كيف تقوم حكومة الولايات المتحدة بإسقاط عملة أي دولة في العالم وكيف تتحكم بسعر صرف العملات؟
مهما قمت بعملية بحث عبر الإنترنت, كيف تقوم حكومة الولايات المتحدة بإسقاط سعر عملة اي دولة مثلا الليرة التركية أو العملة الإيرانية أو أي عملة أمام الدولار؟ هذا سؤال لن تجد تفسير واضح وبيين مهما بحثت، لكن للإجابة على هذا السؤال علينا أن نعرف، أولا: من يتحكم بسعر الصرف للعملات، وكيف يقوم بذلك؟، وثانياً يجب ان نعرف كيف يعمل سوق العملات؟
لمعرفة ذلك يجب أن نعرف أن هنالك مؤثرين حقيقيين على سوق العملات ينقسمان إلى مؤثر رئيسي والآخر ثانوي:
الأول وهو المؤثر الرئيسي ويسمى ب Market Players وهو يعتبر أهم لاعبي أو صانعي السوق المالية والإقتصادية للحكومات والبنوك المركزية في الدول الكبرى " العظمى " وتتسلسل قوتهم بالترتيب:
1- حكومة الولايات المتحدة - البنك المركزي الأمريكي - أو ما يعرف ب Federal reserve
2- الإتحاد الأوروبي - البنك المركزي الأوروبي أو ما يعرف ب ECB
3- المملكة المتحدة - البنك المركزي الإنجليزي أو ما يعرف ب Bank of England
فهؤلاء هم اللاعبين الرئيسيين في السوق الإقتصادي العالمي ويتحكمون ب 70% إلى 80% من حركة السوق.
أما أقوى لاعب في هؤلاء هو الولايات المتحدة فوحدها قادرة على التحكم ب 50% من حركة السوق العالمي وبما أن جميع اللاعبين الكبار حلفاء لواشنطن إذآ الولايات المتحدة هي اللاعب رقم واحد في العالم وهي من يتحكم بالسوق من الالف الى الياء.
بلإضافة إلى أن هنالك بنوك عالمية كبرى ومؤسسات مصرفية عملاقة ، وهي رديفة للبنوك المركزية أي أنها تعمل بالظل حسب حركة البنوك المركزية مثل : جي بي مورغان شيس و باركليز بانك وغيرهما.
هذة البنوك قوية ومؤثرة على السوق لكنها لا تتحرك من تلقاء نفسها بل تسير خلف البنوك المركزية العالمية آنفة الذكر.
ثانيا: وهم المضاربون The Speculators
وتاثير هؤلاء عادة يتراوح بين 10% الى 30% كاقصى حد على حركة السوق العالمية وهؤلاء لا يتحكمون في حركة السوق وفي الأغلب ينتظرون السوق حتى تحركها القوى الكبرى " العظمى " ثم يركبون الموجه السائدة و يدفعونها إلى الأمام.
الأن كيف يعمل السوق العالمي للمال؟
هنالك حركتين يتضح من خلالهما عمل السوق العالمي: الأولى: حركة طبيعية ، والثانية: حركة غير طبيعية أي مصطنعة وعادة الدول الثلاث السابق ذكرها هي وحدها من يستطيع القيام بذلك.
أولا الحركة الطبيعية:
وهي تنتج عن القرارات الإقتصادية للدولة والتى تكون عادة لحل مشاكلها الداخلية أو أزماتها الداخلية ، كقيام بعض البنوك المركزية برفع أو خفض الفائدة لحل أزمة مالية أو إقتصادية فإن هذا الحدث يؤثر على حركة السوق.
أيضا بالإضافة إلى الكوارث الطبيعية والتي تلعب دورا هاما في حركة السوق وكذلك الأزمات السياسية حسب الضرر المتوقع حدوثة نتيجة هذة الأزمات ( الحروب ) أو الكوارث الطبيعية.
ونستطيع أن نلخص الحركة الطبيعية بمصطلح " العرض والطلب ".
ثانيا الحركة الغير طبيعية:
وهي تتكون نتيجة للمؤامرت أو المكائد السياسية التي تقوم بها الدول الكبرى " العظمى " مثل: الولايات المتحدة الإتحاد الأوروبي وبريطانبا.
الإتحاد الأوروبي وبريطانيا عادة يكون تاثيرهما محدود نسبيا بعملة تلك الدول ، مثال على ذلك : ماحدث في أوائل عام 2013 ، حيث قامت المخابرات البريطانية MI6 بلعبة من خلف الكواليس إستطاعت من خلالها أن تجبر البنك المركزي الإنجليزي BoE على تخفيض سعر صرف الجنية الإسترليني " الباوند " مما أدى إلى هبوطه أمام الدولار أكثر من 1500 نقطة خلال بضعة أسابيع...
