الخطوات اللازمة لحصول المواطن البصري على حقه المياه
مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات
يعد الماء ضرورة حياتية لا غنى عنها لكل شخص لينعم بالعيش الكريم، وتقصد بالماء في هذا المورد الصالح للاستهلاك البشري سواء في الشرب أو الطبخ أو غيرهما من الاستعمالات الحياتية الأخرى، ويقع واجباً على الحكومة العراقية أن تتكفل بتوفير المياه لجميع العراقيين أينما كانوا لكون الدستور العراقي للعام 2005 يقضي في المادة الثلاثون منه بأن (تكفل الدولة للفرد والأسرة المقومات الأساسية للعيش في حياة حرة كريمة).
والنص المتقدم يلقي على عاتق الحكومة والهيئات العامة واجباً محدداً بان توفر كل المتطلبات الأساسية للحياة الحرة والكريمة وفي مقدمها المياه الصالحة للاستهلاك، وان التباطؤ أو الامتناع عن القيام بذلك يضع المسؤول والهيأة الرسمية ككل أمام مسؤولية قانونية، وتحتم المساءلة وفرض الجزاء على المقصر أو المخطئ، فحياة الناس وراحتهم ليست محلاً للمجاملة أو المساومة، وأزمة المياه في محافظة البصرة حقيقةً لها جذور عميقة وسجلت على مدار الخمسة عشر سنة الأخيرة فشل حكومي متراكم في وضع الحلول الجذرية لها، بل كانت ولا تزال محل مطالبات الشارع في التظاهرات والمحافل العامة وحديثاً للناس القاصي منهم والداني، وقد أنفقت الأموال الطائلة لتنفيذ مشاريع تحلية المياه وإصلاح ما كان موجوداً منها لكن الفساد الإداري والمالي وقف بالند لتلك الجهود فتمكن من إفشالها جميعاً إلى أن وصل الحال إلى ما هو عليه اليوم من كارثة إنسانية كبيرة جعلت حياة الملايين من الناس على المحك، وعرضت صحتهم وأمنهم الغذائي لخطر حال.
والأمر المؤسف إن الكارثة لا تقف عند التلوث الذي أصاب المياه المخصصة للاستهلاك فجعل منها غير صالحة للبناء أو لري المزروعات فضلاً عن عدم صلاحها لتكون مقدمة لسد الاحتياجات اليومية للناس، بل تطورت المشكلة وأخذت أبعادا تمثلت بالانقطاع المستمر للمياه بشكل غير مسبوق، وتلوث لمصادر المياه الخام أو المخصص لمشاريع التحلية، بل إن المواطن البصري يضطر إلى شراء الاحتياجات اليومية من المياه من معامل ومحطات يديرها القطاع الخاص جلها غير خاضع للرقابة الصحية، ما ينذر بخطر محدق بالمواطن الذي فتكت به تبعات الحروب السابقة والإرهاب وذيوله والفشل الحكومي وأثاره المدمرة.
وعلى الحكومة العراقية أن تعترف بفشلها المتكرر في معالجة أزمات شح المياه في محافظة البصرة وتضع الرأي العام أمام الأسباب الحقيقية التي قادت إلى ذلك وتنحو باتجاه المعالجات الإستراتيجية والجذرية والكف عن سياسة التسويف والمماطلة فهي قد وقعت في المحذور ومنذ مدة ليست بالقصيرة لمخالفتها القوانين النافذة، فعلى سبيل المثال ينص قانون الري العراقي رقم (83) لسنة 2017 في المادة (3) على أن (تتولى وزارة الموارد المائية أو الدائرة المختصة تعيين الحصص المائية والإشراف عليها وتلتزم الحكومات المحلية بعدم التدخل بعمل الوزارة) وهذا النص القانوني يجد سنده في المادة (110) من دستور العراق للعام 2005 والتي نصت على إن واحداً من اختصاصات الهيئات الاتحادية هو (تخطيط السياسات المتعلقة بمصادر المياه من خارج العراق وضمان مناسيب تدفق المياه وتوزيعها العادل داخل العراق وفقاً للقوانين والأعراف الدولية)، والحال ان بعض الدوائر الحكومية والمحافظات تتجاوز على الحصص المائية بحجج شتى والضحية سكان محافظة البصرة وحصتها المائية.
