علاقة المواطن العراقي بالسلطات الحكومية
مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات
حين ينظم الدستور في العراق والعالم السلطة التنفيذية كإحدى الهيئات العامة ويبين تشكيلها واختصاصاتها فمن اللازم بيان أسس علاقتها بالمواطن، والسبب أن هذه السلطة المهمة بكل معنى الكلمة هي صاحبة اليد الطولى في تكريم الإنسان أو على العكس إهانته وانتهاك كرامته كونها المسؤول المباشر عن الخدمات وعلى احتكاك مباشر مع الحقوق والحريات الفردية في كل يوم بل في كل ساعة، فإما ان تكون سلطة فاضلة أو مستبدة، وفي معرض قيامها بالمهام الموكلة إليها كسلطة عامة تسعى إلى تكريس هيبة الدولة بتنفيذ القوانين بشكل فاعل ولا تقتصر مهامها بهذا الملف، بل ان الشق الثاني من مهامها الدستورية المتعلق بإدارة الخدمات (المرافق العامة) يكون على درجة كبيرة من الأهمية.
وكثيراً ما يشوب عمل السلطة التقصير والإهمال أو تعمد التلكؤ فيكون الإنسان وحقوقه الأساسية في طي النسيان لأسباب عدة، وهو ما لاحظناه في العراق بشكل خاص والمتضرر الأول هو المواطن العراقي البسيط بكل تأكيد، باختصار علاقة المواطن بالحكومة بمختلف مستوياتها الاتحادية والإقليمية واللامركزية (المحافظات) هي (علاقة السلطة بالحرية)، فتظهر الإدارة العامة متسلحة بكل مظاهر القوة والمنعة وتمارس أعمالها اليومية التي تمس المواطن بحياته وابسط مقوماتها بنحو من التسلط أو الإفراط في استعمال الأدوات التي تنطوي على القهر والإجبار بحق الأفراد لتحقيق مآرب الحكم وتوطين أركانه وضمان استمراره.
وعند الرجوع إلى الدستور العراقي لعام 2005 نجد أنه نظم أسس العلاقة بين المواطن والسلطة التنفيذية في مواطن عدة، والملاحظ ان المشرع الدستوري تارة يشير إلى هذه العلاقة بشكل مباشر حينما يضع التزاماً مباشراً على السلطات العامة ومثاله ما ورد في المادة (15) التي ألزمت السلطة التنفيذية باحترام الحق في الحياة والأمن والحرية وأنه لا يجوز المساس بها أو تقييدها إلا وفق القانون وبأمر قضائي، وحين تبين المادة (17) ان الحق بالخصوصية مكفول وان حرمة المساكن لاسبيل إلى المساس بها إلا بقرار قضائي وفق القانون، بيد انه في تارة أخرى يضع الدستور التزاماً عاماً غير محدد على عاتق السلطات العامة حيث ورد في المادة (22) ان العمل حق للعراقيين، والمادة (23) التي أكدت ان الملكية الخاصة مصونة، إذ تعد هذه النصوص توجيهية وليست تقريرية حيث لا تضع التزام محدد بل عدة التزامات في آن واحد على أكثر من جهة رسمية، بيد ان هذه العلاقة المصيرية بين السلطة عموماً والتنفيذية خصوصاً والمواطن تنتابها بعض الأوضاع التي تجعل منها محل تساؤل، فإن الأسباب التي تجعل عدم الثقة بما يقول المسؤول التنفيذي عديدة، وإلا فما هو تفسير اليأس من الإصلاح الحكومي أو التغيير الحقيقي؟ ولاسيما ونحن بمقتبل تشكيل حكومة جديدة، لعل هذين السؤال تقف وراءه جملة من الأسباب نوجزها بالآتي:
1- السبب الأول فهم فلسفة السلطة عند الأحزاب الحاكمة في العراق تنتابه الضبابية وعدم الوضوح، فالبعض يسعى إلى التعسف بالسلطة والتفرد بها بأي ثمن رغم انه كان يدعي المعارضة للنظام الدكتاتوري السابق، والأخر كل همه إضعاف حكومة المركز ليبقى قوياً في إقليمه، وما تقدم من فلسفة ومنهج خاطئ بلا شك، وقد تسبب بأزمة بين المواطن والسلطة المركزية، بل البعض يعد السلطة التنفيذية والاشتراك بها مجرد مكسب انتخابي وهي الطريق الطبيعي للبقاء في سدة الحكم والتأثير بالقرار العام والحصول على التمويل بطرق غير مشروعة على حساب الوطن والمال العام.
