ثورة النساء (3)
روايات إسلامية
ثورة النساء (3)
قصة طويلة
|
|
عبد الودود يوسف
- 16 –
كانت هامونيه تسرع إلى البيت بعد أن انتهى عملها لتخبر سامورا بخبر أبيها.. فتحت الباب.. فكادت تصعق.. رأت الرجل يجلس على مائدة الطعام.. وسامورا تخدمه.. ابتسمت سامورا وقالت: أخبرني أنه قد رآك صباح اليوم.. دخل مطعمنا الشعبي.. فعرفته.. دون أن يعرفني.. لقد مضى على غيابه عني خمس سنين.. لكنني طلبت إليه أن يعمل في المطعم.. إنه يبحث عن عمل.. فوافق.. فلما أغلقنا المطعم أتيت به معي بحجة أنه يجب أن يجيب على بعض أسئلتي حتى أبقيه عاملاً في المطعم.. فلما دخل عرّفته على نفسي.. فراح المسكين يبكي.. همست سامورا: أرجوك يا هامونية، أسرعي إلى السوق.. واشتري له ألبسة مناسبة وحذاءً، وحقيبة.. وهاتي لنا بعض الحلوى.. إنه أبي.. ذهب أذاه مع قوته.. وبقيت لي شيخوخته وحنانه.. سأبرّه حتى يموت.. مقابل أن أشعر أن لي أباً، يحبني وأحبه.. همست هامونيه: هل يقبلني ابنة له يا سامورا.. يعطف عليّ.. ويحبني.. ويدعو لي.. بكتا معاً..
جلس بيتان مساء ذلك اليوم سعيداً.. ابنته سامورا تطعمه الحلوى.. وسوندا تسأله عن أحواله.. وهامونيه تكوي له ثيابه..
راح يتحدث لسامورا عما جرى معه.. خرجت من مشفى أندريه يا سامورا.. ولحقت بعشيقتي.. أخبرتها أنني سأتزوجها، وسوف أعطيها قطعة أرض كانت لي.. فقبلت.. لكنني كنت قد أعطيت أمك سانيت وكالة بالتصرف بالأرض حين أعود إليها.. فرفعت عليها دعوى احتيال.. لا تزال مستمرة حتى الآن.. لكن عشيقتي طردتني من بيتها، بعد أن طردني مسيو موليان من معمله بتحريض من أمك.. وقد أخبرني المحامي منذ شهر، أن المحكمة قد حكمت بإعادة ثمن الأرض لي من أمك سانيت.. وطالبني بأجوره.. لكنني لم أعد أملك قرشاً.. فطردني هو الآخر من مكتبه.. وهددني بأنني إذا لم أدفع له نفقاته.. فسوف يوقف تنفيذ الحكم.. لجأت إلى بورجيه فطردني، وأنقذني الله من التشرد على يديك يا ابنتي.. وأنا قد أسأت إليك.. فلو لم تكوني عظيمة الأخلاق لطردتني أنت أيضاً.. والحق كله معك.. لكنك كريمة يا سامورا.. كما كنت وأنت صغيرة.. بكت الثلاث.. وراح الشيخ يبكي.. وقف وقال: والآن.. هل تتركيني لأذهب.. همست سامورا: إلى أين يا أبي؟. فأجابها: لا أدري.. لكن.. يجب أن أذهب.. أمسكت سوندا بذراعه وقالت له: ستبقى عندنا إلى الأبد.. كيف ستتركنا ونحن بناتك.. وقالت سامورا: كم يريد المحامي يا أبي.. التفت إليها وقال: سبعة آلاف فرنك، وإذا دفعتها فسوف يحصّل لي ثمن الأرض ومقدارها ستة وثلاثون ألف فرنك..
سألته: إن أعطيتك المبلغ، فهل تقبل أن تبقى عندنا، لنقوم على خدمتك، ونضع أموالك في البنك باسمك دون أن تنفق منها فرنكاً واحداً.. لأنفق أنا عليك؟! أجابها وهو لا يكاد يصدق: خذيها كلها يا سامورا.. مقابل أن ترحميني، حتى إذا مت فأرجو أن تدفنيني دفناً لائقاً.. أخشى أن أموت وأنا نائم على قارعة الطريق.. أو في شقة وحدي، فيأخذونني إلى المشفى ليتعلموا التشريح بجسدي.. بكت سوندا، وهربت هامونيه حتى تخفي شهقاتها.. وأغمضت سامورا عينيها المتفجرتين بالدموع.. وتمنت: ستبقى لك أموالك، وسأكون خادمة لك.. لتباركني وتدعو لي.. ولن تموت إلا قريباً مني.. وبعد عمر طويل.. طويل.. بكى الشيخ بيتان، وقال: والآن.. أنا متعب.. فأين أنام؟!..
- 17 -
شعر الثلاثة خلال السنة التي عاشها معهم الشيخ بيتان بالسعادة.. شعرن أن في بيتهن رجلاً كلهن يحببنه.. لا لشيء، إلا لأنه أب.. كن يفقدن شيئاً فوجدنه.. ما أروع الأسرة التي يكرّم فيها الأب أبناءه وهم صغار ويرعاهم.. ويكرمونه حين يشيخ، ويحملونه حين يمرض، لكنه حين يحوّل ابنه إلى لقيط، يتحول هو حين يكبر إلى عاجز يتمنى لو يصبح لقيطاً.. يرعاه أحد، ولو كان غريباً، أو قاسياً، كي يشعر بالطمأنينة أنه سيدفن على الأقل بأيدي أبنائه مكرّماً..
- 18 -
عجبت سوندا حين زارها جابون في مكتبها في مشفى أندريه.. همس لها أريد أن أراك يا سوندا.. لأمر هام.. أجابت بحزم: أعرفك مخادعاً.. فأقسم لها الأيمان أنه يريد أن يطلعها على أمر خطير يهم سامورا.. ارتجفت حين ذكر سامورا.. فلانت وقالت له: أين تريد أن أراك؟! أجابها: في أي مكان تريدين.. فكرت قليلاً، ثم قالت: حسناً.. هنا في مكتبي بعد الساعة الواحدة ظهراً.. فمسيو أندريه يكون غائباً.. ويمكنك أن تتحدث بما تريد.. وافق على مضض.. وفي الساعة الواحدة كان يجلس مع سوندا في مكتبها.. كانت تجلس بعيداً عنه، قال لها: هل تعلمين بما حدث لسانيت أم سامورا؟! سألته بدهشة: وماذا جرى لها؟!.. أجابها: رضي مسيو أندريه أن يتزوجها، على أن يسجل حضانة الأطفال باسمه.. وقبلت هي بذلك.. فلما حكمتها المحكمة بدفع ستة وثلاثين ألف فرنك.. حاولت أن تبيع قسماً من بيتها لأندريه، فتبيّن لها أنه قد غشها، ووقعها على ورقة كتب فيها أن الحضانة له مع البيت الذي فيه الحضانة، أي بيتها، وحينما أتى رجال الشرطة لحجز ممتلكاتها لأنها لم تدفع، فرّت هاربة من البيت.. لكن أندريه قبل أن يدفع لها المبلغ المطلوب منها مقابل أن تثبت له ملكية البيت بشكل رسمي.. فقبلت.. فدفع لها المبلغ.. ورضي أن يبقيها في البيت خادمة له.. أتتني البارحة، وأخبرتني بذلك كله، ورجتني أن أخبرك، لأنها لا تطيق أن تخبرك بنفسها لكثرة ما أساءت إليك وإلى ابنتها سامورا.. إنها تسألك: هل تعرفين أين يسكن ابنها بورجيه؟!.. أجابته: لا.. لكن قد أستطيع إرسال من يخبر سامورا.. ابتسمت بخبث.. ثم قالت: وقد ترى أنت نفسك اليوم سامورا.. دهش جابون وسأل: وأين يا سوندا؟!. أرجوك.. أخبريني؟ أجابته: أنا لا أعرف يا جابون.. إنها تعيش متجولة تدعو إلى إنقاذ المرأة، وإلى إنقاذ الرجل، أنا أتوقع أن أراها في أية لحظة.. وأتوقع ألا أراها أبداً..
