عذراً سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم
خطبة الجمعة 9 / 1 / 2015م
18 / ربيع الأول / 1436هـ
عذراً سيدي رسول الله
صلى الله عليه وسلم
أ.د. محمد سعيد حوى
إن بداية الاقتداء الحق والاتباع الأكمل للنبي صلى الله عليه وسلم إنما يكون بالتعرف عليه حق التعرف صلى الله عليه وسلم.
وما أعظم ثناء الله على رسولناصلى الله عليه وسلم في أخلاقه وعلمه، وقوله وفعله، وعبوديته لربه في آيات كثيرة؛ ليعرفنا بمقامه صلى الله عليه وسلم وليرفعنا إلى مقام الاقتداء به، ومن ذلك: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً ، وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً ﴾ [الأحزاب:45- 46]
﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً ﴾ [الفتح: 8]
﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128].
ومما وصفه به ربه وزكاه سبحانه وأثنى عليه ما جاء في قوله تعالى:
﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ﴾ [النجم: 1]إي فهو النجم المتلالئ الأسمى رفعة، وهو سبب الهداية وطريقها؛ إذ النجم كذلك ﴿ وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ﴾ [النحل: 16]، لكن النجم ينتهي وينطمس لكن محمداً صلى الله عليه وسلم أبداً نور وسمو ورفعة؛ فجاء بعد ذلك الثناء:
﴿ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ﴾ [النجم: 2](فهو المهتدي الرشيد وهو الهادي إلى كل رشد) وقد جاء هذا القسم بالنجم في السورة التي تحدثت عن معراجه صلى الله عليه وسلم.
﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى ﴾ [النجم: 3](فكل ما صدر عنه صلى الله عليه وسلم وحي وحق؛ فهو المبين للكتاب)
﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 44]
﴿ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [النحل: 64]
﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ [النحل: 89]
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيدُ حِفْظَهُ، فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ وَقَالُوا: أَتَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ تَسْمَعُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَرٌ يَتَكَلَّمُ فِي الْغَضَبِ، وَالرِّضَا، فَأَمْسَكْتُ عَنِ الْكِتَابِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَوْمَأَ بِأُصْبُعِهِ إِلَى فِيهِ، فَقَالَ: «اكْتُبْ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَّا حَقٌّ» أخرجه أبو داود، صحيح.
فأكد ذلك سبحانه:
﴿ إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 4]
﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ القُوَى ﴾ [النجم: 5]
فهي آيات تزكي علمه وقوله وفعله، وأخلاقه صلى الله عليه وسلم
وهو الذي وصفته السيدة خديجة: كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ . البخاري ومسلم
ولذلك وجدنا من عظيم أخلاقه صلى الله عليه وسلم ما جاء في حديث السيدة عائشة عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: «مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بِهَا» البخاري ومسلم
وفي رواية: قالت السيدة عائشة: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْتَصِرًا مِنْ مَظْلِمَةٍ ظُلِمَهَا قَطُّ مَا لَمْ تُنْتَهَكْ مَحَارِمُ اللَّهِ فَإِذَا انْتُهِكَ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ شَيْءٌ كَانَ أَشَدَّهُمْ فِي ذَلِكَ غَضَبًا، وَمَا خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ مَأْثَمًا» مسند الحميدي
وانظر إلى هذا الموقف العظيم عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَخْبَرَ: أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ نَجْدٍ، فَلَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَفَلَ مَعَهُ، فَأَدْرَكَتْهُمُ القَائِلَةُ فِي وَادٍ كَثِيرِ العِضَاهِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَفَرَّقَ النَّاسُ يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ سَمُرَةٍ وَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ، وَنِمْنَا نَوْمَةً، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُونَا، وَإِذَا عِنْدَهُ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: " إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ عَلَيَّ سَيْفِي، وَأَنَا نَائِمٌ، فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ فِي يَدِهِ صَلْتًا، فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ فَقُلْتُ: اللَّهُ، - ثَلاَثًا - " وَلَمْ يُعَاقِبْهُ وَجَلَسَ. البخاري ومسلم
وهو صاحب الخلق العظيم إذ يعلمنا كيف نتحقق بهذه الأخلاق العظيمة وهو القائل صلى الله عليه وسلم: " إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ " مسند أحمد / صحيح وفي رواية: مكارم الأخلاق.
عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ، فَقُلْتُ: أَخْبِرِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَتْ: " كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ " مسند أحمد / إسناده صحيح على شرط الشيخين
لكنه النبي الأكمل الذي يجمع بين القوة والرحمة والحزم والحلم
نعم إن الله الذي أنزل (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) هو الذين أنرل ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 60]
لذلك عندما يكون المؤمنون أقوياء يمنعهم إيمانهم عن استعمال القوة إلا بالحق وبهذه القوة يحققون العدل ويمنعون الظالم من أن يظلم، لكن غير المؤمن يمتلك القوة فقد يستعملها في غير مكانها إذ لا إيمان يردعه ولا قوة تردعه
هذه بعض الحقائق في خلق وشمائل سيد الخلق محمدصلى الله عليه وسلم
ثم يأتي من يتطاول على رسولنا صلى الله عليه وسلم وعلى أتباعه وأوليائه وأحبابه؟
ماذا نجد اليوم؟
- وهل يعقل في شهر مولده صلى الله عليه وسلم يُتهم الفكر الإسلامي بأنه يُقدّس نصوص القتل والارهاب؛ ثم هؤلاء المتهِمون يمجدون القتلة ويصفونهم بأنهم بُناة حضارة وإنسانية .
- هل يعقل في شهر مولده صلى الله عليه وسلم يُتهم الفكر الإسلامي بأنه يقدّس نصوص القتل والارهاب؛ بينما هم يمعنون في قتل ومحاربة أتباعه وأوليائه ومحبيه.
- هل يعقل أن يكون من حرية الرأي رسومٌ مسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم ثم يتهمون المسلمين بالارهاب.
- هل يعقل أن يكون من حرية الرأي رسوم مسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم ثم لا يتوقعون ردة فعل ؟!
- هل يعقل أن يكون من حرية الرأي رسوم مسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم في الوقت الذي لا يسمحون بنقد زعيم من زعمائهم أو سياسية من سياساتهم أو يمنعون نقد الهولوكست مثلاً.
عذراً رسول الله صلى الله عليه وسلم ونبرأ إليك يا ربنا مما يصنع أولئك.
عذراً سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ظروف صعبة قاسية جداً يمر بها المسلمون وخاصة اللاجئين في مخيمات اللجوء فيموت أطفالٌ ونساءٌ من الصقيع والبرد.
هل عشنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل هذه الظروف الصعبة؟ أين نحن من أخلاقه؟ ونحن نجد أنه يندفع الناس نحو تخزين المحروقات والخبز فلا إيثار ولا قناعة ولا صبر.
وإذا كنّا قد أعلنا كل هذه الطوارئ لحالة يوم أو يومين؛ فماذا أعددنا لليوم الآخر وللقاء الله؟
وهل شعرنا بشعور الذين يموتون بالصقيع ويتجمدون؟
تُرى أولئك الذين مكّنهم الله من المال والقرار ماذا سيقولون لربهم عندما يسألهم عن أطفالٍ ماتوا صقيعاً وبرداً وجوعاً، ولسان حالهم يدعو: (ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم).
هل يعقل أن يموت بعض المسلمين برداً وصقيعاً بينما هنالك من يبذّر أموال الأمة في الترف والملاهي والفجور والاحتفالات التي لا تمت إلى الأمة بصلة؟؟!!!! .
- أين هم من أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعور بآلام الآخرين، والخوف من الله، شتان شتان ولكنهم يدّعون الانتساب لرسول الله صلى الله عليه وسلم.