2- السبب الثاني الفهم الخاطئ للمنفعة أو المصلحة العامة والانحراف الذي ساورها منذ عقد ونيف من الزمن فالبعض من المسؤولين التنفيذيين يفهمها فهماً مغلوطاً على أنها المصلحة الآنية ويتناسى المستقبلية والبعض يعدها مصلحة دول الجوار الإقليمي ويتناسى المصلحة الوطنية والأخطر إن البعض يرى فيها المصلحة القابلة للتجزئة حسب المقاسات الخاصة، بل تستثمر حجة المصلحة العامة وضروراتها لتكون شرخاً في عنصر الثقة بين المواطن والسلطة.
3- السبب الثالث هو الظواهر السلبية التي رافقت العملية السياسية والديمقراطية والإدارية في العراق وتتمثل بالآتي:
- تقديم الانتماء والولاء على الكفاءة والمهنية والوطنية.
-استغلال السلطة للانتقام وتصفية الحسابات السياسية وغيرها.
- الفساد بكل صوره البشعة ومنها استنزاف المال العام وسرقته والمحاباة.
- البيروقراطية والتعقيد في الإجراءات الإدارية بكل ما تحمله من أثقال تقع على كاهل المواطن البسيط بالدرجة الأولى.
- التعسف باستعمال السلطة على كل المستويات ومنها المستوى التنظيمي داخل دوائر ومؤسسات الدولة بالتمييز بين الموظفين في الراتب والمخصصات والتعامل ما يحدو بالكثير منهم إلى الانحراف عن جادة الصواب نحو أنماط ملتوية من التعامل مع المواطن لتحقيق مآرب شخصية وغير مشروعة.
إن هذه المشاكل وسواها جعلت العلاقة بين السلطة والحرية على الحك (السلطة والفرد) إذ تتزايد يوميا القرارات الإدارية السلطوية التي لا تأخذ بنظر الاعتبار مصلحة الفرد وحقوقه وحرياته ولنأخذ لما تقدم مثالاً فمحاولة تشكيل الحكومة العراقية من ممثلي الأحزاب والكيانات السياسية ولا شك يقدح بحقوق المواطن العراقي الطامح إلى تغيير واقعه المعيشي الذي غدا لا يطاق بسبب تعثر الخطوات الحكومية المتعلقة بالخدمات الأساسية، ومحاولة إعادة إنتاج بعض الشخصيات الفاسدة أو الفاشلة في صورة جديدة وتوافق معين يعيد إلى الذهن الخمسة عشر سنة المنصرمة من عمر العراق التي كانت عنواناً للفشل في الخدمات والأمن والفساد المستشري في جسد الدولة.
فما هي الحلول التي من الممكن أن ترمم العلاقة بين الفرد والسلطة التي لا مفر من الركون إليها لنستخلص منها الحلول الآنية والمستقبلية لمشاكل البلد ونواجه من خلالها متطلبات النهوض بالبلد والمواطن:
أولاً: وقبل كل شيء تفعيل نظام اللامركزية الإدارية ونظام عدم التركيز الإداري للقضاء ولو جزئياً على البيروقراطية وجعل سلطة اتخاذ القرار بعيدة عن التخطيط المركزي البطيء والمتسبب بالفشل على المستوى القريب والبعيد، واللجوء إلى توزيع سلطة اتخاذ القرار على أكبر شريحة ممكنة من ممثلي الإدارة في مختلف المحافظات والدوائر المركزية يجنبنا اللجوء المتكرر للوزير أو رئيس الوزراء أو المجلس الوزاري الأمر الذي يفتح الباب واسعاً للفساد الإداري والمالي، كما إن منح ممثلي السلطة التنفيذية في المحافظات سلطة التخطيط واتخاذ القرار بعيداً عن دواوين الوزارات ومكاتب السلطة المركزية وتعقيداتها من شأنه أن يجعل القرار أكثر صلاحاً ونجاعةً وقدرة على التصدي للمشاكل المحلية المتفاقمة بنحو من السرعة والتمكين.