همهم جابون: يا ليتني أراها.. أشعر بالحنين إليها.. إنها عظيمة حقاً.. صمت قليلاً.. ثم تابع: وأنت يا سوندا هل تسمحين أن أسألك سؤالاً.. رأت في صوته رقة حقيقية، وبراءة.. لكنها ظنته يمثل.. فقاطعته بفظاظة: دعوة إلى سهرة؟! أليس كذلك؟ لن تحلم بها أنت ولا أي رجل في الأرض يا جابون.. إنكم جميعاً من المجرمين.. تلوّن وجهه بالأسى وقال: إني محب حقيقي يا سوندا.. عجبت لموقفه لكنها قالت له بحزم: المحب الحقيقي هو الذي يرضى أن يكون زوجاً وأباً.. أجابها ووجهه شاحب شحوب الموت: ومن قال لك أنني لا أرضى بذلك يا سوندا؟! بل أتمناه.. أتمناه من كل قلبي.. هدأت ثورتها وشعرت بالذنب، قالت له: إذن تذهب إلى من تحبها.. وتطلب الزواج منها بشرف.. قاطعتها: وها أنذا أقول لك يا سوندا.. أتمنى أن تقبليني زوجاً شريفاً، وأباً لأولادي.. صعقت سوندا من المفاجأة، وخيّم صمت عجيب متوتر عليهما.. دمعت عيناه من الترقّب والحذر.. ودمعت عيناها من المفاجأة التي ما كانت تتوقعها، قفزت من وراء مكتبها.. واقتربت منه، قالت له: حسناً.. سأستشير أهلي وأخبرك؟! ففغر فاه مندهشاً وقال: أعرف أنك لا أهل لك.. فمن أين أتوا؟ ضحكت ملء قلبها وقالت: لا.. لقد أصبح لي أخوات عظيمات.. وأب رحيم أرعاه.. وقد تصبح لي أم قريباً.. عجب وقال: وهل اشتريتهم من السوق يا سوندا؟.. ضحكا معاً ضحكة رائعة.. ثم استأذن بالانصراف.. مدّ يده ليصافحها، فقفزت إلى الخلف كالملدوغة، ونظرت إليه كوحشة.. فعجب وقال: عفواً.. لم أكن أعلم أن أتباع سامورا يمنعن المصافحة.. فهمست ساخرة، وهي تمط كلامها مصافحة.. ففرك لليد.. ثم غزل رقيق.. وخلوة.. ثم جهنم الحمراء بعدها.. ولقيط وامرأة معذبة تائهة.
خرج وهو يقول: يعجبني كلامك يا سوندا.. أرجو أن تبلغيني برأيك قريباً.. بعد أن تستشيري أخواتك وأباك.
- 19 -
لم تفارقه صورة سوندا الرائعة، وهو يلهث خلف عمله طوال الوقت.. وأخيراً أعلنت الساعة السابعة مساءً.. فتوقف كل شيء.. وتوجه مع جميع العاملات والعمال إلى المطعم., جلس يتناول طعامه بهدوء.. لكنه عجب حين رأى سوندا تقترب من المطعم.. إنها لم تغادر المشفى.,. شعر بقلبه يقفز ويهبط حين رأى شابة رائعة الجمال.. تسير أمام سوندا.. تلبس بنطالاً، وتغطي رأسها بغطاء رائع ينسدل على صدرها فيخفيه.. التفتت العاملات كلهن: همست واحدة: أهي سامورا؟!.. ضجت القاعة: سامورا.. سامورا.. سامورا.. كن يبكين من الفرح.. إنهن يرين سامورا..
قفزت إلى طاولة ووقفت فوقها: أشارت بيدها فهدأ كل شيء.. قالت بهدوء: أسألكن: هل تفضل أية واحدة أن تكون زوجة حبيبة، وأماً مكرمة، لها طفل ترعاه، وزوج تحبه، وابن شاب يرعاها حين تكبر.. أم عشيقة منبوذة، طفلها لقيط، وعشيقها له كل يوم وجه، وشيخة مسنّة تدق الأبواب ويطردها أبناؤها؟! وقد تموت على قارعة الطريق.. صرخن: لا.. لا.. بل زوجة وأماً.. زوجة وأماً.. أشارت بيدها فسكت الجميع..
والرجل هل يرضى أن يكون ابناً لقيطاً مشرداً.. وصاحب نزوة، يلقيها حيث يشاء يطرد ابنه، يأكل في المطعم، ولا يجد من يرفو له ثوبه، ويحفظه في شيخوخته، ويدفنه بيديه حين يموت؟!
صرخ جابون مع النساء كلهن: لا.. لا.. بل زوجاً وأباً.. بل زوجاً وأباً..
صرخت والانفعال يهزّها هزاً: إذن ارفضن العشاق.. واطلبن الأزواج، تحيين سعيدات، وتسعدن الأمة كلها.. أولادكن سعداء، وأزواجكن سعداء، وأنتن سعيدات، والحياة كلها نعيم ومسرّة.
هبطت بسرعة من طاولتها، ثم خرجت واختفت.. والنساء كلهن يصرخن: سامورا.. سامورا.. سامورا رمز الحرية سامورا.. سامورا.. بكين حتى ابتلت ثيابهن. أسرع جابون يريد أن يخفي دموعه.. لكنهن جميعاً رأينه، ابتسمن وقلن: لاشك أنها دموع التماسيح..
- 20 -
كان الجميع مسرورين في حفلة زواج سوندا إلا سامورا... كانت العاملات يتحلقن حولها يسألنها عن كل شيء.. إنهن يحببنها، والكثيرات منهن قد لبسن مثل لباسها.. كان الشيخ بيتان سعيداً بابنته سامورا.. وسعيداً بمن حولها.. خطرت على باله فكرة.. سأل ابنته أمام الحاضرين كلهم: ما رأيك يا سامورا أن أنشئ مع جابون جمعية اسمها: "جمعية أنصار المرأة" نقوم بنشر الكتب التي تدعو إلى إقناع الرجال والنساء بأفكاركن.. صفق النساء كلهن، وأعلن جابون قبوله للفكرة، كانت سامورا تبدي فرحها، وسرورها، لكنها كانت تعيش قلقاً عميقاً.. انتهت الحفلة، ووزعت سوندا كتباً هدية منها.. تشرح فيها نوع الحياة التي تتمناها مع زوجها، وفيها رأي جابون بما تتمناه زوجه، وبما يتمناه هو أيضاً.
