسمعت صوت إمرأة تصرخ مذعورة ( زلزال ) ورأيت الواجهات الزجاجية لبعض المحلات تتكسر وتسقط أرضا ، أشياء مختلفة بدأت تتساقط من البلكونات ، ومنبه اﻹنذار في الكثير من السيارات المصفوفة على طرف الشارع راحت تطلق صفيرها الحاد المزعج، ولمدة دقائق أصاب الناس نوع من الهلع والذهول جعلهم يصرخون ويخرجون من المحلات والبيوت إلى الشارع خوفا من إنهيار الأبنية..... كانت تلك هي المرة اﻷولى في حياتي أعيش فيها لحظة وقوع زلزال وأشعر فيها كيف تهتز اﻷرض تحت الأقدام.
في تلك اللحظات علمت أن ذاك اﻹحساس الذي كان يشعر به جسدي كان سببه هو هذا الزلزال. فبعد وقوعه مباشرة بدأت شدته تضعف بشكل ملحوظ وكأنها تؤكد على أن العوامل التي أدت إلى حدوث الزلزال قد توقفت. .. أذكر في ذلك اليوم أن الكثير من سكان أثينا في اليونان لم يناموا في بيوتهم تلك الليلة خوفا من أن يكون هذا الزلزال مجرد زلزالٍ ممهد لزلزال آخر أكبر منه كما يحدث عادة، فرغم أنه كان زلزالاً متوسط الشدة 5،9 ريختر ومدته كانت لا تتجاوز الـ 15 ثانية ، ولكن بسبب كون مركز حدوثه يقع على عمق قليل من 9-14 كم عن سطح اﻷرض كانت خسائره البشرية والمادية كبيرة ، حيث وصل عدد ضحاياه إلى 152 شخصاً مع خسائر مادية لا تقل عن ثلاث مليارات يورو.. وكما ذكرت، في تلك الليلة وبسبب عدم تمكن علماء الزلازل في اليونان من التأكيد على أن هذا الزلزال هو الزلزال الرئيسي ليطمئن الناس فضَّل معظم سكان مدينة أثينا أن يقضوا الليلة خارج بيوتهم في الساحات والحدائق العامة وعلى شواطئ البحر خوفا من حدوث زلزال آخر أكبر وأعنف من اﻷول. نصحني بعض أصدقائي بألا أنام في البيت و طلبوا مني الذهاب معهم إلى الشاطئ كما فعل الكثير ، ولكن كنت في داخلي متأكدا تماما بأنه لن يحدث زلزال آخر ﻷن المؤثر الذي كان يحدث ذلك اﻹحساس الغريب في جسدي قد توقف نهائيا.
رغم أن اليونان تعتبر بلاد زلازل من الدرجة اﻷولى في أوربا ، ولكن زلزل أثينا هذا أحدث ضجة في تلك اﻷيام حيث راحت معظم القنوات التلفزيونية هناك تقدم برامج خاصة يوميا عن الزلازل يشترك فيها أفضل علماء الزلزال. وخلال متابعتي لهذه البرامج رأيت أن هناك صراع شديد في اﻵراء حول موضوع التنبؤ بالزلازل، ولكن جميعهم كانوا يوافقون على أن التنبؤ بالزلازل بشكل دقيق يعتبر من المستحيلات ، من تلك اﻵراء التي لفتت إنتباهي من إحدى طرق التنبؤ بالزلازل كانت طريقة معروفة في اليونان باسم طريقة BAN والتي تستند على فكرة أن كل زلزال قبل حدوثه يرسل إشارات كهربائية وعن طريق إستقبال هذه اﻹشارات وقياسها يمكن أن يتم التنبؤ بالزلزال قبل حدوثه ، ورغم أن هذه الفكرة ظهرت منذ عام 1984 ولكن أجهزة طريقة BAN لم تشعر لا بزلزال أثينا ولا أي زلزال آخر حدث في اليونان لذلك يعتبر معظم علماء الزلازل في اليونان طريقة BAN طريقة فاشلة ولم تقدم حتى اﻵن أي إثبات واقعي يؤكد على صحتها.
لا أدري كيف تعمل بالضبط أجهزة BAN ، ولكن أنا متأكد تماما بأن كل زلزال قبل حدوثه يرسل نوع من الإشارات التي تشعر بها بعض أﻷجسام الحية، ومع الاقتراب التدريجي من لحظة حدوث الزلزال تزداد شدة هذه اﻹشارات ويزداد معها مرات إرسالها حتى تصل إلى قمتها وعندها يحدث الزلزال. وهناك أحداث عديدة تؤكد صحة هذه الفكرة ، فكثير من الكائنات الحية لها القدرة على التنبؤ بالزلازل ، في الصين مثلا في عام 1973 على منطقة شواطئ شبه جزيرة ( ليا ) قبل حدوث الزلزال بعدة ساعات بدأت الثعابين تخرج من جحورها، وكانت القطط تمشي هنا وهناك حاملة نوعا من التوتر وتموء بصوت عال، وكذلك الكلاب بدأت تعوي بطريقة متوترة، والقوارض بدأت تختفي....فاعتبر مركز الرصد هناك أن هذه الظواهر هي علامات إقتراب موعد حدوث زلزال فأعلن حالة الطوارئ وتم إخلاء المنازل من السكان ، وفعلا في المساء حدث الزلزال بقوة 7،3 ريختر حيث دمر 90% من المنازل والجسور ولكن بدون أي ضحايا بشرية.
