إدلب: نهايةُ أزمة، أَمْ بدايةُ مسار؟
يذهب النقاشُ حول إدلب في اتجاهين، إذْ يصرُّ أصحاب الأول على أن إدلب قادمة لا محالة على مصير محفوف بالمخاطر، و أنّ عملية عسكرية تحشد لها دمشق مع القوات الموالية لها، ستعيدها إلى حضن الوطن لا محالة، و ذلك اندفاعًا من حالة الانتشاء التي يعيشونها بعد درعا، و هي العملية التي بات الحديث عنها حديث الساسة، و الوسائل الإعلامية بعمومها، و جعلت جلّ الدول المعنية بالملف السوريّ تحذر من تداعياتها، و نتائجها الكارثية، سواء على أربعة ملايين تقطنها، أو على المنطقة، وصولاً إلى العمق الأوربيّ.
و ملاحظٌ أنّها لا تحظى بالدعم الروسيّ؛ الأمر الذي جعلها تتعثّر في أكثر من محطة، و حمل النظامَ و إيران على إعطائها صخبًا إعلاميًا، على خلاف سابقاتها في المناطق الأخرى، و ذلك نظرًا لتراجع القدرة لديهما على الحسم من دون غطاء جويّ روسيّ، و لتفوّق الفصائل في التعبئة الميدانية عليهما، و هو ما جعل أطرافًا عدّة توصل رسائل إلى دمشق، ألاَّ تقدم على معركة قد تسلبها مكاسب حصَّلها في درعا، بمعية الحليف الروسيّ.
و ملاحظٌ أخذُ دمشق بهذه النصائح، فقد انخفضت حدّة التصريحات التي أطلقها الوزير " و ليد المعلِّم "، قبل ذهابه إلى موسكو، التي يبدو أنّه تيقن في أثناء زيارتها، عقب زيارة وزير الدفاع الإيراني " أمير حاتمي " في: 26/ 8/ الفائت، أنّ روسيا لن تمضي مع حليفيها في رغبتهما بالهجوم على إدلب؛ فأخذت حدة التصريحات تخفّ بشكل تدريجيّ، لدرجة حملت الوزير " المعلِّم "، على التمنّي على تركيا أن تضع في حسبانها أنّ " إدلب " محافظة سورية، و أنّه ليس في وارد دمشق أن تصطدم مع الأتراك، و أنّ العملية العسكرية مرجأة إلى ما بعد لقاء القمة الثلاثي في طهران، إلى يوم: 10/ 9.
و قد باتَ واضحًا حجم التنسيق التفاهم " الروسي ـ التركيّ " حول الخطوط العريضة، التي ستناقش في هذا اللقاء، بما يجنِّب " إدلب " عملية عسكرية شاملة، بحيث يكون التفاهم بين الأطراف الثلاثة حول محاربة التنظيمات المصنّفة إرهابيًا، و ضرورة الفصل بينها و بين الأخرى المعتدلة، المنخرطة في نقاشات " أستانا "، ضرورة إعطاء تركيا مزيدًا من الوقت للقيام بذلك.
و يُرجِّح المراقبون أنّ الوزير " جواد ظريف " قد ناقش ذلك مع القيادة السورية، في زيارته المفاجئة إلى دمشق ـ بعد طول غياب ـ في: 3/9، قبيل ثلاثة أيام من قمة طهران، التي سيكون موضوع إدلب البند الرئيس على طاولتها.
و عليه فقد تمّ غض الطرف من تركيا عن الضربات الجوية التي قامت بها روسيا على أطراف جسر الشغور و الغاب، و ريف إدلب الجنوبي مع حماة، يوم: 4/ 9؛ لأنها أرادت أن توصل من خلالها رسالة إلى " هيئة تحرير الشام "، بعد تصنيفها لها ضمن قوائم الإرهاب، يوم الجمعة: 31/ 8/ 2018، بموجب مرسوم رئاسي، بأنّ الأمور متجهة إلى الأسوأ في حال قررت الأخيرة المضي في عنادها، بعدم حلّ نفسها، و تجنيب إدلب عملية واسعة النطاق، لا تستطيع تركيا منعها حينها.
من خلال جملة ما سبق ندلف إلى الاتجاه الثاني في الحديث عن إدلب، في أنّها تمثِّل بداية مسار، يفضي إلى حلّ سياسيّ بموجب تفاهم جنيف رقم " 2118 "، و قرار مجلس الأمن " 2254 "، و هو ما تضمّنته خطة مؤسسة راند، التي سلمت إلى إدارة أوباما في: ديسمبر: 2015، و أوكل شقها الميداني " الخشن " إلى روسيا، و هي قد أنجزته تقريبًا، ما عدا ما يتعلّق بإخراج الجماعات الجهادية العابرة الحدود من سورية، و من إدلب تحديدًا، و ذلك ضمن تفاهمات " أستانا "، التي تمثِّل فيها تركيا حجر الزاوية، إلى جانب روسيا.
و عليه فلا قيمة لكل الصخب و الضجيج الذي يصدر من بعض الأطراف المنخرطة في الملف السوريّ، بضرورة تنحي تركيا جانبًا، و التلويح بالسير قدمًا في الحلّ العسكري، لضمّ إدلب إلى باقي الجغرافية السورية، المنضوية تحت جناح دمشق.
و لا أدلّ على ذلك من العودة الأمريكية، و الغربية، و الإقليمية، إلى المنطقة، و ذلك بإيصال رسالة إلى الروس بأنّ الحلّ السياسي، ليس متروكًا لهم وحدهم، أو لحلفائهم في الجغرافية السورية، بل هو بمرجعية أممية بحتة، و وفق الرؤية الأمريكية إلى حدّ كبير.
وسوم: العدد 789