لم تقبل الدول المستكبرة أن تنافسها الدول المستضعفة في مجرد اللعب فما بالها إذا أرادت منافستها في الجد ؟
لم يكن أحد يتوقع أن يميط مونديال موسكو القناع عن حقيقة تعامل ما يسمى بالعالم المتقدم مع ما يسمى بالعالم الثالث ، ذلك أن الفيفا وهي الهيئة الدولية المشرفة على تنظيم هذه التظاهرة الرياضية العالمية تأكد بالملموس أنها أداة بيد العالم الغربي المستبد بسكان المعمور بواسطة قراراته الجائرة والمجحفة ، وهو عالم رأسمالي شرس لا تحكمه إلا المصالح المادية ، ولا قيم له كما تزعق بذلك أبواق دعايته التي تخدع المغفلين والسذج . إنه عالم كما صرح علانية أشرس حكامه حين غزا العراق بالقول : لا صداقات له ولا عداوات دائمة ،وإنما له مصالح دائمة ،وهي مصالح عالم جائر يحكمه الجشع الذي لا شبع معه .
لقد سقط قناع الفيفا، وتأكد ما كان معروفا عنها منذ زمن بعيد عند ذوي الوعي، ذلك أنها عبارة عن كازينو كباقي كازينوهات القمار تقامر بلعبة كرة القدم ،الرياضة الأكثر انتشارا في العالم والأكثر شعبية ، والتي كان من المفروض أن تسهم في تخليق الأمم وردم الفوارق بينها من خلال إقناع المستكبرة في الأرض منها بتغيير نظرتها ومواقفها من المستضعفة .
وخلافا لما تصرح به الأمم المستكبرة بخصوص هذه اللعبة من أنها وسيلة من وسائل التقارب بين شعوب المعمور، ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الحقيقة غير ذلك حيث كشف واقع المونديال الحالي أن تلك الأمم إنما تستخدمها كشكل من أشكال التمييز بحيث يتم التخطيط لإقصاء فرق الدول المستضعفة لتبقى فرق الدول المستكبرة وحدها هي صانعة المونديال، لأن الأمر لا يتعلق بممارسة رياضية بل بمقامرة تجنى من ورائها الأرباح كباقي المقامرات التي يموه عليها بأسماء شركات ومؤسسات وهيئات ...عالمية هي بيد كبار المقامرين من مصاصي دماء الشعوب المستضعفة .
ولقد تولت الفيفا، وهي الوكيل المقامرللدول المستكبرة طبخ مؤامرة ضد الدول المستضعفة لتمر المقامرة وفق الأجندة التي وضعتها الدول المستكبرة حيث داست على قواعد لعبة كرة القدم في الوقت الذي روجت فيه لإدخال التكنولوجيا في إدارة المقابلات الكروية ، وعليها ينطبق القول القائل : " المبالغة في الحرص على الأمانة دليل على الخيانة " . وهكذا سخرت الفيفا من فرق الدول المستضعفة التي لم تتأهل للمونديال إلا بشق الأنفس عسى أن تدخل بعض الفرح على نفوس شعوبها المقهورة والمغلوب على أمرها بفوز لن يغير شيئا من بؤسها وتعاستها بسبب طغيان واستبداد الدول المستكبرة . واستخدمت الفيفا تقنية الكاميرات في التحكيم ، وكان استخداما مثيرا للسخرية تستفيد منه فرق الدول المستكبرة ، وبعض الفرق ذات النجوم المدر وجودها للربح ، ولا حظ فيها لفرق الدول المستضعفة. وتغيرت قواعد اللعبة فصارت ضربات الجزاء لا تحتسب إذا كانت في مربع عمليات فرق الدول المستكبرة ، كما صارت البطاقات الصفراء حكرا على لاعبي فرق الدول المستضعفة ، وينزه عنها لاعبو فرق الدول المستكبرة . وتلوح الفيفا بالعقوبات ضد كل من ينتقدها ، وتحاول التمويه على حقيقة طبخة القمار التي أعدتها من خلال ادعاء نزاهة وموضوعية وحرفية التحكيم حتى وإن طلب الحكام قمصان بعض نجوم اللعبة المتصببة عرقا ، ومن يدري ربما يكون الدافع وراء ذلك هو بيعها في المزاد العلني بعد حين، وهي صفقة من صفقات القمار الذي تمارسه الفيفا على نطاق واسع . ألم تتحدث الأخبار يوما عن أحد سفهاء دول البترول الذي دفع مبلغا خياليا مقابل الحصول على تبان منتن للاعبة تينس ؟
وإذا كان هذا هو حال الدول المستكبرة مع الدول المستضعفة في اللعب ، فكيف سيكون حالها حين يتعلق الأمر بالجد إذا ما فكرت هذه الدول المستضعفة مثلا في دخول المنافسة في المجالات العلمية والتكنولوجية والصناعية... ؟ لا شك أن المنافسة في هذه المجالات ستتولى فيها دور إقصاء الدول المستضعفة فيفا من نوع آخر لها حكامها الجائرون على غرار حكام فيفا المونديال ليبقى اللعب في تلك المجالات محصورا في الدول المستكبرة ، ولتمتص دماء الشعوب المستضعفة .
ألم ينزل رئيس أكبر دولة مستكبرة في العالم بثقله ليحتضن مونديال 2026، وهو ينافس بلدنا المغرب المستضعف ، وهدد من أجل ذلك بمعاقبة من لا يصوت معه، فانصاعت له أنظمة بلدان كنا نعدها شقيقة وصديقة يا حسرتاه . ولم يكن وراء إصرار الرئيس الأمريكي على احتضان هذا المونديال سوى حصة القمار التي تدر عليه أموالا لا يبالي كيف يجمعها ، وقد حصل منها على مبالغ خيالية من دول النفط العربية تحت طائلة التهديد كما يفعل اللصوص وقطاع الطرق الذين يعترضون السابلة ويسلبونهم أموالهم وأمتعتهم .
ألم يكن الأجدر بالدول المستكبرة ،وهي التي تدعي الحضارة والدفاع عن الشعوب المستضعفة ، والدفاع عن الحريات عن وحقوق الإنسان ... أن تحرص على تنظيم المونديالات في الدول المستضعفة عسى أن تسهم مداخيلها في التخفيف من بعض ما تعانيه شعوبها من فقر وبطالة ومرض وتخلف وويلات ...؟
و الذي يحز في النفس ، والمؤسف جدا بل المحزن جدا أنه لا زال في الدول المستضعفة من يثق في حضارة الدول المستكبرة ، ويشيد بقيمها الزائفة ، بل ويسبح بحمدها ، وهي لم تسمح حتى بمجرد منافستها في اللعب بله في الجد . فمتى سيفيق المغفلون في البلدان المستضعفة من غفلتهم، ويعلموا أنهم كالأيتام في مأدبة اللئام؟
وسوم: العدد 778