هذه ليست لاسامية… عباس قال الحقيقة

كان محقًا في طلبه من بريطانيا الاعتذار للفلسطينيين بسبب وعد بلفور

كان محقًا حول دور إسرائيل في خدمة الإمبريالية وطلبه من بريطانيا الاعتذار عن ظلم الفلسطينيين بسبب وعد بلفور. وهو شخص يدعو إلى السلام وعدم العنف لذلك هو يشكل خطرا على إسرائيل – المصدر).

الجوقة السعيدة تزعق مرة أخرى «محمود عباس»، علينا أن نرى الردود على خطابه من أجل أن نفهم إلى أية درجة تتحدث إسرائيل بصوت واحد وموحد بدرجة مخيفة، إلى أية درجة لم يعد فيها يمين أو يسار، ولا يوجد نقاش حقيقي ولا تعددية فكرية، فقط نغمة قوية عمياء تصم الآذان. من نداف ايال («خطاب هاذ يثير الاشمئزاز») وحتى ابن درور يميني («ايديولوجيا هاذية»، جميعهم تنافسوا على من يهاجم عباس أكثر. ولم يناقش أحد أقواله، فهو شتم دونالد ترامب، فارس الأقوال الرقيقة «يخرب بيتك»، الإسرائيليون ذوو الآذان الرقيقة صدموا. فقد قال كولونيالية، الإسرائيليون صرخوا «لاسامية». ولم يقل أحد ما الذي كان غير صحيح في خطابه وما هو اللاسامي فيه. ربما باستثناء «الأسطول الهولندي الذي جلب اليهود إلى هنا»، فإن عباس قال الحقيقة. وهذه الحقيقة يصعب هضمها. إسرائيل اختارت الزعق، هذه هي الحال عندما لا توجد إجابات.

عباس قال إن اتفاق أوسلو انتهى، وما الذي بقي منه بعد عشرين سنة تقريبا عن الموعد الذي كان يجب فيه توقيع الاتفاق النهائي؟ إسرائيل فعلت كل ما في استطاعتها لإفشاله، كل جندي يدهم كل ليلة مناطق (أ) يخرب الاتفاق، وكل سجين بقي في السجن منذ ما قبل أوسلو هو خرق له. إن الحكومة الحالية ومؤيديها عارضوا أوسلو، والآن يشعرون أنهم تضرروا عندما قال عباس إنه انتهى؟ إنه يقول الحقيقة.

«نحن لن نوافق بعد ذلك على الرعاية الأمريكية». هل بقي لديه أي خيار؟ هل يجب عليه إمالة رأسه للصفعة المدوية؟ أو يركع أمام من يتجاهل الاحتلال؟.

ألم يقل محمود عباس الحقيقة عندما احتج على الادعاء الهستيري لترامب، أن الفلسطينيين أفشلوا الاتفاق؟ دولة عظمى تعاقب الواقع تحت الاحتلال بدل أن تعاقب المحتل، هذا أمر غريب. بدل التوقف عن تمويل الاحتلال وتسليحه، تقوم الولايات المتحدة بوقف تدفق الاموال إلى منظمة لإغاثة اللاجئين الواقعين تحت الاحتلال. هذا جنون. عباس رد بتروٍ. السفيرة نيكي هيلي والسفير دافيد فريدمان هما أصدقاء للاحتلال وأعداء للقانون الدُّولي. كيف يمكن تعريف غريبي الأطوار هذين بصورة أخرى؟.

ولكن أساس الصدمة هو أن عباس مس الأعصاب الحساسة جدا للإسرائيليين ووصف الصهيونية كجزء من مشروع كولونيالي. ما هو غير الصحيح في ذلك؟ عندما تقوم كولونيالية متهاوية بالتعهد بإعطاء أرض لا تسيطر عليها لشعب أغلبيته المطلقة لا تعيش فيها وتتجاهل الشعب الذي يعيش فيها ـ فماذا يكون هذا إذا لم يكن كولونيالية؟ عندما يتم التعهد بإعطاء أكثر من نصف الأرض لأقل من عشر السكان فيها، فماذا يسمى هذا إذا لم يكن ظلما فادحا؟.

يصعب سماع ذلك، لكن هذه هي الحقيقة. إن تصريح بلفور لا يمكن تسميته باسم آخر. وما هو الأمر الأصح من الطلب من البريطانيين الاعتذار عنه والوقوف الآن إلى جانب الفلسطينيين بعد كل سنوات استغلالهم، التي بدأت مع بلفور وهي تستمر إلى الآن؟ إن إقامة دولة إسرائيل خدمت الغرب الامبريالي. عباس محق. فإسرائيل تعتبر الموقع الغربي الأخير أمام المتوحشين العرب، مثلما اعتبر نظام الأبرتهايد في جنوب أفريقيا من قبل الغرب نفسه موقعا أخيرا أمام الشيوعية والسود.

بعد ذلك جاءت الكارثة وتحولت إسرائيل إلى ملجأ صادق، لكنه كان على حساب الفلسطينيين. كان يجب على المجتمع الدُّولي تعويضهم من خلال تحريرهم من احتلال 1967 ومنحهم حقوقا متساوية أو دولة. عن ذلك تحدث محمود عباس.

محمود عباس بعيد عن أن يكون سياسيا كاملا. فهو ليس ديمقراطيا وغير محبوب وربما فاسد، وبالتأكيد هو متعصب بتمسكه بحل الدولتين الميت ـ لكنه السياسي الفلسطيني الأكثر حبا للسلام وعدم العنف الذي يمكن تصوره. لذلك هو شخص خطير جدا على إسرائيل، ولهذا فقد احتفل نتنياهو بخطابه ومعه الجوقة الوطنية. إسرائيل أرادت أن يكون الجميع هم يحيى السنوار. فهكذا سيصبح الاحتلال أكثر راحة.

وسوم: العدد 756