لماذا كسر الغزالي مغزله ؟!
لماذا كسر الغزالي مغزله ؟!
زهير سالم
تترنح المعاني على حبال التوصيل الأثيرية، وتنبت الصور فتربو أو تضمر كما الحبة في الأرض الطيبة أو السبخة (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبداً رابياً..)
المرسل يرسل خطابه فيسيل في أودية مستقبليه كل بقدره. قد يعيق المرسلَ علمه أو عبارته أو فطنته، وقد يعيق المستقبلَ فهمه، أو ذوقه، أو هواه ؛ فيتبرم بما يلقيه المرسل، وتحدث القطيعة أو سوء التقدير.
يحتج المستقبل على المرسل: لم لا تقول ما يُفهم.. ؟
فيجيبه ذاك ببرود: لم لا تفهم ما يقال ؟!
يرى المتنبي أن العيب إنما يكمن في فهم المستقبل تارة:
وكم من عائب قولاً صحيحـاً وآفته من الفهم السقيم ؟!
ويراه كامناً في الذوق تارة أخرى..
ومن يك ذا فم مـرّ مريـض يجد مراً بـه الماء الزلالا..
وضع الرسول صلى الله عليه وسلم قواعد الخطاب فقال:
(خاطبوا الناس على قدر عقولهم.. أتحبون أن يكذب الله ورسوله ؟!) وقال: (ما من رجل يخاطب قوماً فوق ما تدركه عقولهم إلا كان فتنة عليهم)
تكمن المشكلة في عصرنا حيث أبيح العلم، وانتشر الخطاب إلى الخاص والعام فلم يعد بإمكان الغزالي رحمه الله أن يكتب (المضنون به على غير أهله..) وربما عند هذا الحد أدرك الغزالي محنة مغزله فكسره وتاب عن الكتابة وأمسك عن إلقاء الخطاب:
غزلت لهم غزلاً رقيقاً فلم أجد لغزلي نساجاً فكسرت مغزلي