توقع نكران الجميل مع الإساءة ممن أحسنت إليه في الدنيا
توقع نكران الجميل مع الإساءة ممن أحسنت إليه في الدنيا لكن لا تنسى أن جزاء الإحسان إحسان وأن جزاء الإساءة سوء في الآخرة
كثيرا ما يصدم صدمة قوية المحسن إلى غيره برد هذا الأخير على إحسانه بالنكران بل أكثر من ذلك بالإساءة، ويتألم بسبب ذلك شديد الألم ، ويحسر ويندم شديد الحسرة والندم ، خصوصا إذا كان من قابل إحسانه بالنكران والإساءة قريبا أو صديقا أو جارا أو زميلا أو ضعيفا أو محتاجا ... ولو استحضر المصدوم بالإساءة إليه مقابل إحسانه ساعة الصدمة قول الله عز وجل : ((هل جزاء الإحسان إلا الإحسان )) لذهب عنه الأسى الذي يعتريه ، ولشفي صدره من غيظه لقول الله عز وجل : (( وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله )).
و معلوم أنه من عدل الله عز وجل أنه يضاعف للمحسن أجر إحسانه أضعافا مضاعفة ، فإذا رد من أحسن إليه على إحسانه بالإساءة والنكران زاده الله عز وجل أجرا على أجر ، فإذا عفا عمن رد على إحسانه بالإساءة ضاعف الله عز وجل أجره على ذلك أيضا . وهنا يصدق القول المشهور : " رب ضارة تكون نافعة " ، وخير من ذلك قول الله عز وجل : (( لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم )).
وقد يفكر من يقابل إحسانه بالإساءة بالنكران في الامتناع عن الإحسان مرة أخرى وهو تحت وطأة الغضب، لكنه سرعان ما يتدارك ذلك بالثقة في وعد الله الناجز، فتهفو نفسه ثانية إلى المزيد من الأجر والثواب على الإحسان خصوصا الإحسان الذي يقابل بالإساءة والنكران .
ومعلوم أن دأب المتنكرين للجميل أنهم يظهرون لمن يحسن إليهم المودة والمحبة المغشوشة ، ويبالغون في إظهار الاحترام له ، ويكثرون من مدحه والثناء على إحسانه ولكنهم يبطنون ما لا يظهرون السخرية منه لغبائه وغفلته في اعتقادهم ، وسهولة انخداعه لما يتظاهرون به أمامه وهم يعتقدون في أنفسهم الذكاء والشطارة ـوليس لديهم مثقال ذرة من ذكاء إذ لو كانوا أذكياء حقا لما أساءوا فهم المحسن ولا فهم الإحسان إليهم ، وإنما هم أغبياء ولئام .
ومقابل اعتقادهم الغباء والغفلة في من يحسن إليهم ـ وهم الأغبياء في الحقيقة ـ يعتبرون من لا يحسن إليهم عاقلا وذكيا وشاطرا لا تنطلي عليه حيلهم .
ومن لؤم هؤلاء أنهم يقطعون الصلة بمن يحسن إليهم بمجرد تحقيق أهدافهم ، والوصول إلى مبتغاهم .وقد يكيدون له بعد ذلك كيدا خفيا خبيثا مكشوفا لتبرير القطيعة معه لأنه يصير عندهم وقد استنفدوا ابتزازه في حكم من لا محل له من الإعراب على حد قول النحاة .
ومن لؤمهم أنهم لا يقفون عند حد القطيعة معه بل يجهرون بالإساءة إليه إساءة قد لا تصدر عن عدو لدود. ومن لؤمهم أن يعفو المحسن إليهم بعد إساءتهم إليه ، فيعتبرونه مرة أخرى مغفلا وساذجا ، ويسخرون منه ، ولا يستحون من استجداء إحسانه مرة أخرى ليعاودا الكرة بنكران جميله ثانية ، و مقابلة إحسانه بالإساءة من جديد جريا وراء طبيعتهم اللئيمة ، وقد تأصل فيهم اللؤم .
ولغباء هؤلاء اللئام لا يخطر ببالهم أن من أحسن إليهم إنما فعل ذلك ابتغاء مرضاة الله عز وجل ، واحتسابا للأجرعنده ، وأنه لا يروم شكرهم ولا ثناءهم المغشوش الذي لا يسمن ولا يغني من جوع . ولا يخطر ببالهم أن المحسن إليهم إنما يبرم صفقة مربحة مع الخالق الشكور سبحانه وتعالى الذي لا تضيع عنده الأجور ، فيجازي المحسن على إحسانه إحسانا ، ويجازي المسيء على إساءة سوءا .
ومن عدالته سبحانه وتعالى أنه قد يشفي صدر المحسن الذي يقابل إحسانه بالإساءة في العاجل ، فيريه المسيء إليه في أسوإ حال حيث يضطره وقد رغم أنفه إلى طلب الإحسان ثانية ذليلا حقيرا بين يديه يستجديه وقد سدت في وجهه الأبواب وعز من يحسن إليه .
فطوبي لمن أحسن ويا خسارة من قابل الإحسان بالنكران وتمادى في ذلك بالإساءة .
وسوم: العدد 793