أما اللاعب الخطير والمخيف والقادر على التحكم بالسوق العالمي كاملا وتحريكه كيفما يشاء هي حكومة الولايات المتحدة ؛ السؤال الذي يطرح نفسه كيف تستطيع حكومة الولايات المتحدة أن تقوم بهذا التلاعب ؟؟؟؟؟؟
الإجابة : تقوم الولايات المتحدة بهذا التلاعب من خلال الآتي :
1- تفتعل الولايات المتحدة مشكلة، مثل ما يحصل حاليا مع تركيا، ومن ثم يخرج الرئيس الأمريكي ويوجه تهديداته أو يقوم بإجراءات إقتصادية حازمة ضد تلك الدول أو الدولة ليعطي إنطباع عن مشكلة إقتصادية مستقبلية ستحصل في ذلك البلد.
2- يدخل البنك المركزي الامريكي مباشرة على الخط ، بعد ذلك ويقوم مثلا بشراء الدولار الأمريكي أمام تلك العملة للبلد الذي سبق تهديده بكميات كبيرة جدا ، وبعد ان يتحرك السوق تركب البنوك الرديفة العملاقة الموجة وتقوم بدفع السوق إلى المزيد من الحركة , كذلك نفس الأمر يحصل مع المضاربين.
وهذا بالتحديد ما حصل مع تركيا، بعد إعلان ترامب رفع الضرائب على واردات أمريكا من تركيا من الصلب و الألمنيوم، قام البنك المركزي الأمريكي بعمليات شراء كبيرة للدولار الامريكي أمام الليرة التركية.
وحسب ما تحدث به العديد من الخبراء الإقتصاديين في بورصة نيويورك ، ومقدار حجم التداول الذي تم على الدولار$ مقابل الليرة التركية يوم الجمعة الماضية حيث
بلغ تقريبا 2 ترليون دولار علما أن حجم التداول اليومي في سوق العملات يتراوح بين 5 إلى 6 ترليون دولار أمريكي يوميا.
أي أن مقدار حجم صفقات بيع الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي كانت ب 2 ترليون دولار تقريبا أي بنسبة 1/3 ثلث حجم التادول اليومي ويعتبر هذا هو سبب السقوط الكبير الذي أصاب العملة التركية.
وهنا سؤال مهم يطرح نفسه ؟
كيف تستطيع حكومة الولايات المتحدة القيام بذلك؟ وبالتالي فهي بحاجة الى سيولة كبيرة جدا؟
الإجابة: السيولة موجودة دائما؟ ولا يوجد اي مشكلة في هذا الجانب؟
هل تعلمون السبب؟
لأن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة في العالم التي تقوم بإصدار وطبع عملتها $ الدولار بدون إحتياط (ذهب) وبدون حسيب أو رقيب؟ ، لذلك فهم يمتلكون كميات كبيرة من الكاش أو النقد..
أي أنهم يتحكمون بإقتصاديات دول العالم ويسرقون جميع معادنهم بالتحديد الذهب والنفط مواردهم وتعبهم بأوراق مالية ( عملة ) وهمية لا قيمة له حتى أن القيمة الفعلية له أقل من قيمة ورق ال A4 وهذة هي القيمة الحقيقية للدولار$ الأمريكي.
فهذه الطريقة التى جعلتهم يستطيعون أن يتحكمون بالدول الأخرى من خلال:
تخويف الآخرين من خلال التهديدات التي يلقيها الرئيس الأمريكي مثل ترامب، بفرض عقوبات الغرض منها يعني من يتعامل مع الطرف الفلاني فهو ضدنا.
والطريقة الأخرى : التلاعب بأسعار العملات من خلال السوق العالمي ، تمتلك سيولة كبيرة جدا لأنها تقوم بطبع عملتها من الدولار بدون حسيب أو رقيب وبدون أي إحتياطيات " وديعة " من الذهب في صندق النقد الدولي ومن خلال هذة السيولة التي ليس عليها أي رقابة أو حساب استطاعت أن تتحكم بسعر أي عملة في العالم ...وهذا هو ما حصل مع تركيا من الالف الى الياء... والذي أدى إلى إنخفاض القوة الشرائية لليرة التركية وهبوط سعرها فهو ليس له أي علاقة بالإقتصاد التركي وإنما هو عملية بلطجة مالية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية لكي تتمكن من لي ذراع جمهورية تركيا فقط لاغير.
و مثال على هذا ماقامت به الولايات المتحدة في عام 2008م والذي أدى إلى حصول الأزمة العالمية، حيث قامت الولايات المتحدة الأمريكية بطبع 3 ترليون دولار$ تقريبا وضخها كسيولة إلى السوق العالمية بدون أن تقدم أي إحتياطي "وديعة" من الذهب لصندوق النقد الدولي، بحجة منع تدهور الأسواق العالمية!
بالتالي فإن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية عندما تحتاج إلى سيولة نقدية في عملتها الدولار فإنها سوف تفتعل أي مشكلة مع أي دولة وتلقي تهديداتها ومن ثم تقوم بالإصدار والطباعة المجانية لأوراق نقدية إضافية من عملتها الدولار بكميات هائلة وبدون احتياطيات بعذر منع تدهور السوق العالمي والذي ينتج عنه إنهيار إقتصادي للعديد من الدول بالتحديد في دول العالم الثالث.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د. منذر عبدالله القحيط - أستاذ المنشآت النفطية والمحاسبة الدولية والإدارية، باحث في مجال المحاسبة والموازنات والمعايير الدولية وفقا للقضاء الدولي.
وسوم: العدد 789