عانقت سوندا سامورا، وقبّلت يد أبيها بيتان، وراحت تبكي.. لن تراها بعد اليوم إلا قليلاً.. صافح جابون أباها، لكنه ما جرؤ أن يمد إليها يده.. ابتسمت من موقفه، وسرّت أشد السرور به..
ركب أبوها إلى جانبها، وقادتها سيارتها نحو بيتها.. همست له: أرجوك لا تغضب مني يا أبي.. نظر إليها بدهشة وقال: أغضب منك يا سامورا؟! والله لو طلبت روحي لأعطيتك، إنك قد حوّلت حياتي إلى نعيم بما تقدمينه لي من حنان ورحمة واهتمام. دمعت عيناها وقالت: اسمع ماذا جرى لأمي، فلما حكت له قال لها: قد جازاها الله جزاء ما عملت فينا يا سامورا: طردتك من دار الحضانة، فطُردت منها، واغتصبت أموالي، فاغتصب الناس أموالها، وقد عانيت ما لم تعان منه هي حتى الآن: لقد شردتني فصرت أنام في الطرقات.
أوقفت سامورا سيارتها بهدوء، ثم التفتت إلى أبيها، وقالت له: أرجوك يا أبي.. هل توافق أن نزور أمي في بيتنا القديم. تردد بيتان قليلاً ثم قال: كما تريدين يا سامورا.. هيا إلى بيتنا القديم لكن أرجوك أعطني حبة مهدئ للأعصاب حتى لا أصاب بسكتة قلبية حين أدخله، وحين أراها تعمل خادمة لعشيقها الملعون.
وصلا إلى بيت أبيها القديم، كانت الموسيقا الراقصة تصدح، والضحكات تملأ هدوء الليل. رنت الجرس رنيناً متتابعاً، فسمعت بعد قليل من يقترب، ثم فتح الباب، وظهر مسيو أندريه ثملاً، لا يكاد يستطيع الحديث، رأى سامورا وأباها بيتان، فقال: تريدان رؤية سانيت؟ قد تركت هذا البيت منذ شهر، ولا أدري أين ذهبت بعد أن باعتني جميع ما في البيت من أشياء. تفضلا.. تفضلا.. بكت سامورا ودمعت عينا أبيها، وعادا إلى سيارتها، ورجعا إلى بيتهما.
كانت هامونيه قلقة عليهما.., أين ذهبا؟ فلما دخلا أمطرتهما بألف سؤال، لكنها صمتت حين رأتهما حزينين.
بكت معهما حين علمت بما جرى لسانيت الأم، لكنها قالت: سنبحث عنها يا سامورا، ونأتي بها إلى هنا.. فما رأيك؟! ابتسمت سامورا من خلال دموعها، ثم اتجه الجميع إلى أسرّتهم محزونين.
- 21 -
عجب جابون حين استأذنت سوندا أن يسمح لها بمغادرة البيت في تمام الساعة الحادية عشرة.. سألها: الثلج يهطل، والناس كلهم نائمون، إلى أين يا سوندا؟! أجابته: أذكر أنني قد اشترطت عليك حين الزواج أن أغادر البيت لمتابعة عملي مع سامورا في أي وقت أشاء.. همس: هذا حق.. لكن ماذا تعملن في هذا الوقت؟ أجابته: ستعلم غداً.. ستعلم كل شيء.. ركبت سيارتها وانطلقت..
عجبت كناسة الشارع رينيه حين رأت ثلاثة أشباح تقترب منها، كانت تدفع عربة القمامة أمامها بصعوبة فوق أرض الشارع المملوء بالثلج.. ثم تبينت أن القادمات إليها من النساء، تناولت منها إحدى الثلاث عربتها، ووقفت أمامها سامورا تسألها: كم عمرك يا سيدتي؟ أجابتها: ستون عاماً.. كان شعرها أبيض مكن الثلج الذي يندف فوقها.. سألتها: كمن يدفعون لك؟ أجابت: أربعمائة فرنك كل شهر.. ثم تابعت: إنه أجر قليل يا ابنتي، لكنني مضطرة إلى العمل.. فأنا أدفع أجر غرفة مفروشة، وأحتاج إلى عدة أدوية. همست سامورا: على كل حال أجرك قليل.. ويجب أن يرتفع حتى يوفر لك حياة طيبة.. وكم ساعة تعملين؟ أجابتها: من السابعة مساء حتى السابعة صباحاً.. همست: أي اثنتي عشرة ساعة، هذا مخيف، وكم ولداً لك؟ أجابت: تركني زوجي منذ خمسة عشرة عاماً، حين أصاب جسمي الهرم، كما ترينني، كنت جميلة في صباي، والعشاق كثيرون.. لكنهم تحولوا إلى غيري عندما كبرت، وكذلك زوجي.. أما أولادي فقد آذيتهم وآذاهم أبوهم للتخلص من نفقاتهم.. رميت طفلين في أول حياتي.. فتحولوا إلى لقيطين، أما من بقوا معي ومع زوجي فكانوا ثلاثة، بعد أن غادروا البيت كانت أتعسهم البنت، لأنها كانت ضعيفة الجسم، فلم تحتمل الأعمال الشاقة، ضاقت ذرعاً بالحياة فانتحرت.. ولا أعرف أين قبرها.. أما الولدان، فواحد منهم أصبح طياراً، والثاني صاحب مزرعة، إنهما يقدمان لي الهدايا في عيد الأم.. لكن ماذا تنفعني هداياهم.. لذلك فأنا مضطرة للعمل. سألتها: وإذا انقطعت عن عملك بسبب مرض مثلاً.. فمن يطعمك ويخدمك؟ تنهدت وأجابتها: لذلك أتمنى أن أموت بحادث قطار أو سيارة، لأنني لا أملك أي وفر مالي.. والآن اعذراني، أريد أن أتابع عملي حتى لا يعاقبوني! قالت لها سامورا: ألا ترين أن سوندا تقوم بعملك حتى لا نعطلك.
هتفت المرأة: سوندا؟! زميلة سامورا.. أرجوكم احملوا لي سلاماً لسامورا.. قولوا لها إن قلوبنا معك.. إن أعمالك رائعة.. كلنا نتمنى أن نسير على دربك.. تناولت هامونيه العربة، واقتربت سوندا من العجوز، وتابعت العجوز: لو كنت أماً يا سوندا وزوجة وكان المجتمع لا يرضى بالعاشقات أي لا يرضى أن يتصل الرجل بالمرأة اتصالاً جنسياً إلا من خلال الزواج لكنت الآن أنعم بعدد من الأولاد، وزوج شريف، ومال وفير، وراحة عظيمة، وكما تقول سامورا: لوجدت من يدفنني إذا مت.. آه ما أقسى هذا المجتمع.. لو رأيت سامورا لقلت لها: يجب أن تطالبي بقتل العاشق والعاشقة، الزانين، لأنهما بعملهما هذا يذبحان الأمة كلها.. يقتلان الطفل والزوج والابن والبنت، همست سوندا: لقد وصل كلامك لسامورا يا أماه.. صرخت: أنت سامورا.. هجمت على سامورا وعانقتها وبكت..
