لماذا لا نجمع في الحضر بعذر المطر أو الثلج تقديماً؟
لماذا لا نجمع في الحضر
بعذر المطر أو الثلج تقديماً؟
د. محمد سعيد حوى
1_ لأن الله تعالى يقول ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى المُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً ﴾ [النساء: 103]
والعجيب هنا أن هذه الآية جاءت في سياق الحديث عن صلاة الخوف (في حالة تهديد العدو للمجاهدين) فوجههم الله كيف يحافظون على الصلاة في وقتها، وفي جماعة من خلال تشريع صلاة الخوف، ولم يشرع الجمع أبداً، وختم الآيات بقوله ﴿ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى المُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً ﴾ بياناً لماذا هذا التشريع .
2_ كثرة الأحاديث الواردة عن الرسول في الحض على الصلاة على وقتها(في الحضر على الأقل) وحرصه صلى الله عليه وسلم على ذلك حتى أنه في مرض وفاته صلى الله عليه وسلم، وقد أغمي عليه مراراً حرص أن يؤدي الصلاة على وقتها.
لذا بين الإمام أبو داود_صاحب السنن_:أنه ليس في جمع التقديم حديث قائم.(أي في غير عرفة)(التلخيص الحبير، لابن حجر2/122)
3_ لا نجمع لما صح عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: أَصَابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ قَامَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَلَكَ المَالُ وَجَاعَ العِيَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا وَضَعَهَا حَتَّى ثَارَ السَّحَابُ أَمْثَالَ الجِبَالِ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ المَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمُطِرْنَا...حَتَّى الجُمُعَةِ الأُخْرَى، وَقَامَ ذَلِكَ الأَعْرَابِيُّ - أَوْ غَيْرُهُ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَهَدَّمَ البِنَاءُ وَغَرِقَ المَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا»..,وَسَالَ الوَادِي قَنَاةُ شَهْرًا،...( البخاري 933،1013، ونحوه مسلم897).
والشاهد أنه لم يكنهم شيء من المطر، ومع غزارته لم يرد قط أنهم جمعوا.
4- لا نجمع في الحضر تقديماً لحديث عبدالله بن مسعود ، قَالَ: " مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلَاةً إِلَّا لِمِيقَاتِهَا، إِلَّا صَلَاتَيْنِ: صَلَاةَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ، وَصَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَئِذٍ قَبْلَ مِيقَاتِهَا "صحيح البخاري(1682، ومسلم1289)( معلوم الاستثناء في ذلك في عرفة).( وابن مسعود كان ملازماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحب طهوره، سنن الترمذي3811)
5- لا نجمع لحديث عبدالله ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ فِي السَّفَرِ يُؤَخِّرُ المَغْرِبَ، حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ العِشَاءِ» قَالَ سَالِمٌ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ(البخاري1805و3000،ومسلم703).
6- لا نجمع لحديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ العَصْرِ، ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَإِذَا زَاغَتْ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ رَكِبَ»( صحيح البخاري1111،1112 ومسلم704).(ولم يصح أبداً أنه قال صلى الظهر والعصر، بل فقط الظهر؛أي فلا جمع تقديم)
7_ لا نجمع لحديث ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِيًا جَمِيعًا، وَسَبْعًا جَمِيعًا» ، قُلْتُ: يَا أَبَا الشَّعْثَاءِ، أَظُنُّهُ أَخَّرَ الظُّهْرَ، وَعَجَّلَ العَصْرَ، وَعَجَّلَ العِشَاءَ، وَأَخَّرَ المَغْرِبَ، قَالَ: وَأَنَا أَظُنُّه) صحيح البخاري1174 ومسلم705.
