الرسول (صلي الله عليه وسلم) والعناية بالتعليم
أحمد أحمد عبد الجواد
موجه اللغة العربية بالفيوم
العناصر:-
1- مكانة العلم وشموله في شريعة الإسلام .
2- خصائص المربي الفاضل وكيف بني النبي العقلية العلمية.
3- من الوسائل التربوية في السُنَّة النبوية .
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد .
فللعلم في الإسلام مكانة عظيمة فشهادة العالم جعلت مع شهادة الله والملائكة في أخطر قضية في الوجود وهي قضية التوحيد " شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم " آل عمران (18) .
- وأهل العلم في ارتفاع وشموخ قال تعالي " يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات " المجادلة ( 11).
وبالعلم استحق أدم أمرين هامين :
الأول : الخلافة - والثاني : التميز علي الملائكة " وعلم أدم الأسماء كلها ثم عرضهم علي الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين * قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم " البقرة ( 32،31) .
- والإسلام يقدر العلم مهما كان من معه العلم حتى ولو كان من العجماوات كالكلاب مثلاً ففيها كلاب الصيد المدربة المعلمة ،احل الله تعالي أكل صيدها ولم يحل أكل صيد الكلب غير المعلم فقال تعالي بعد أن تحدث عما أحله لنا " وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا من ما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه " المائدة ( 4) .
- وكفي العلم شرفا أن الله وصف به نفسه ووصف به رسله وملائكته وللعلم في الإسلام خصائص هامة فهو علم يحترم العقل والتجربة والخبرة ، قال تعالي " ولا يُنبئُك مثل خبير "ويقدر الدليل والبرهان " قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين " البقرة (111) ، كما يمتاز هذا العلم بالشمول لجوانب الحياة فالقرآن الذي ربيّ النبي محمد عليه أصحابه جاء العلم فيه شاملاُ .
- أن تعليم أدم الأسماء كلها لم يكن تعليما دينيا لعلم الحلال والحرام لأن أدم عليه السلام لم يكن انُزل عليه وحي آنذاك ، إنه كما يقول الشيخ القرضاوي علم بخصائص الأشياء وصفاتها ومهامها وما يتعلق بها ولو كان علما دينيا لكانت الملائكة أولي به لأنها أقرب من الله تعالي وهي قبل أدم ، وقصة يوسف عليه السلام تحكي أنه تعلم علم تفسير الرؤى وهو علم مبني علي الفراسة والفطنة والحدس فهو اقرب لعلوم الدنيا وقوله تعالي "ولمّ بلغ أشدًّه آتيناه حكماً وعلماً وكذلك نجزي المحسنين " يوسف ( 22) هذا علم البصيرة بالأمور واختيار البدائل والاعتماد علي العقل والاستنتاج وليس علم النبوة لأنه لم يكن قد أوتيها بعد وهذا العلم هو الذي رشحه لولاية الحكم في مصر .
- وكذلك علم طالوت الذي قال الله عنه " إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم " البقرة (247) فهذا العلم بفنون الحرب وتنظيم الجيوش فهو في الجانب العسكري ، وأما العلم الديني فهو عند نبيهم الذي قال لهم " إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا " ثم يتحدث القرآن عن العلم بعد ذكر حديث عن النجوم وحديث قبله عن الليل والنهار والشمس والقمر فهل يكون هذا إلا العلم الكوني الفلكي ،
قال تعالي " فالق الإصباح وجعل الليل سكناً والشمس والقمر حسباناً ذلك تقدير العزيز العليم *
وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون " الأنعام (96 ،97 ) فما يكون العلم هذا إلا ما ذكرنا ؟
- وتعليمه سبحانه لداود عليه السلام صناعة الدروع وتعليمه لنوح صناعة السفن وهذا وغيره كثير يؤكد الشمول كصفة العلم في الإسلام ونختم هذه النقطة بآيتين في سورة فاطر تؤكدان أن العلم يشمل الجيولوجيا ( علم طبقات الأرض وعلم النبات وعلم الأجناس ) .
يقول الله تعالي " ألم تر أن الله أنزل من السماء ماءً فأخرجنا به ثمرات مختلفاً ألوانها ومن الجبال جُدَدُُ بيض وحمرُ مختلفُُ ألوانها وغرابيب سود ومن الناس والدَّواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشي الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور " فاطر ( 28،27 ) هل يكون العلماء المذكورون في الآية إلا من لهم دراية بالجبال والثمار والألوان والأجناس ومتبحرون في علومها ؟
والمربي الفاضل كما يقول أهل العلم لابد ّ له من مميزات تميزه وهي:
1- قدرته علي الارتقاء بعقلية ووجدان من يربيهم ويعلمهم .
2- سعة دائرة من يرتقي بهم.
3- صلاحية منهجه لكل زمان ومكان وليس لوقته فقط أو بيئته فحسب.