سألتها سامورا: إن قلنا لك اضربي عن العمل لتحصلي على أجر مناسب، ورعاية مناسبة، فهل تقبلين؟ هتفت: أقول لك الحق، لو أمرتني يا سامورا أن أحمل السلاح للقضاء على المجرمين الذين يسحقون نساءنا، لفعلت.. ما أحلى الموت في سبيل رفع الظلم عن كواهل العاجزين..
ودعت الثلاث العجوز، وبقين طوال الليل يتنقلن من عاملة إلى عاملة.. وكذلك فعلت مائة مجموعة أخرى في أنحاء المدينة.
وخلال أسبوع كامل أحصين النتائج فكانت كما يلي:
- معظم العاملات في الأعمال الشاقة قبيحات، أو لقيطات، أو مسنات..
- متوسط ساعات العمل هو ثلاث عشرة ساعة.
- ومتوسط الأجور دون الحد الأدنى من الحياة المعقولة..
- معظم هذه الحالات نابعة من عدم وجود البيت المستقر القائم على الزواج الدائم، لانعدام التكافل بين أبناء الأسرة الواحدة.
- المجتمع يزيد من حدة عذاب الناس باستغلال حاجة المحتاجات.
- جميع العاملات على استعداد للقيام بمظاهرات وإضرابات أو أية وسيلة أخرى للحصول على حقوقهن..
- وجميعهن على استعداد لنبذ أسلوب المعاشرة بالعشق.. إذا أجمع الأخريات عليها.. ويتمنين سن تشريع يعاقب الزوج الزاني عقوبات قاسية جداً..
ضربت سامورا الطاولة بيدها وقالت: الوضع مناسب، سنسلك أساليب متدرجة للمطالبة بحقوقنا.. حتى نصل إلى أعظم درجات العنف إن اضطررنا لذلك.
وقفت سوندا وقالت: إن هذا العمل يحتاج إلى متفرغات..
سألت هامونيه: ومن أين يأتين بالمال حتى يعشن حياة كريمة؟!
أجابت سوندا: نصف راتبي لكم. قاطعتها سامورا: هذا ليس حلاً؟ يجب أن ننشئ جمعية تنتسب إليها النساء كلهن، وتدفع كل واحدة منهن اشتراكاً شهرياً، ومن هذا الاشتراك نفرغ من يلزمن لدخول الصراع.
هتفت سوندا: نسميها جمعية تحرير النساء.,
قالت سامورا: اسم عظيم، لكننا لا نريد أن نحرر النساء فقط، إننا نريد أن نكرمهن!!
قالت هامونيه: المحررات المكرمات..
وافقت الثلاث وهمست سامورا: اسم عظيم..
- 22 -
امتلأت جدران المعامل والشوارع بمنشورات تقول: سامورا تدعوكم للانتساب إلى فروع "المحررات المكرمات" لتحقيق الأهداف التي تكفل للمرأة حياة كريمة كابنة وأخت وأم عاملة أو غير عاملة.
تلقت الفروع عشرين ألف طلب دفعة واحدة، ومعها مائة ألف فرنك كرسم انتساب..
صاحت سامورا: بدأ العمل الجدي.. من تتفرغ؟! صحن جميعاً: سامورا. وأكملت سامورا: وسوندا وهامونيه. ونفرغ جابون لإنشاء جمعية "أنصار المرأة" ويعمل معه أبي دون أجر، ونفرغ في كل فرع قائدتين، هيا إلى اختيار القائدات. وكلهن يجب أن يلبسن البنطال، أو ثياباً ساترة مناسبة، تعبيراً عن اعتزازهن بأنفسهن، وأنهن لن يبحن للرجال أن ينظروا إليهن، يجب أن لا يروهن إلا كزوجات.
سألت سوندا: ولماذا لا تلبس نساء الجمعية كلهن البنطال؟! أجابت سامورا: نترك ذلك لاقتناعهن..
لم تبق امرأة تنتسب إلى جمعية المحررات المكرمات إلا وافقت على لبس البنطال، فأمرت سامورا بإنشاء ورشات لخياطة البناطيل النسائية الفضفاضة في جميع الفروع لتقديمها للعضوات بثمن التكلفة.
فوجئ الرجال كلهم بظاهرة انتشار البنطال الساتر الفضفاض بين العاملات. ولم يعد مسيو أندريه يستطيع الصبر، فجميع عاملات مشفاه قد لبسن البنطال، وجميعهن يرفضن السهر معه، وحتى جابون راح يؤيدهن ويدافع عن سلوكهن.. تساءل: الويل لسامورا، أتريد أن تفرض على الرجال مواقفها. هذا لا يمكن ثم إننا لن نستطيع نحن الرجال أن نلهو مع من نشاء من النساء، سننحصر في زوجة واحدة؟ هذا لا يطاق.. يجب أن يتحرك الرجال، دخلت سوندا، لم تمد يدها للمصافحة. أشارت إليه صباح الخير يا مسيو أندريه، ابتسم لها ابتسامة صفراء فقدمت له ورقة، قرأها وصرخ: ولماذا تتركين العمل يا سوندا؟! أجابته ساخرة: حتى أتيح لك أن تختار سكرتيرة تلهو بها. صرخ بها: وهل حرام عليّ أن ألهو بالنساء؟! أجابته: قد توضع يوماً في السجن لأنك لص.. فوجئ بها، تابعت هي: تسرق البيوت.. ودور الحضانة، كما تسرق أعراض النساء.. شحب وجهه، وصرخ بها: اخرجي من هنا.. أنت مطرودة، وزوجك جابون مطرود.. أجابته بهدوء: لو قرأت هذه الورقة جيداً لعرفت أننا قدمنا استقالتنا معاً.. وخرجت.. جلس مسيو أندريه يفكر كيف يقاوم أفكار سوندا و سامورا.. بينما أسرعت هي إلى المشفى. همست لعاملة.. فأسرعن العاملة وهمست في أذن عشر من العاملات.. فأسرعت العاملات، وهمست في آذان العاملات كلهن.. وبعد ربع ساعة احتشدت العاملات كلهن أمام غرفة أندريه: عجب للأمر، وقفت سوندا على طاولة وصرخت: أنتن مجرمات إن رضيتن بالأجور القليلة التي تأخذونها من مسيو أندريه.
أنتن مجرمات حين ترضين بهذا الوقت الطويل للعمل..
أنتن مجرمات إن رضيتن أن يلعب الرجال بكن..
أنتن مجرمات إن كشفتن للرجال أجسامكن ليتمتعوا بها..
أقول لكن: إما أن تكن مجرمات.. أو زوجات شريفات.. صفقن لها، بينما كانت تسرع خارجة من المشفى مع زوجها جابون.. وأسرعت العاملات إلى أعمالهن..
لأول مرة يتفقد مسيو أندريه أقسام المشفى.. إنه اخترع هذه الحجة ليرى عن قرب عاملات مشفاه..
اقترب من واحدة تكوي الثياب في غرفة: مدّ لها يده مصافحاً.. لكنها، ترددت ثم مدت له يدها وسحبتها بسرعة.. قال لها: أنت ماهرة في عملك يا هامونيه.. ابتسمت له.. وتابع هو: كما أنك جميلة.. اكفهر وجهها، وراحت تقول: أنت جميلة، أنت حلوة، لماذا تلبسين هذا البنطال، اخلعيه، تعالي اسهري معي.. ستشربين الخمر المعتق.. وترقصين على أجمل أنغام الدنيا.. وتتصور أن أذهب معك لأحمل منك لقيطاً، لتطردني معه إن طالبتك بحقوقه. كان مسيو أندريه يسرع خارجاً وهي تبتسم ابتسامة الانتصار..