وما اشرنا إليه أنفاً تسبب بأمراض فتاكة وتسمماً للبشر والحيوان وتلوثاً بيئياً خطيراً، على الجهة الأخرى تنص المادة (2) من قانون الهيئة العامة للماء والمجاري رقم (27) لسنة 1999 التابعة لوزارة البلديات والأشغال العامة على ان هدف الهيئة هو (توفير وتجهيز مياه الشرب والماء الخام وتصريف مياه الصرف الصحي...)، وحين تفشل هذه الدائرة الحكومية في عملها وفي تحقيق ما أراده المشرع الدستوري والعادي منها إلا وهو رفع شأن المواطن وسد احتياجاته ألا تكون في موضع المحاسبة والمساءلة؟
وحين يفشل مجلس محافظة البصرة ومحافظها في القيام بمشاريع تنقية المياه وإيصالها إلى المواطن بشكل سلس رغم إنفاق مليارات الدولارات منذ خمسة عشرة سنة ونيف ألا يكون حرياً بالناس مساءلتهم قانونياً؟ في الوقت الذي يصرح فيه قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم (21) لسنة 2008 في المادة الثانية منه بأن ( تكون الحكومات المحلية مسؤولة عن كل ما تتطلبه إدارة الوحدة الإدارية) وكذلك المادة السابعة من القانون ذاته تمنح مجلس المحافظة سلطة الرقابة على دوائر الدولة الموجودة في المحافظة لضمان حسن أداء عملها)، فأين هذه الرقابة المزعومة؟ ولماذا السكوت عن التسيب في العمل والفشل في المشاريع والفساد الذي نخر جسد دوائر ومشاريع الحكومة طيلة الفترة السابقة وقبل حلول الكارثة الإنسانية الحالية؟، والمحافظ هو الآخر مسؤول كونه يملك بمقتضى المادة (31) من قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم سلطة (الإشراف على سير المرافق العامة في المحافظة وتفتيشها).
مما تقدم نخلص إلى ان السلطات العامة العراقية في المستوى الاتحادي وما دون الاتحادي كانت ولا تزال مقصرة في أداء عملها فاشلة في إدارة الشأن العام وقد خذلت المواطن العراقي في أكثر من مرة وأزمة وللتذكير نقول ان المادة (2) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية قد نصت على أنه (يتعين على كل دولة طرف ان تتخذ بمفردها أو بشكل المساعدة الجماعية وبأقصى ما تسمح به مواردها المتاحة، ما يلزم من خطوات لضمان التمتع الفعلي بالحقوق المعترف بها في هذا العهد سالكة إلى ذلك جميع السبل المناسبة وخصوصاً اعتماد تدابير تشريعية مناسبة).
فأين دور البرلمان العراقي ونواب محافظة البصرة على وجه الخصوص؟ وفي المادة السابقة إشارة إلى التزام السلطات العراقية بمفردها وطنياً وبالتعاون مع الدول المتشاطرة مجرى نهري دجلة والفرات أي كل من تركيا وإيران وسوريا لضمان حق شعب البصرة بالماء وعدم الإنقاص من هذا الحق بأي شكل من الأشكال، وفي هذا المضمار يظهر لنا الفشل الذي سجلته الدبلوماسية العراقية طوال السنوات التي خلت، إذ كان عليها ان تسلك كل السبل المتاحة وتطرق أبواب المنظمات الدولية كالأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي وغيرها، كما ان ورقة المنافع المتبادلة اقتصادياً والتي تسببت بانهيار الاقتصاد العراقي لصالح نمو اقتصاديات دول الجوار ينبغي ان توضع على الطاولة وتسلط عليها الأنوار إذ إن احدى أدواتها إنقاص المياه للقضاء تدريجياً على الزراعة والصناعة المحلية والاعتماد كلياً على الاستيراد والتسبب بنزيف العملة الصعبة إلى الدول المحيطة بالعراق.
وعلى صعيد متصل يمر نهري دجلة والفرات في المحافظات العراقية المختلفة وهنالك العديد من المشاريع الصناعية والزراعية التي تتسبب في تلوث الماء قبل ان يصل إلى محافظة البصرة ومصادر هذا التلوث عديدة فينتج عن ذلك زيادة ملوحة الماء ويمتزج به الكثير من المكونات الصناعية الضارة بالإنسان والبيئة النهرية، والحكومة العراقية وبالتحديد وزارات الموارد المائية والزراعة والصناعة والكهرباء هي المسؤولة عما تقدم وتقاعسها عن التصدي للمشكلة يعني مخالفتها لالتزامها الواردة بدستور جمهورية العراق لعام 2005، الذي اعتبر ان واحدا من أهم حقوق العراقيين هو الحق في البيئة وورد النص في المادة (33) على أن (لكل فرد حق العيش في ظروف بيئية سليمة، وتتكفل الدولة بحماية البيئة والتنوع الإحيائي والحفاظ عليها)، وفيما تقدم التزام واضح على السلطات العامة الاتحادية بيد ان التقصير وأوجه المخالفة بادية للعيان ولعل بعض المؤسسات الرسمية هي من تلقي الفضلات ومجاري المياه الثقيلة في نهري دجلة والفرات الأمر الذي يتسبب بحلول تلوث بيئي خطير.