- والمتأمل في تلك الخصائص يجدها قد تحققت كاملة في النبي المعلم الأول فقد بُعث في قوم بدو يعبدون الأحجار التي ينحتونها فظل معهم يوجه وينذر ويبشر ويلفت أنظارهم وعقولهم إلي أن هذه الحجارة لا تصلح آلهة ولا ينبغي أن تُعبد من دون الله فهي لا تسمع ولا تتكلم ولا تعي والعقل السليم ينكر هذا وأن تقليد الآباء في هذا باطل .
- يقول تعالي " ياأيها الناس ضُرب مثلُ فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يَسلبُهُم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالبُ والمطلوب * ما قدروا الله حقَّ قدره إنّ الله لقوي عزيز " الحج (74،73 )
- لقد سعي في محو أميتهم والنهوض بمستواهم بشكل عملي فجعل فداء الأسير المشرك في غزوة بدر وهو يقرأ ويكتب أن يُعلم عشرة من أصحاب النبي القراءة والكتابة ، وهذه تُعدَّ أول حملة لمحو الأمية في هذا الزمان قام بها النبي محمد ( صلي الله عليه وسلم ) .
- لقد ارتقي بوجدانهم فأعلمهم أن الله حّرم عليهم العدوان علي الأموال والأعراض والأنفس وجاءهم بشريعة تهدد من لم يردعه التوجيه المباشر من ربه سبحانه فإذا بهم تتفتح عقولهم وتسمو نفوسهم فلا سفك للدماء ولا سلب للأموال ولا قتل للبنات لقد تغيروا حتى كأنهم ملائكة البشر لقد أصبحوا سادة وقادة يقودون الشعوب بمهارة وذكاء فبالأمس كانوا رعاة للغنم وهم بتوفيق الله علي يد عبده محمد قادة الأمم ولم يكن هذا التغيير في شخص واحد بل ألوف .
- لقد مات النبي وعدد أصحابه يتجاوز المائة والعشرين ألفا انساحوا في البلاد فحملوا الرسالة التي هدي الله بها وعلم الأمم تلو الأمم والأجيال بعد الأجيال وكان هذا اكبر شاهد علي أن المنهج الذي جاء به المعلم الأول لم يكن لزمانه ولا لمكانه فقط بل للعالمين في كل زمان وكل مكان وما الملايين التي أسلمت وتسلم اليوم في أوربا إلا خير شاهد علي ذلك نسأل الله أن يرزقنا حب العلم وتعليم الناس اقتداءً بنبينا محمد ( صلي الله عليه وسلم ) عليه الصلاة والسلام .
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم .
الحمد لله وكفي وصلاة وسلاماً علي عبادة الذين اصطفي وبعد.
- لقد اتبع النبي في تعليمه وتربيته لأصحابه وسائل متعددة منها :-
1- التعليم بالمثل فكما قالوا بالمثال تتضح الحال ومن ذلك حثهم علي ضرورة الأمر والنهي فجاء بمثال غاية في الروعة وليس بعيدا عن واقعهم فقال " مثل القائم علي حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا علي سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مَرُّوا علي من فوقهم فقالوا لو أنَّا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا فان يتركوهم وما يريدون هلكوا جمعيا وإن يأخذوا علي أيديهم نجوا ونجوا جمعياً " أخرجه البخاري عن النعمان بن بشير .
- أرأيت كيف وضح المثل خطر الأمر والنهي وان النجاة مرهونة بالقيام بهذا الواجب وان الهلاك مقترن بإهماله.
2- ومن تلك الوسائل السؤال والجواب ، فهي إستراتجية الحوار والمناقشة فمثلا يريد النبي أن يعلم أصحابه حقيقة الإفلاس وأنها إفلاس الحسنات وطغيان السيئات وليس قلة المال فالدنيا إلي زوال وهو حث للصحابة علي البعد عن الإفلاس وتشجيع علي التزود من التقوى : عن أبي هريرة – رضي الله عنه أن رسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) قال " أتدرون ما المفلس "؟ قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال " أن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا واكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته فان فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه اخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار " أخرجه مسلم .
3- ومن تلك الاستراتجيات والوسائل التعليم بالحدث ، والمراد به أن يوضح المعلم لطلابه الصواب إذا وقع منهم الخطأ فهاهم بعض الصحابة الكرام يستعجل نصر الله لشدة ما عانوه من التعذيب والبطش فيستغل النبي ذلك الحدث ويوجه الصحابة في شخص سائله إلي أهمية الصبر والثبات والي إن النصر حقيقة وهو آتِ لا محالة وان الاستعجال خطأ .
- عن خباب بن الارت قال شكونا إلي رسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا فقال " إنه كان من قلبكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها فيجاء بالمنشار فيوضع علي رأسه فيجعلّ نصفين ويُمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه فما يصده ذلك عن دينه والله ليَتِمَنَّ هذا الأمر حتى يسير الركب من صنعاء إلي حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب علي غنمه ولكنكم تستعجلون " أخرجه البخاري .
ولو أخذنا في عرض وسائله ( صلي الله عليه وسلم ) في تعليم أصحابه الكرام لطال بنا المقام وفيما ذكر كفاية .
رزقنا الله حبَّ نبينا وحسن إتباعه ……… آمين