عدّل من هندامه، وشرب حبة مهدئ للأعصاب، ودخل غرفة ثانية.. وجد عجوزاً، اقترب منها، فوقفت احتراماً له.. كانت تعبئ زجاجات الأطفال بالحليب.. همس لها: أنت ماهرة يا مدام سوان.. فأجابته: لكن عملي متعب جداً.. ووقت العمل طويل.. والأجور التي تعطونها لي قليلة.. غضب، وحاول الخروج لكنه عاد إليها مسرعاً وقال: هل لديك أمنية؟ أجابته: أتمنى أن أجد رجلاً مناسباً.. فقاطعها: حسناًَ.. تعالي اسهري عندي الليلة.. التفتت إليه بغضب وهمسن له: لأرقص معك على أنغام الموسيقى، وتشربني الخمر، ثم.. تفعل ما تريد.. لأحمل أنا لقيطاً.. أو ابناً يتيماً.. أليس كذلك يا مسيو أندريه.. لكن مسيو أندريه لم يكن في الغرفة، لقد غادرها منذ ابتدأت كلامها.. كان يدخل غرفة ثالثة فيها ست عاملات يغسلن الثياب، نظرن إليه كلهن حيت دخل.. وشددن بناطيلهن.. ورفعنها، كاد يعود.., لكنه اقترب منهن وقال: إن بناطيلكن جميلة، هتفت واحدة: ولن نخلعها إلا لزوج.. صرخ: ومن أين تأتين بالأزواج؟.. أجابت ثانية: إذا رفض النساء العشاق، فسوف يصبح الرجال أزواجاً.. وتابعت ثالثة: كم أتمنى أن تتزوج يا مسيو أندريه، لتجد في بيتك امرأة جميلة تهيئ لك بيتك.,. وتدفئ لك سريرك.. وتغسل لك ثيابك، وتلد لك ولداً تحبه.. ستعيش حياة سعيدة لاشك..
وقالت رابعة: ليس لمسيو أندريه الآن ولد يحمل اسمه، ويصبح وزيراً أو مديراً كبيراً.. اقتربت الخامسة من مسيو أندريه وكانت عجوزاً شمطاء وهمست له: لن تجد في هذه الغرفة عشيقة يا مسيو أندريه، كلهن يردن أزواجاً، وأنا كذلك.. وخرج كالهارب.. بينما كانت النساء يضحكن.. صرخت العجوز تحيا سامورا.. فأجبنها صارخات: تحيا سامورا.. صرخت: زوجاً لا عشيقاً.. فصرخنا: ابناً لا لقيطاً.. صرخت: مصافحة.. فمغازلة، فسهرة، فعذاب للنساء.. صرخن: أجسادنا لن يراها الرجال.. صرخت: أجسادنا يراها الأزواج..وصرخن كلهن بحماس كبير: سامورا.. سامورا.. سامورا..
فوجئت جميع العاملات في مشفى أندريه عند انتهاء العمل ببلاغ ملصق على جميع لوحات الإعلانات في المشفى.. تجمهرن ليقرأنه إذا مكتوب فيه: يمنع منعاً باتاً لبس البنطال من قبل العاملات في المشفى.. لأنه يعرقل الأعمال.. ويحد مننت نشاط العاملات.. وكل من تلبس بنطالاً تفصل من عملها..
أصيبت العاملات كلهن بالرعب وراحت بعض العاملات اللواتي لم يلبسن بنطالاً يقلن لمن يلبسنه: ألم نقل لكن لا تلبسن البنطال؟! همست واحدة تلبس بنطالاً: سأخلع بنطالي غداً.. لن أجد عملاً إن فصلوني من المشفى..
وفي بيت سامورا كانت الأمور تبحث بجدية عظيمة..
همست سامورا: كم عدد العاملات في مشفى أندريه؟
أجابت سوندا: مائة عاملة.
قالت سامورا بحماس: حسناً إن فصلهن سيكون كارثة على مشفى أندريه ونحن على استعاد لتوظيفهن كلهن إن فصلن، برواتب أفضل من رواتبهن..
سنبدأ معركة رائعة.. الوقت مناسب، والمكان مناسب، هيا إلى المشفى.. عجبت سوان عندما رأت عاملتين تدخلان عليها عند منتصف الليل.. خافت.. وظنت أن مسيو أندريه قد أرسلهما لإبلاغها بقرار الفصل.. لأنها قالت عندما قرأت الإعلان: لن أخلع بنطالي ولو فصلوني..
نهضت من سريرها.. تريد أن تشعل نور الغرفة.. لكنها سمعت: لا.. لا.. يا سوان.. أنا سامورا.. التفتت إليها وهجمت عليها تضمها إلى صدرها قالت لها: نريد أن نرى جميع العاملات في غرفهن.. من فصلها أندريه فسوف نشغلها نحن.. إن نجحنا في هذه المعركة فسوف نطالب بزيادة الأجور وتقليل أوقات العمل..
كادت سوان تصرخ من الفرحة..
لم تبق عاملة إلا وقد عرفت ماذا ستفعل صباح الغد..
- 23 -
لم يستطع مسيو أندريه أن ينام.. كان عليه أن يذهب إلى المشفى في الساعة الرابعة صباحاً ليراقب تنفيذ أوامره.
دخل المشفى فلم يجد أحداً.. العاملات كلهن نائمات.. راح يتبختر في المماشي، اقترب من المطعم ووقف عند بابه.. رأته سوان.. فأرسلن من يخبر العاملات كلهن..
تقدمت نحو المطعم مع خمس من زميلاتها يلبسن البناطيل.. نظر إليهن مسيو أندريه بدهشة.. ثم صرخ حين وصلن إلى المطعم: أنتن مفصولات.. قالت سوان بحدة: حسناً.. سنترك المشفى.. صرخ بهن: هيا إلى خارج المشفى.. لم يجبنه بكلمة.. كاد الغيظ يقتله حين اقتربت أفواج العاملات.. رآهن جميعاً يلبسن البناطيل., عدا بعض اللواتي لبسن ثياباً طويلة تصل إلى الأرض.. هتفن كلهن: سنترك العمل.. أو نبقى بناطيلنا.. كاد مسيو أندريه ينهار.. تساءل: من سيسيّر أمور المشفى إن تركت العاملات كلهن العمل فيسه.. ولكنه أسرع إلى الهاتف وصرخ: سيدي رئيس الشرطة.. العاملات عندي سيتركن المشفى، يعرضن أرواح المرضى للخطر.. حضرت الشرطة.. وبعدها بقليل كانت سامورا وسوندا وهامونيه بين العاملات..
