نصائح أب

لم يَعُد الابن يطيق العيش في منزل والده، وكان يعد الأيام بل الساعات التي يحصل فيها على عمل ليستقل في عمله وبيته ويتخلص إلى الأبد من تذمر والده وتوجيهاته المستمرة.

لم غادرت الغرفة دون ان تطفيء  المروحة؟

" التلفزيون شَغَّال ولا يوجد هناك أحد في الغرفة ...... هلا أطفأته"

"أعِدْالقلم الذي سقط إلى مكانه"

لم يعجب الابن تذمر والده المستمر من اهماله وملاحظاته البسيطة المتكررة ، وكان يفكر دوما ترى الى متى عليه ان يتحمل توجيهاته التي اصبحت تثقل كاهله؟.

لا بأس سيرغم نفسه على تحمل توجيهات والده رغم مرارتها هذا اليوم فقط.

ففي هذا اليوم سيذهب لحضور مقابلة شخصية مهمة للحصول على عمل.

وكان يحدث نفسه "بمجرد أن أحصل على هذه الوظيفة، سأغادر هذه المدينة، ولن يكون هناك أي إزعاج من والدي بعد اليوم.

وبينما كان على وشك المغادرة لحضور المقابلة الشخصية، كان والده في وداعه قائلاً له بحنان:

يا ولدي "أجب على كل الأسئلة التي تُطْرَح عليك دون أي تردد. حتى إذا كنت لا تعرف الإجابة، وقُلْ ذلك بثقة " 

ومن ثم قام بإعطائه نقوداً أكثر مما يحتاج إليه فعلاً للذهاب لحضور هذه المقابلة.

وصل الأبن إلى المكان المخصص للمقابلة فلاحظ أنه لا يوجد أي حرس أو أمن عند البوابة رغم أن الباب كان مفتوحاً،

لاحظ أيضا أن المزلاج كان بارزاً وغالباً ما سيصيب الأشخاص الذين سيدخلون من الباب بأذى. فقام بإعادة المزلاج إلى وضعه الطبيعي، وأغلق الباب ودخل المكتب.

على جانبي الممر، رأى نباتات ذات زهور جميلة. إلا إن البستاني ترك الماء يتدفق من الانبوب بغزارة ليطفح على الطريق وقد غاب البستاني عن المكان.

لم يستطع ان يمر دون ان يرفع الانبوب ويضعه في حوض أحد النباتات وليستمر في السير.

لم يكن هناك أحد في الاستقبال. ومع ذلك، كانت هناك لافتة تشير إلى ان المقابلة في الطابق الأول. فصعد الدَرَج ببطء. ليرى ان النور المُضَاء من الليلة الماضية لا يزال مضاءا عند الساعة العاشرة صباحاً.

تذكر حينها عتاب أبيه الدائم له، "لماذا غادرت الغرفة دون أن تطفيء الأنوار؟"، وما زال صوته يتردد على مسامعه إلى الآن. وبالرغم من شعوره بالضيق من هذه الذكرى، إلا أنه لم يستطع أن يقاوم ما اعتاد عليه فبحث عن المفتاح الكهربائي وأطفأ النور.

في قاعة كبيرة بالطابق العلوي رأى العديد من الشباب المتقدمين للوظيفة يجلسون في انتظار دورهم.

تفرس في وجوه الحضور وأحصى عددهم وتساءل عما إذا كانت لديه أي فرصة للحصول على هذه الوظيفة.

دخل القاعة ببعض التردد والخوف ووَطِئ لوحة"الترحيب" الموضوعة بالقرب من الباب. فلاحظ أن اللوحة كانت مقلوبة. فعدلها مع بعض السخط، ( الطبع غَلَب على التَّطَبُّع ).

تقدم ليرى أن أغلب الأشخاص الذين حضروا انتظارا لدورهم قد تركز جلوسهم في صفوف قليلة في الأمام، بينما كانت الصفوف الخلفية فارغة تماما، 

ورأى أيضا عدداً من المراوح وهي تعمل فوق تلك الصفوف من المقاعد الخالية في الخلف.

عندها تناهى إلى سمعه صوت والده مرة أخرى يوقظ ذاكرته، "لماذا كل هذه المراوح تعمل في المكان الذي لا يوجد فيه أحد؟"

وقبل ان يجلس قام بإطفاء المراوح التي لم تكن هناك حاجة إليها وجلس على أحد الكراسي الفارغة بتثاقل.

كان يجول ببصره ويراقب المكان ليرى العديد من الأشخاص  يدخلون إلى غرفة المقابلة ويغادرونها على الفور من باب آخر.

وبالتالي لم يكن هناك أي طريقة يمكن أن يخمن بها ما تم طرحه في المقابلة من أسئلة.

وسرعان ما جاء دوره، فذهب ووقف أمام الشخص الذي يُجري المقابلة بشيء من الخوف والقلق والحذر.

أخذ المسؤول الشهادات منه وبدون أن ينظر إليها سأله: "متى يمكنك ان تبدأ العمل؟"

تساءل في نفسه، " ترى هل هذا سؤال خداعي يتم طرحه عادة في المقابلة، أم هذه دلالة على أنني قد مُنِحْتُ هذه الوظيفة؟" وكان مرتبكاً للغاية.

قطع صمته المسؤول قائلا "فِيْمَ تفكر؟" ودون ان ينتظر إجابته تابع حديثه قائلا: "لم نطرح أي سؤال على أي شخص هنا".

فنحن ندرك أننا لن نتمكن من تقييم مهارات أي شخص من المتقدمين بدقة من خلال طرح بعض الأسئلة،

لذلك كان اختبارنا قائما بالأصل على  تقييم تَصَرُّفات كل شخص وردود فعله .

وعليه صممنا اختبارات معينة على أساس سلوك المتقدمين للوظيفة وراقبنا الجميع من خلال كاميرات المراقبة.

وأضاف المسؤول قائلاً: "لم يفعل أي شخص جاء اليوم أي شيء لضبط مزلاج الباب، أو أنبوب المياه المنساب بإهمال، أو لوحة الترحيب المقلوبة، أو المراوح والأنوار المشغلة، وكُنْتَ أنت الشخص الوحيد الذي فعل ذلك. وهذا هو السبب الذي جعلنا نقرر اختيارك لهذه الوظيفة".

اسقط في يده ودارت في مخيلته الذكريات بسرعة البرق فقد اعتاد دائماً أن يغضب من انضباط وتنبيه والده له.

إلا إنه أدرك الآن أن هذا الانضباط الذي اعتاد عليه وتلك الملاحظات البسيطة التي كانت تستفزه وكان يتحفه بها والده هي فقط التي ساعدته في الحصول على هذه الوظيفة. 

هذه اللحظات الغنية بالمشاعر المختلطة كانت كافية لمسح تراكمات السنين ولتزيل كل سخط وغضب كان ينتابه على والده تماماً. 

عندها قرر أنه وبكل فخر سَيُحْضِر والِدَه معه إلى مكان عمله، 

غادر المكان مسرعا إلى المنزل تغمره سعادةٍ ما بعدها سعادة وهو يمني نفسه أن ينعم بضمة دافئة من والده لعلها تصحح كل المفاهيم الخاطئة التي كانت تعصف بذهنه المتعب الصغير.

تأكدوا يا أبنائي وبناتي أن كل ملاحظات أباءنا وما يقولوه لنا هو نابع من محبتهم لنا ومن أجل مصلحتنا وليضمنوا لنا مستقبلاً زاهراً يسعدنا.

وسوم: العدد 769