من الطبيعي أن يختلف المغاربة طرائق قددا في أمور شتى لكن طريقتهم في حب الوطن والإخلاص له واحدة ووحيدة

عادت قضية الريف إلى الواجهة من جديد بعد نطق المحكمة بأحكامها التي اختلفت ردود الأفعال حولها حيث اعتبرها البعض قاسية ،بينما اعتبرها البعض الآخر عادية . وحاولت عدة  جهات  مغرضة المتاجرة بها إعلاميا لتحقيق مكاسب  حزبية  وطائفية بل  أكثر من ذلك حشرت جهات خارجية أنفها فيها كما هو الشأن بالنسبة لدولة هولندا التي استدعى المغرب سفيرتها للمساءلة وربما للاحتجاج أيضا .

وغلبت على  الحديث عن هذه القضية لدى البعض لغة العاطفة  المندفعة  بسبب ما اعتبر ثقل الأحكام الصادرة عن المحكمة ، بينما طبعت حديث البعض الآخر لغة القانون الخالية من المسحة العاطفية ، حيث انتقد أصحاب هذه الأخيرة الاندفاع العاطفي في اعتبار الأحكام قاسية دون علم بالقضاء الذي من اختصاصه تقييم طبيعة الأحكام الصادرة في  حق مجموعة الريف حسب ما نسب إليها من مخالفات .

واشتد الخلاف إعلاميا  بين المتعاطفين معهم الذين يرون أن حراكهم كان سلميا ولم تكن خلفيته سوى مطالب اجتماعية مشروعة  وبين المدافعين عن استقلالية وحرفية القضاء الذي كانت له وجهة نظر مخالفة بخصوص خلفية الحراك ، وبخصوص طبيعته أو شكله أو أسلوبه وذلك باعتبار ما ترتب عنه من ضحايا وخسائر.

ومعلوم أن الرأي العام المغربي قد تعاطف مع حراك الريف حين كان سلميا، وكانت مطالبه اجتماعية صرفة ، لكن حينما شابته بعض الشوائب من قبيل رفع أعلام أو بالأحرى خرق ذات دلالات انفصالية أو طائفية أو عرقية ،فتر هذا التعاطف ، وازداد فتوره لما راجت أخبار عن وجود صلات مشبوهة بين بعض المعتقلين و بين جهات خارجية معادية لوحدتنا الترابية التي تعتبر خطا أحمر غير قابل للاختراق أو التجاوز.

 ولئن صحت تلك الأخبار، وبرئت الفيديوهات المتداولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي من الفبركة ، والتي كشفت بعضها عن  صلات مشبوهة  كما يعتقد البعض، فإن التعاطف مع أصحابها لا مبرر له بل سيكون مشاركة في خيانة عظمى.

 وإلى أن يقضي القضاء  والشرع على حد سواء في مشروعية اعتماد الفيديوهات التي يحتمل أن تكون مشوبة بعيب الفبرك التي هي في حكم الزور والبهتان ، فإنه  ينسحب عليها الحكم بالفسوق الموجب للتبيّن حتى لا يصاب أحد بجهالة ويصبح الذين اعتمدوها على ما فعلوا نادمين  .

وقد يختلف المغاربة طرائق قددا في شتى الأمور من بينها ما حدث في الريف من أحداث باختلاف الرؤى والأهواء والميول والعلاقات ، ولكن طريقتهم في حب الوطن والإخلاص فيه ليست سوى واحدة ووحيدة .

وقد تلتمس الأعذار لمن أدينوا بالشغب حسب  تصريحات واعتبارات القضاء ، وقد يسامح من تضرر  بالاعتداء أو الخسارة، لكن لا عذر لمن قصد بقول أو فعل أو إشارة المساس بسيادة الوطن أو وحدته أو وحدة لحمة أبنائه ، أو أشار تصريحا أو تلميحا إلى الانفصال الذي هو عقوق وخيانة عظمى لا تغتفر .

ومن أراد أن يثبت براءته التامة  من هذا العقوق أو هذه الخيانة العظمى فعليه أن يعبر عن توبته وندمه على ما كان منه، وألا يعود أبدا للحديث عن وجود كيان منفصل  داخل كيان الوطن الأم ، وألا يرفع خرقا تكرس فكرة الانفصال والطائفية والقبلية ،وأن يلتزم برفع علم وطني حوله إجماع الشعب  بكل فئاته المتساوية كأسنان المشط  والتي لا تمايز بينها ،ولا فضل لواحدة على أخرى باعتبار العرق أو اللسان أو غير ذلك مما يتنافى مع الوطنية .

ومما يحز في النفس أن بعض التعليقات على ما كتبه بعض المتاجرين  عن قضية الريف عمدت إلى إثارة النعرات الطائفية والعرقية في وطن اختلطت فيه  فصائل الدماء منذ قرون، ولا يستطيع اليوم أي مغربي  مهما كان أن ينفي اختلاطها في عروقه أو يدعي ذلك، وقد قال الأقدمون الفروج ليس عليها أقفال ، ولذلك  تختلط حتما الدماء نكاحا أو سفاحا .

وأخيرا نأمل أن يكون الوطن غفورا رحيما  إذا ثبت أن معتقلي الريف  قد عقّوا بالفعل وطنهم ثم أعلنوا توبتهم توبة نصوحا ، وقد سبق  فتح باب هذا العفو  من قبل في وجه من غرر بهم من أهلنا في الصحراء . أما العقوبات المترتبة عما اعتبره القضاء شغبا واعتداء على الغير و على الممتلكات، فيهون أمره ما دامت لا تقدح في صدق وطنية من أدينوا ، وقد يأتي العفو والتنازل  عن رحمة وطيب خاطر ممن تضرروا، وهو أمر من عادة القضاء أن  يأخذه  بعين الاعتبار .

وسوم: العدد 779