سال رئيس الشرطة: كيف تتركن العمل وتعرضن أرواح المرضى للخطر؟! أجابته سامورا: إن مسيو أندريه هو الذي طردهن.. انظر إلى هذا الإعلان.. قرأ رئيس الشرطة الإعلان.. ثم التفت إلى مسيو أندريه وقال له: إن العاملات مصرات على لبس البنطال.. صاحت سوان: لا نريد أن تكون أجسادنا منظراً يتشهى برؤياه الرجال.. صحن جميعاً: أجسادنا لأزواجنا فقط.. عجب رئيس الشرطة.. بينتما صاحت سامورا: رواتب العاملات قليلة.. إنهن يطالبن بزيادة الأجور. صرخ مسيو أندريه: اخرجي من مشفاي.. لست عاملة عندي.. صرخت النساء كلهن: سامورا معنا.. نريد أجوراً عادلة.. لن نرجع إلى العمل إلا بأجور عادلة.. كاد الغيظ يقتل مسيو أندريه حين قال رئيس الشرطة: لقد فتحت هذا الباب على نفسك.. نحن مكلفون بعدم وقوع فوضى.. أو اقتتال.. وعليك أنت أن تتفاهم مع عاملاتك..
صرخت سوان: لتذهب عاملات المطبخ.. والاعتناء بالمرضى والأطفال إلى أعمالهن.. حتى لا يصاب أحد بضرر.. أما الباقيات فإلى بيوتهن..
ابتسم رئيس الشرطة.. بينما كانت العاملات يغادرن المشفى، ومسيو أندريه يقتله الحزن.. وقفت سامورا في مركز "المحررات المكرمات: تخطب في جموع عاملات مشفى أندريه هذه أول خطوة لتكريم النساء.. وتحريرهن من ظلم الرجال.. اكتبن أسماءكن أنتن رائدات المرأة في الغرب كله.. صحن جميعاً: سامورا.. سامورا.. سامورا..
تابعت سامورا: هل تعرف كل واحدة واجبها اليوم؟.. أجبن جميعاً: نعم.. صاحت واحدة: أنا سأذهب إلى مشفى دوفان.. وصاحت أخرى: ونحن إلى مشفى رينان.. لنخبر العاملات بما حدث..
وصاحت سوان: وسأتصل أنا بمركز المحررات المكرمات كلها، وأخبرهن بإرسال عشر فرنكات عن كل عضوة..
وصاحت سوندا: أرجو ألا تذهب أية عاملة إلا بعد أن تمر عليّ.. لأسلمها راتبها عن الشهر المقبل كله..
بكين جميعاً وصحن: تحيا سامورا.. تحيا سامورا..
لم يستطع مسيو أندريه إدخال أي مريض جديد لمشفاه.. وخلال أسبوع خرج المرضى كلهن.. وفرغ المشفى.. فتركت العاملات عملهن وذهبن إلى مركز "المحررات المكرمات".
كتبن على الجدران كلها: مسيو أندريه يريد عاملات بلا بنطال.. لا يريد عاملات نشيطات مؤدبات.. نرفض أن نكون عشيقات.. نحن مكرمات محررات..
ضجت باريس كلها بما جرى في مشفى أندريه.. بينما كان الرجال يقرؤون بياناً من مسيو جابون يقول: لماذا نعرض المرأة للمهانة؟! لماذا نريد المرأة للمتعة؟! إنها كريمة مثلنا.., إن ما جرى في مشفى أندريه هو بداية خطيرة تهدد المجتمع بالاضطراب.. يجب أن نعطي المرأة حقوقها.. ونترك لها حريتها., كي تلبس ما تشاء.. إن عاملات مسيو أندريه قد ضربن أروع الأمثلة حين لم يهملن أي مريض.. إنهن يردن أن يعشن بكرامة.. إنهن لا يقبلن بعرض سيقانهن على أي رجل.. إنهن يردن الرجال أزواجاً لا عشاقاً.. كلهن لقيطات، محرومات من رحمة الأب.. وحنان الأم.. ويردن ألا يضعن لقطاء جدداً..
- 24 -
فوجئ الناس كلهم بمسيو سوفان يكتب في إحدى الصحف: لينتبه المسؤولون: إن مجتمعنا مهدد بخطر رهيب.. النساء لا يقدرن العواقب.. علينا أن نحارب رأس الفتنة.. سامورا.. ستوقف الأعمال جميعها، ستغلق المصالح كلها أبوابها.. سيعيش المجتمع كله في حالة انهيار، سيدمر الاقتصاد إن تمت ثورة النساء.
امتلأت شوارع باريس بإعلان يقول:
سامورا تقول:
الذين يحرمون المرأة من حقوقها هم الذين يدمرون الأمة.
يريدون ابناً بلا أب.. لقيطاً أو يتيماً.. والمرأة لا تريد ذلك..
يريدون عشيقة يتلهون بها.. لا زوجة مكرمة، والمرأة لا تريد ذلك..
يريدون للمرأة أن تعمل ليل نهار مقابل أجر قليل.. وهذا ظلم..
يريدونها عارية ليستمتعوا بمنظرها كما يستمتع الجزارون، وهذا عار وعبودية، لن تقبلها المرأة.
يا نساء فرنسا.. إن كنتن كذلك فأعلن رأيكن..
ضجت شوارع فرنسا بمظاهرات النساء، وراح البوليس يفرقهن رغماً عنهن.. بالعصي، وخراطيم المياه، والقنابل المسيلة للدموع..
كن يهتفن::
سامورا.. سامورا.. نحن مكرمات.. ولسنا عشيقات، سامورا.. سامورا..
اكفهرت السماء مساء ذلك اليوم، وأمطرت ثلجاً، ثم هبت عواصف مخيفة، ولجأ الناس إلى بيوتهم، إلا الكناسات المسكينات.
دقت امرأة على باب أحد مراكز المكرمات المحررات وهي تبكي.. فلما فتحت لها رئيسة المركز الباب صرخت: مئات النساء تقتلهن العاصفة الثلجية، إنهن كناسات الشوارع..
النجدة.. النجدة..
كانت الكناسات يتحلقن حول أنفسهن يتمسكن يداً بيد حتى لا ترميهن العواصف الثلجية، لكن البرد المزمجر كان يجمدهن..
كانت سامورا مع مئات نساء جمعيات المكرمات المحررات ينقلن النساء إلى المشافي لإسعافهن.. كن يحملهن داخل السيارات من الشوارع قطعة واحدة.. كن جميعاً مسنات يبلغن الستين..
بكت سامورا بعنف، وبكت النساء كلهن، ولم تدر سامورا أنها حين حملت تلك الكناسة التي نلبس بنطالاً أحمر أنها تحمل أمها سانيت..
ماتت العشرات من النساء المسنات من الصقيع والبرد، وخرجت في اليوم التالي عشرات الجنازات يحملها النساء، وأمامها لافتات تقول: لو كن زوجات وأمهات.. لما متن هذه الميتة..
وقفت سامورا على ظهر السيارة وصرخت:
النساء المسنات لسن للموت صقيعاً..
النساء المسنات يجب أن يكن أمهات آمنات في بيوتهن مع أزواجهن وأبنائهن.. إما أن نحصل على حقوقنا أو نعلنها ثورة عارمة..
يا نساء فرنسا: لا عودة للعمل أبداً.. لا عودة للعمل أبداً..
فوجئت النساء بسيارات الشرطة والجيش تحيط بهن.. وتعتقلهن.. والتقت سامورا.. وسوندا وهامونيه في سجن واحد، مع عشرات النساء..