ان المواطن البصري وغيره من مواطني المحافظات الأخرى متضررين أشد الضرر بسبب تخصيص جل الوقت للبحث عن مصادر للمياه الصالحة للشرب على حساب تخصيص ذلك الوقت للعمل أو للتعلم أو للاستجمام لهذا على الحكومة ان تنتبه إلى ان هذه الناحية التي تكون عائقاً من الوصول إلى التنمية البشرية المتوازنة في العراق وتخرق الحق في المساواة التي تبناها المشرع الدستوري العراقي في المادة (14) وجعل منها أساساً للتعامل والتفاعل بين المواطن والسلطات العامة إذ ليس من العدل في شيء ان يكون البعض من المواطنين في سعة ورخاء في الحصول على الماء الصالح للاستهلاك البشري ويبقى الآخرون في ضيق وحرج ورحلة بحث يومية لا مسوغ لها.
وفي معرض التوصية نجد ان الحكومة والسلطات العامة عليها التصدي للمشكلة من الجذور وعدم الاكتفاء بالحلول الوقتية والترقيعية كون المشكلة في حالة من الفوران والتضخم سنوياً وأثارها المدمرة لم تعد تحتمل ونقترح بعض الخطوات التي نجدها ضرورية كمقدمة للحل وهي:
1- من الضروري ان تكون الحكومة الاتحادية والمحلية في محافظة البصرة وغيرها من المحافظات على قدر المسؤولية المناطة بها في توفير مياه للشرب والاستهلاك آمنة وكافية لكل المواطنين، بان ترصد المبالغ الكافية لصيانة المشاريع الموجودة حالياً والقيام بما يلزم لتوسعتها واستحداث مشاريع جديد للوفاء بالحاجات المتزايدة لشريان الحياة في المدينة والريف إلا وهو الماء.
2- على الجهات والسلطات كافة إطلاع الرأي العام بالصفقات والمناقصات التي شابها شائبة الفساد وأثرت على حق المواطن البصري في المياه والمواطن العراقي عموماً، ومحاسبة المتسببين أمام المحاكم واسترجاع المبالغ المنهوبة وإعادة تخصيصها لمشاريع المياه في المحافظة.
3- بما إن أغلب النفط العراقي المصدر هو من محافظة البصرة فلا بأس بإلزام وزارة النفط العراقية وجميع الشركات الأجنبية العاملة في المحافظة بالقيام بإنشاء محطات تحلية وتصفية المياه وإيصالها للمواطنين كنوع من التعويض العيني المرتد للمواطن، فالأخير هو المتضرر الأول من النشاط النفطي المتسبب بالتلوث البيئي والذي ينعكس سلباً على صحته وسعادته.
4- لابد من أن تقوم الجهات الرسمية وتلك المهتمة بحقوق الإنسان بدراسات علمية متخصصة لمعرفة الآثار المباشرة وغير المباشرة التي تخلفها المياه الملوثة التي تصل إلى المواطن من خلال شبكة الماء الصالح للشرب، وبالتالي تمكين المواطنين من مقاضاة المقصرين ومطالبتهم بالتعويض المادي عبر المحاكم والطرق القانونية الطبيعية.
5- ان الحكومة الاتحادية والمحلية بإمكانها ان تقوم بالتعاون بشكل مؤسسي مع الجامعات العراقية والجهات ذات العلاقة داخل وخارج العراق للقضاء على أسباب أزمات شح المياه في فصل الصيف بشكل علمي مدروس، بما من شأنه ان يمنع هدر المال العام بشكل عشوائي، ويمنع الارتجال ويدعم التخطيط والتنسيق على أعلى المستويات .
6- بما إننا مقبلون على الفصل الدراسي الجديد للعام 2018-2019 ينبغي ان تتضافر جهود الجميع لتأمين مياه صالحة للاستعمال الصحي في النظافة وأخرى صالحة للشرب وتوفيرها بكميات كافية تسد الحاجة اليومية للمدارس ورياض الأطفال والجامعات كون ما تقدم مقدمة طبيعية للحق في التعليم الذي يعد حقاً طبيعياً للمواطن.
7- على الحكومة العراقية السعي الجاد إلى إقناع دول الجوار العراقي التي توجد فيها منابع المياه الداخلة للعراق لعقد اتفاقية دولية من شأنها ان تحفظ حقوق العراقيين كافة بمياه نهري دجلة والفرات وعلى المفاوض العراقي ان يطرق أبواب المنظمات العالمية والإقليمية وتكوين رأي عام عالمي مساند للحق العراقي بالمياه، كما ان التعاون والتعامل التجاري والاقتصادي عموماً ينبغي ان يوظف لصالح الحق العراقي التاريخي بمياه نهري دجلة والفرات.
وسوم: العدد 792