ومن خلال دراسة هذه الظاهرة وجد العلماء تفسيرا لهذه الظاهرة ،حيث أن الضغوط الشديدة على الصخور التي تحدث في باطن اﻷرض أثناء التمهيد لحدوث زلزال تحرر كميات هائلة من مادة اﻷيونات الموجبة وهذه بدورها تسبب زيادة مستويات هرمون السيروتونين في دم الكائنات الحية والذي يؤدي إلى ظهور أعراض القلق واﻹضطراب وفرط النشاط والتهيج.
لا أدري مدى صحة هذه المعلومة، فما حدث معي كانت أعراضه مختلفة نهائيا عن أعراض زيادة هرمون السيروتونين ، لذلك لم يكن يصاحبه أي نوع من أنواع القلق أو التهيج أو التوتر ، فقط كنت أشعر وكأن شيء ما من الخارج يلامس جسدي بمنطقة صغير جدا ويحدث به نوع من التشنجات الخفيفة جدا وكأن تلك المنطقة الصغيرة تستقبل ذبذبات كهربائية ضعيفة.
بعد حدوث ذلك الزلزال رحت أتابع هذا الموضوع لأتأكد من صحته بشكل أفضل ، فوجدت بأنه كلما أحسست بتلك الذبذبات تداعب تلك المنطقة من جسدي ، أسمع بعد ساعات أو أيام بوقع زلزال ما ، وبعد دراسة هذا الموضوع لفترة طويلة ، وجدت أن شدة اﻹحساس بالذبذبات الكهربائية يتعلق بعاملين هما: أولا: قوة الزلزال وثانيا: بعد مسافة مركز الزلزال عن الشخض، فكلما زادت المسافة بين مركز الزلزال والشخص المستقبل تقل قوة اﻹحساس به، فعلى مسافات كبيرة يمكن الشعور فقط بالزلازل القوية....مثل الصوت تماما فكلما إقتربنا من مصدر الصوت كلم سمعناه بشكل أفضل فقط الأصوات القوية يمكن سماعها عن مسافات بعيدة.
أحمد الله أنه بعد زلزال أثينا المدمر، لم يحدث زلزال آخر قريب من المنطقة بنفس القوة ، فلم أشعر بظهور إحساس قوي من ذلك النوع بحيث يجعلني أضطر إلى تنبيه المسؤولين هناك ﻹعلان حالة الطوارئ ، ولهذا السبب لم أتابع دراسة هذا الموضوع بشكل علمي أكثر وكذلك لم أتكلم حتى اﻵن مع أحد عنه.
الزلازل هي ظواهر طبيعية دائمة تحدث بسبب حركة الصفائح التكتونية العملاقة تحت القشرة اﻷرضية سواء عن طريق إحتكاكها أو تصادمها أو تباعدها عن بعضها البعض، واﻹنسانية بحاجة ماسة إلى إيجاد طريقة معينة تساهم فعليا في التنبؤ بموعد حدوثها بهدف حماية اﻷرواح البشرية فللأسف رغم تقدم التكنولوجيا لم يحقق علماء الزلازل حتى اﻵن أي تقدم في هذه الناحية لذلك تعتبر مراقبة سلوك الحيوانات هي أفضل طريقة عملية حتى اﻵن للتنبؤ عن الزلازل. أعتقد أن الله أعطى الإنسان القدرة على التنبؤ بحدوث الزلازل ، وسبب تفوق الحيوانات على اﻹنسان في هذه المقدرة هو أن فكر وأحاسيس اﻹنسان تذهب إلى عدة أشياء لذلك إنشغاله بها يضعف إحساساته اﻷخرى ويجعله لا ينتبه إلى تلك الآثار التي تحدثها الزلازل قبل حدوثها، بينما الحيوانات وبسبب أن دماغها لا يفكر بأي شيء لذلك أي شيء يؤثر على جسدها يجعلها تشعر به لذلك فهي تستطيع الشعور بالآثار التي تمهد حدوث الزلزال أكثر من اﻹنسان . اﻷشخاص الذين لديهم المقدرة على التنبؤ بالزلازل هم أولئك الذين لديهم القدرة على الفصل بين الفكر واﻹحساس أي أن النشاط الفكري الذي يحدث في أدمغتهم لا يؤثر على شدة اﻹحساسات الجسدية. لذلك أي تأثير معين يحدث على جسدهم سيولد نوع من ردة فعل وهذه ستجعلهم يشعرون بحدوث شيء ما حولهم. أي أن أجسادهم لديها دقة أكبر من غيرهم في اﻹحساس. وهؤلاء وخاصة أولئك الذين يعيشون في مناطق كثيرة حدوث الزلازل يجب أن ينتبهوا إلى هذه المقدرة وأن يدرسوها بشكل يسمح لهم بتنميتها ليكتسبوا نوع من الخبرة في التنبؤ بالزلازل، وعندها فقط يمكن فهم نوعية تلك اﻹحساسات ، فالحيوانات فقط تنبئ عن إقتراب موعد حدوث زلزال،ولكن عندما يستطيع اﻹنسان تنمية هذه القدرة عندها يمكنه فهم أسباب ونوعية هذا التأثر وبالتالي فهم ما يحدث حقيقة أثناء عملية تكوين الزلزال،وبالتالي إمكانية إختراع أجهزة خاصة لتحل مكان اﻹنسان وبشكل أدق بكثيربحيث تستطيع تحديد بدقة كبيرة مكان مركز الزلزال وموعد وقوعه وشدته أيضا. وبهذه الطريقة يسمح للسلطات المسؤولة أن تعلن حالة الطوارئ بفترة كافية قبل حدوث الزلزال لتمنع على اﻷقل الخسائر البشرية.
وسوم: العدد 707