- 25 -
كانت سانيت غائبة عن الوعي في سريرها في المشفى.. فلما فتحت عينيها رأت مجموعة من الممرضات همست: سامورا.. فبكين كلهن.. قلن لها: سامورا في السجن.. وبعد ساعة ستحاكم.. قفزت من سريرها وأسرعت إلى ثيابها وهي تصرخ: سامورا ابنتي في السجن.. لماذا؟! زادت دهشتهن.. قلن: أنت أم سامورا؟.. فصرخت: أنا أمها.. وأنا سأدافع عنها.. دلوني على المحكمة.. دلوني.
دخلت سامورا قاعة المحكمة مع ثلاثة من الشرطة والقيود في يديها.. فوجئت حين رأت سوفان يدخل القاعة وهو يلبس ثياب القضاة.. مع زميلين آخرين.. ابتسم ونظر لها.. عبست في وجهه.. كانت القاعة مملوءة بالنساء.. وابتدأت المحاكمة.
القاضي سوفان: لقد أثرتِ الفوضى.. وهددتِ اقتصاد البلاد يا سامورا..
سألت سامورا: وكيف ذلك يا سعادة القاضي؟!..
تابع سوفان: العاملات قد تركن أعمالهن.. فتوقف الإنتاج.. وأنتن تطالبن برفع أجوركن وهذا ما لا يتحمله الاقتصاد.
سألت: الاقتصاد يتحمل مليون لقيط.. وشقاء نصف المجتمع من النساء.. لكنه لا يتحمل إنصاف المظلومات، أليس كذلك؟
تابع سوفان: هذا ليس من اختصاصي..
قاطعته سامورا: إنه هو السبب الأساسي للمشكلة.. الرجال يريدون المرأة خادمة أو لعبة للتسلية.. والنساء لا يردن ذلك..
تابع سوفان: أنت متهمة بإثارة الفوضى.. والتحريض على الثورة ضد النظام.
أجابت سامورا: نحن نريد حقوقاً.. نريد المرأة أماً.. وزوجة، وعاملة غير مظلومة.. والرجال يريدونها عشيقة، أو لقيطة، أو خادمة مسحوقة.
صرخ سوفان: النساء لا يردن ذلك، لا يردن الفوضى، ولا هدم اقتصاد الأمة..
فوجئ الجميع بامرأة تصرخ: لا.. النساء يردن ما تقوله سامورا.. لماذا منع مسيو أندريه العاملات من لبس البنطال، وهددهن بالفصل من العمل؟..
لماذا يموت المئات من العاملات في عواصف الثلوج؟!..
إنهن اللقيطات اللواتي لا يعرفن أماً ولا أباً، إنهن المسنات اللواتي طردهن عشاقهن وأزواجهن، إنهن القبيحات اللواتي أهملهن الرجال لأنهن غير جميلات..
أهذا هو العدل؟!..
لقد ماتت المرأة في العاصفة الثلجية لأنها لا تجد ابناً يحميها، ولا زوجاً يحترمها، ولا بيتاً تأوي إليه، لذلك اضطرت للعمل.. فماتت من الشقاء..
صرخ سوفان: اسكتي أنت.. من سمح لك بالكلام؟
صرخت: أنا أدافع عن ابنتي سامورا.. هذا حقي.. إنني أدافع عن كل النساء.. بكت سامورا وهي تنظر إلى أمها..
صرخ سوفان: ترفع الجلسة.. وتعاد المتهمة إلى السجن..
- 26 -
فوجئت سامورا بأخيها بورجيه يزورها في السجن.. همست له: أهلاً بأخي.. جلسا معاً على طاولة السجن متقابلين قال لها: منذ مدة وأنا أبحث عنك وأتابع أخبارك.. لقد أصبحت زعيمة عملاقة.. لكن..؟!
سألته: لكن ماذا؟! تابع بورجيه: أرى أنك قد تهورت.. إنك تحاولين المستحيل يا سامورا.. هل تظنين أن الرجال يتخلون عن مواقعهم بسهولة؟ّ زوجة واحدة؟! وأبناء لهم أعباء؟! ونفقات تدفع للزوجات؟! وسجن جنسي لا مخرج منه؟! وأجور عالية للعاملات؟! إن هذه الأمور كلها مستحيلة.. فلماذا تحاولين المستحيل؟!..
أجابته بحزم شديد: خير للنساء أن يمتن في سبيل حقوقهن من أن يمتن في ظل عبودية الرجل ألف ميتة ذليلة كل يوم. إن رأس كل شر هو أن ترضى المرأة بالعشيق يزانيها وتزانيه، هذا مخيف.. إنه ينتج اللقيط.. واليتيم.. وكره البيت.. وكره الزوجة، وبالتالي كره الأم والأب، وبالتالي مآسي المجتمع التي لا تنتهي.. أما علمت بما حدث ليلة العاصفة الثلجية؟!
أجابها: كيف تتصورين أن يعيش الرجال والنساء دون عشق.. ودون ممارسة لحريتهم وحريتهن دون قيود؟!.. الجنس ضرورة، وحصر المرأة برجل.. مستحيل.. إن لي عشر عشيقات، فكيف أقتصر على امرأة واحدة.. أجابته: حسناً ليكن لك زوجتان.. ليكن لك ثلاث زوجات.. تعيش معهن بمسؤولية، أما المتعة دون مسؤولية، وترك المرأة تتحمل العذاب وحدها، مع المجتمع، فهذا جريمة.. انظر إلى أسرتنا نحن يا بورجيه: أبوك مشرد وأنت مطرود، وأنا لا يهتم بي أهلي ولا يدفعون ثمن علاجي.. وأمك.. أتدري أين أمك يا بورجيه؟ أخيراً نبذها عشيقها، بعد أن سرق بيتها وأمتعتها.. وراحت هي تعمل كناسة في شوارع باريس تحت الثلج والمطر.. بعد أن أصبحت عجوزاً؟.. هل يرضيك هذا يا بورجيه؟! يجب أن تقف إلى جانبنا، أم تريد أن يكون ابنك معذباً مثلك.. هذا إذا اعترفت به.. ولم يتحول إلى لقيط أو يتيم..
وقف وقال: أتيت لأقنعك.. لكن يبدو أنه لا فائدة لك: تريدين أن تمنعي العشق يا سامورا.. والأنبياء أنفسهم كانوا عشاقاً.. أمسكت به وقالت له: لن أتركك حتى تخبرني من هم الأنبياء.. وكيف عشقوا؟! همس لها: خذي اقرئي هذا الكتاب.. وناولها كتاباً فتحته فوجدت عنوانه" "حياة محمد (صلى الله عليه وسلم)".
فأدارت ظهرها وهي تنظر إلى الكتاب.. وغفلت تماماً عن أخيها بورجيه.. الذي صاح بها: سامورا.. هل أزورك مرة أخرى؟!.. التفتت إليه، وودعته، ثم قالت: لو أتيتني بكتب عن الأديان التي تدرسها يا بورجيه، ثم ألا تشعر بالحنين نحو أمك وأبيك؟.. حك رأسه، وقال: لا أظن.. لقد ظلموني، ولا أشعر بالحنين نحوهما.. وغادر السجن.
- 27 -
لم تستطع سامورا أن تنام وهي تقرأ "حياة محمد" صلى الله عليه وسلم كانت تجد في كل صفحة مفاجأة مذهلة..
