ميج وميراج
– 8
د . خالد الأحمد
أرسلتِ الموسادُ بالشيفرة الكتابية إلى (آرام) أن يَحضُرَ إلى تل أبيب ليستلم جهازاً جديداً بدلاً من الجهاز الذي حطَّمه بعد انكشافه لـ (صوفي)، وأكَّدَتْ عليه الحذر، لذلك أتقن (آرام) خطَّةَ السفر إلى استامبول ومنها إلى تل أبيب، وَوَضَعَ في حسبانه أنه مُطاردٌ بالتأكيد من المخابرات المصرية، وبسرعة عرف ذاك الذي وقف في طابور الانتظار، ثم دخل صالةَ الطائرة قبل الآخرين، وركب طائرةَ (آرام) ذاتَها، وفي مطار استامبول قام (آرام) بعدة مناورات ليتأكَّد أن ذاك الشاب الأسمر هو ظِلُّه ضابط المخابرات المصرية الذي كان يتبعه أينما اتَّجَه فتأكَّدَت فَرَضِيَّتُه.
وصل إلى الفندق فحجز الغرفة (25)، وحجز (كمال) الغرفة (26)، ودخل كُلٌّ إلى غرفته، حيث أجرى (آرام) مكالمةً هاتفية، جاءته على الفور يهوديتان فرنسيتان في استامبول جنَّدتهما الموساد في استامبول، وانتظرتا في صالة الفندق الفاخرة، ريثما خرج (آرام) إليهما وتبعه (كمال)، وكان لقاءً حارّاً معهما، تدفَّقَتْ فيه الكلماتُ الفرنسية تُوَزْوِزُ كالوَسواس الخَنَّاس، وعندما عرف (آرام) أن (كمال) يُصغِي للفرنسية، قال:
- أتيتُ شوقاً إليكما خاصة، وسأبقى معكما في هذا الفندق يومين كاملين.
- تشتاق لنا وأنت في القاهرة؟
- لِمَ لا وأنتما صديقتا عمـري وشـبابي؟!
ثم دخل (آرام) وإحداهُنَّ غرفته، ودخلتِ الثانيةُ غرفتها، فاستدعت (سوزي).
عندما دخلت (سوزي) وقد وصلت قبل ساعتين فقط من باريز، وقف (كمال) مرحِّباً:
- أهلاً أهلاً ، أنت هنا؟!
وكانت الكلماتُ تتعثر في فمه لهول مفاجأتـه.
- وصلتُ توّاً، وأنا مُتعَبَةٌ من السفر، كيف حالُك يا عزيزي (كمال)؟ أين أنت؟ غبت عني كلَّ هذه الفترة.
- لقد ذُبتُ شوقاً إليك، إلى باريـز، لأن باريـز عندي هي (سوزي) فقط.
- أمَّا في استامبول فعندك (سوزي) أخرى.
قالتها بليونةٍ وتَكَسُّر، ثم دخلا غرفةَ (كمال) بعد أن فهم (كمال) أن صاحبَهُ سيبقى يومين كاملين مع صاحبتيه، إذن هذه فرصة ثمينة له مع (سوزي)، إنه حُلمٌ ما كان ليخطر في بالـه.
- اسمعي جيداً، سأخرج الآن لأعود بعد ثلاثين أو خمسٍ وثلاثين ساعة، عليك أن لا تكفي عن الحركة والكلام، حتى إذا تَعِبتِ تأتي زميلتُك، ويمكن أن تتعاونا معاً على تمثيل الدور ، وهو أنني موجود وأتعاشر مع إحداكن ... المهم يجب أن يسمع حركةً وهمساً كلما مَرَّ أمام الغرفة أو حاول التَّنَصُّتَ من غرفته، هذا إذا لم تُنسِيهِ (سوزي) كلَّ شيء.
وخرج (آرام) بعد نصف ساعة من دخول (كمال) مع (سوزي)، وفي المطار استَقَلَّ طائرةً خاصةً إلى تل أبيب، حيث استقبله (فيشل) بحفاوة وتكريم، وهَنَّأه على سلامته من فَخِّ (صوفي)، ثم أَكَّدَ عليه أن الحفلةَ الشهرية للطيَّارين باتتْ لازمةً وممكنة بحيث تصبح تقليداً عسكرياً عندهم، يعتادون عليها خلال السنوات القادمة الحاسمة، ثم أطلعه على بعض العملاء في القاهرة، خاصة بين كبار الضباط، وحَدَّد له مجالَ وزمنَ التعاون معهم، وأخيراً صَحِبَهُ في زيارة لـ(ليفي أشكول) الذي استقبله بحفاوة بالغة، وأكَّد له أن نجاح دولة إسرائيل يتوقَّفُ على نجاحه في مهمَّته، ثم عادا إلى الموساد، فَأُعطِيَ شيفرةً جديدةً، وجهازاً لاسلكياً آخر، وتدرَّبَ على فَكِّه وتركيبه وإصلاحه، ثم عاد إلى استامبول بعد ثلاثين ساعة، فقالت له صاحبتُه:
- لقد خرجَ جارُك من الغرفة ثلاثَ مراتٍ فقط، كان يترنَّح شاحِبَ الوجه وكأنه لَمْ يَنَمْ أبداً، دَقَّ البابَ علينا مرةً فخرجتُ إليه بعد أن نَفَشتُ شعري، وقلت:
- نعم أفندم.
- أين سوزي؟ كم رقم هذه الغرفـة؟
- هذه غرفة رقم (25)، وصاحبي نائم، إنه مرهَـق، أرجو أن لا توقِظَـه.
- عفواً.. غرفتي هي (26)، وفيها (سوزي) أين هي؟
- هذه هي المجاورة.
فذهب إليها وهو لا يعرف رأسَهُ من قدمه، بينما خرجتْ (سوزي) تَجُرُّهُ إلى الغرفة وتقول له :
- تعال.. يجب أن تنام كي تصحو من الخمرة.
* * *
عادا على نفس الطائرة إلى القاهرة، وحمل (آرام) حقيبته حيث الشيفرة واللاسلكي بداخلها، أمام أعين رجال الجمارك المنشغلين جداً بتفتيش حقائب المدرِّسين العائدين من دول الخليج والجزائر، كي لا تفوتُهم جمركةُ الهدايا التي يحضرها المدرسون لأقربائهم، أما حقيبة (آرام) وغيره من كبار المسئولين فلا يجوز فتحُها لأنها من أسرار الدولـة!.
ذهب (كمال) إلى مدير العمليات، وأكَّد له أن (آرام) قضى ثمانٍ وأربعين ساعةً في الفندق، ولم يَتَّصِلْ إلاَّ باثنتين من عشيقاته قضى معهما طيلة هذه المدة.
- أمر عجيب! يسافر إلى استامبول من أجلهما!
- وما المانع؟ المال الكثير يا سيدي.
- لكن ماذا يَنقُصُه حتى يسافرَ إلى استامبول لذلك السبب؟!
- هناك البضاعة تختلف يا سيدي.
- أيـة بضاعـة وكلام فارغ أنتَ الآخر؟!
قال مديرُ العمليات، فسكت (كمال).
- المهم أننا لم نَصِلْ إلى تحقيق أيِّ فرضية. قال مدير المخابرات العسكرية.
- لقد حاولنا، وأنتَ معنا ترى فَشَـلَنا، وأقترحُ أنه يكفينا مغامرة بأرواحنا، لِنَكُفَّ عن مراقبته قبل أن نَنـزِلَ عن كراسينا.
- نعم، سنتنازلُ عنها قبل أن تَسحَقَنا.