وفي النسائي(رقم589،ج1/286) بسند صحيح:عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ ثَمَانِيًا جَمِيعًا وَسَبْعًا جَمِيعًا، أَخَّرَ الظُّهْرَ وَعَجَّلَ الْعَصْرَ، وَأَخَّرَ الْمَغْرِبَ وَعَجَّلَ الْعِشَاء»
8_ فعل ابن عباس فسّر حديثه الوارد في الصحيحين الذي فيه: «جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ فِي غَيْرِ خوف وَلَا مَطَرٍ»؛ أنه جمع تأخير صوري بدليل ما رواه عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ يَوْمًا بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَبَدَتِ النُّجُومُ، وَجَعَلَ النَّاسُ يَقُولُونَ: الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ، قَالَ: فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، لَا يَفْتُرُ، وَلَا يَنْثَنِي: الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتُعَلِّمُنِي بِالسُّنَّةِ؟ لَا أُمَّ لَكَ ثُمَّ قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» .( صحيح مسلم705/57)،(إذن هو أخّر المغرب، ولم يعجل العشاء).وعنون البخاري للحديث بقوله: تأخير الظهر إلى العصر (كتاب مواقيت الصلاة رقم الحديث543)
9_ على فرض صحة التسليم برواية الجمع عن ابن عباس؛ فإن ابن عباس انفرد بذكر الجمع في الحضر، وخالفه سائر الصحابة ( الذين نصوا أنه تأخير صوري) كما انفرد بذكر جواز نكاح المتعة (صحيح البخاري5116، ومسلم1406/27) وبربا الفضل، وأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ تزوج ميمونة وهو محرم، ولم يأخذ العلماء بذلك كله، ووجدنا الشيعة هم الذين يقولون صلاة الظهرين وصلاة العشائين ، ونكاح المتعة. فهل نفعل كفعلهم؟ ولانفراد ابن عباس بذلك(حديث الجمع)(مع أنه فسّر أنه جمع تأخير؛ذكر الترمذي أن حديث ابن عباس هذا غير معمول به عند العلماء(السنن، فصل العلل آخر السنن، وينظر شرح علل الترمذي لابن رجب بتحقيق همام سعيد1/323).
10_لانجمع تقديماً لأن الوارد عن بعض الصحابة والتابعين هو الجمع في الصلاة الليلية؛ بتأخير المغرب وتقديم العشاء، وليس جمع تقديم مطلقاً.كما أخرج ابن أبي شيبة(6267)عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: «كَانَتْ أُمَرَاؤُنَا إِذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ مَطِيرَةٌ أَبْطَأُوا بِالْمَغْرِبِ، وَعَجَّلُوا بِالْعِشَاءِ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ، فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي مَعَهُمْ، لَا يَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا»؛ ولذا منع المالكية والحنابلة الجمع بين الظهر والعصر في الحضر تقديماً. ومنع الحنفية كل الجمع تقديماً.
11_أما قضية الرخصة واليسر في الدين فإن البديل موجود شرعاً وهو أنه من شق عليه الصلاة جماعة في وقتها وهو من أهل الجماعة فإنه يصلي في بيته وأجره محفوظ لما صح عن ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ نَادَى بِالصَّلَاةِ فِي لَيْلَةٍ ذَاتِ بَرْدٍ وَرِيحٍ وَمَطَرٍ، فَقَالَ فِي آخِرِ نِدَائِهِ: أَلَا صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ، أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ، إِذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ بَارِدَةٌ، أَوْ ذَاتُ مَطَرٍ فِي السَّفَرِ، أَنْ يَقُولَ: «أَلَا صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ» صحيح البخاري632و666 و مسلم697)، وعنون أبو داود للحديث بقول:باب التخلف عن الجماعة في الليلة الباردة، والمطيرة.أي أنه عذر شرعي معتبر؛ باعتبار أن الحنابلة يرون وجوب الجماعة، ولا تترك إلا لعذر.
12- والحديث عن هذا الرخص كله موجه لقوم يحرصون على الجماعة، ويتحرجون جداً في التخلف عنها، و في ظروف شاقة؛ ليست كظروفنا غالباً، مع ذلك حصروها في الصلاة الليلية مع تأخير المغرب وتعجيل العشاء. ومع ذللك فمن كان من أهل الجماعة وتخلف عنها لعذر فالرخصة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ ثابتة، وهي الصلاة في الرحال، مع حفظ الأجر؛ لما روى أبو مُوسَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَرِضَ أَوْ سَافَرَ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ صَحِيحًا مُقِيمًا»(ابن أبي شيبة، حديث حسن)
13_ إن الصلاة في وقتها فرض، و الجماعة واجبة أو سنة، و الجمع جائز بشروط عند بعضهم وباطل عند آخرين، فهل لأجل الجائز المختلف عليه نضيع الفرض؟ مع أن البديل والرخصة موجودة مع الحفاظ على الأجر( الصلاة في وقتها في الرحال).
14-كل ذلك فيما لو ثبتت المشقة؛ فأين المشقة عندما نجد الناس في الأحوال العادية صفين( مثلاً) بينما في المطر تجد أربعة صفوف(حضروا لأجل الجمع)فلو كان ثمة مشقة لكان ينبغي أن يقلّ عدد المصلين(في الأولى) وقت المطر؛ لا أن يزيد.
وعلى كلٍ ومهما كان رأيك؛ فلا يجوز لأحد أن يلوم إمام يقدر أن الجمع غير شرعي.