الرجل يدفع مهراً حتى يتزوج..
الزاني المتزوج يرجم بالحجارة حتى الموت..
الزوج ينفق على بيته وزوجه وأولاده..
الجنة تحت أقدام الأمهات..
بر الوالد والوالدة فرض..
رعاية الوالدين للأبناء فرض..
رعاية الأخ لأخته فرض..
الأخ ينفق على أخته وأمه وأبيه.
المرأة ترث.. وتتاجر بمالها..
لا مصافحة، لا غزل، لا خلوة، لا زنى، لا نظرة..
لباس المرأة يستر جسدها كله..
المرأة مثل الرجل في الحقوق.. وللرجل حق الرعاية وإدارة الأسرة..
كادت تصعق من هو المفاجأة. إن ما تنادي به، وما تموت من أجله موجود في دين محمد (صلى الله عليه وسلم) بصورة تفوق كل ما تسعى إليه..
أخبرت سوندا.. وأخبرت هامونيه.. وأخبرت كل السجينات.. وجدت بعض السجينات قد ثرن ضد "محمد" وكاد صف النساء يتشقق.. فتركت الحديث عن محمد (صلى الله عليه وسلم) لكنها استمرت تقرأ كل الكتب التي أتاها بها أخوها في الزيارات التالية عن الإسلام ومحمد (صلى الله عليه وسلم).
تابعت سيرته مع زوجاته فوجدته مثالاً للرعاية والحب والحنان..
آمنت بالإسلام.. وآمنت بمحمد (صلى الله عليه وسلم) لكن كيف تصبح مسلمة؟!.. لم تعرف.. ولم تشأ أن تفاتح بهذا أحداً..
آمنت معها سوندا، وآمنت هامونيه، لكنهن لم يعلمن عن إسلامهن شيئاً..
- 28 -
افتتحت المحكمة مرة أخرى.. وجلس سوفان كأنه يريد أن ينتقم.. لم يدع سامورا تتكلم بكلمة.. قال: حكمت المحكمة بسجن سامورا سنة كاملة لتحريضها على الفوضى.. ودعوتها إلى الإضراب، والإضرار بمصالح الناس..
لكن الأمور كانت تسير على غير رأيه.. هجم النساء على السجن.. ومزقن أوراق المحكمة، وأخرجن سامورا.. ورحن يهتفن: سامورا.. سامورا.. زوجاً لا عشيقاً.. ابنا لا لقيطاً.. حياة كريمة أو الموت.. أحاطت الشرطة بالنساء.. وحاولوا تفريقهن لكن دون جدوى.
وقفت سامورا وسط الجموع وصاحت: سأذهب إلى السجن لأمضي فيه عاماً، وبعدها سنلتقي، إننا لا نريد التخريب.. نريد حقوقنا.. أتوجه إلى الرجال وأقول: إن معركتنا لا يمكن أن تنتهي إلا بالحصول على حقوقنا كاملة.. وإلا فإنني أنذرهم..
صاح النساء وهن يبكين: سامورا.. سامورا..
هتفت: إن كنتن تحببن سامورا.. فلا تتنازلن عن حقوقكن..
زوجاً لا عشيقاً..
طفلاً حبيباً لا لقيطاً..
أباً وأماً وأختاً وأخاً في بيت واحد مكرّم..
وأقول:
على الرجل أن يدفع للمرأة مهراً.
وعلى الزاني أن يموت رجماً..
هاجت جموع النساء بالحماس.. وبكت العيون فرحاً وحزناً معاً..
صاح رجل: أريد زوجة وطفلاً.. أنا معكن.. أنا صاحب معمل جوارب.. سأعطي العاملات أجوراً مثل الرجال.. ولن يعملن أكثر من ثماني ساعات..
وهتف آخر: أنا نائب في البرلمان.. سأتقدم بقانون يحمل جميع طلباتكن..
بكت جموع النساء.. وصحن.. سامورا.. سامورا.. بينما كانت سامورا تتجه إلى السجن..
- 29 -
استمر البرلمان أحد عشر شهراً وهو يناقش اقتراح النائب موليه.
كانت البلاد كلها تتابع أخبار المناقشات، كانت وفود النساء تملأ البرلمان كل يوم.. والمظاهرات السلمية تملأ الشوارع، و سامورا من غرفتها داخل السجن تتابع وتوجه.. وانتهى العام..
وأحاطت ألوف النساء بالسجن، وحملن سامورا حينما خرجت، وأوصلتها إلى بيتها. كان جابون يبكي فرحاً لخروج سوندا، وتلقى بورجيه حبيبته هامونيه، وطلب منها الزواج، فقالت له: كم ستدفع مهراً؟! قال: ما تريدين يا هامونيه..
أجابته: غداً نلتقي في بيتنا..
فوجئت سامورا حين دخلت بيتها فرأت أباها يبكي، لقد أصبح عاجزاً، فرح بها جداً..
وعند منتصف الليل طُرق الباب، فقالت هامونيه: إنه روجيه لاشك، لكن سانيت الأم كانت هي التي تقف في الباب، ضمتها سامورا وهي تنادي: أمي.. أمي.. وبكتا بحرقة، دخلت الأم، فبكى الشيخ من الفرحة، قام لسانيت وصافحها: فقالت له: هل تقبلني زوجة بارّة؟ بكى من الفرح.
وطرق مرة أخرى، فدخل بورجيه. قال: أتيت أطلب الزواج بهامونيه. صعق حينما قالت له سامورا: بعد أن تصبح مسلماً باراً لأبيك وأمك يا بورجيه!! إن هامونيه مسلمة.. لا تتزوج إلا مسلماً.
ومضت الليلة كلها في حوار طويل شاق.. انتهى بإسلام سانيت وبورجيه وبيتان.. وتم زواج هامونيه..
كانت تلك الليلة هي آخر ليلة سعيدة في حياة سامورا..
- 30 -
أجمع البرلمان على رفض مشروع موليه، وصدّق على قانون معاكس يفرض على المرأة أن لا تمارس الإضراب، وأن لا تمارس أي حق سياسي، ورفض أي تعديل في وضع المرأة لمدة خمس سنوات على الأقل..
أحاط الشرطة ببيت سامورا، لكنها لم تكن فيه.. كانت في بيت أخيها بورجيه..
فلما عرفت لبست لباس رجل واختفت، وامتلأت شوارع فرنسا بالدعوة إلى الثورة ضد من يضطهدون المرأة ويريدونها عشيقة لا زوجة ولا أماً، ويريدون الولد لقيطاً أو يتيماً.. لا ابناً ولا يعرف حنان الأم والأب.
وارتجت فرنسا كلها حين أعلنت دوائر البوليس مقتل سامورا.. واشتعلت في البلاد ثورة لاهبة في سبيل تحري النساء.. فهل تصادف النجاح بعد سامورا..
لابد أن تنتصر ثورة النساء في العالم كله، لابد أن يحققن ما أعطاهن الله.. لابد أن يصبحن كما أراد الإسلام.. مكرمات.. محررات.. زوجات لا عشيقات.. أمهات لا خادمات.. مقدسات لا مهانات.. فمتى يتم لهن ذلك!!؟..
الهوامش:
(1) الحزمة من الصحف (لسان العرب جـ4).
النهاية