ثانياً: وبعد ذلك فنحن بحاجة إلى ثورة حقيقية على الفساد ثورة من شأنها ان تقتلع هذه الآفة من الجذور، ولابد لتحقيق ما تقدم من مقدمات صحيحة في أروقة مجلس النواب (ممثل الشعب) بإعادة النظر بكل القوانين التي ترسخ المركزية والبيروقراطية والتعقيد، وبالوقت عينه نحن بحاجة إلى إعادة هيكلية للسلطات الرقابية كهيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية ومكاتب المفتشين العموميين وان يكون الجميع على تواصل وثيق مع مكاتب المدعي العام الإداري ليكون التحرك ضد الفساد مخططاً ووفق رؤية واضحة ودعم حقيقي شعبي ورسمي.
ثالثاً: ولابد أن نخطط بشكل عقلائي على المستوى المركزي بوضع أسس خطط تنموية استناداً للمادة (80 و110) من الدستور بواسطة مجلس الوزراء ويترك التنفيذ للمحافظات والهيئات والدوائر في المحافظات التي تمتلك الرؤية الواضحة وسلم الأولويات للحاجات الحقيقية ومواطن، للقضاء على الضعف في الأداء الحكومي أحد أهم أسباب النقمة الشعبية على السلطة المتلكئة في واجباتها.
رابعاً: لابد من ترميم الثقة بين السلطة والفرد من خلال إعادة النظر بأسس توزيع الثروة بين أفراد الشعب العراقي بنحو يحقق مرامي الدستور في المساواة (المادة14) والعدالة (المادة16) ولعل ما تقدم لا يكون كافياً إن لم يقترن بنحو من الشفافية والوضوح، ونقطة الشروع أو البداية بإعادة النظر بالامتيازات السلطوية الكبيرة التي أقرها البرلمان والحكومة في السنوات التي خلت لأنفسهم والمقربين منهم على شاكلة الحقوق التقاعدية الخرافية والخدمة الجهادية المزعومة وإدماج المليشيات التي تسببت بضعف أداء الجهاز الأمني والعسكري في العراق ما عمق جراح الشعب الذي ضربه الإرهاب.
خامساً: على الحكومة أن تأتي ببرنامج واضح قابل للتطبيق وتكون مسؤولة أمام الشعب عن تنفيذ كل مفردة فيه بكل صدق، لا أن يكون مجرد أمنيات ووعود لا تجد طريقها نحو التنفيذ على أرض الواقع، وان تأخذ السلطة التشريعية والقضائية دورهما الطبيعي في الرقابة على الأداء الحكومي، كما ننصح أن يكون البرنامج حقيقي يلامس الاحتياجات الأساسية للمواطن من أمن وصحة وتعليم ومواصلات وسكن وكل ما يتصل بالعيش الكريم وبما يحفظ الكرامة البشرية.
سادساً: لا استقرار في العراق بدون تحقيق العدالة التامة وتقديم كل الجناة إلى المحاكمة أياً كانت صفاتهم أو انتماءاتهم، فمن أفسد وعاث في الأرض ومن تعاون مع الإرهاب وسهل أو عمل على تغطية جرائمه لابد أن يساق إلى ساحة القضاء ليجد الجزاء الأوفى، وليس ذلك لوحده كافياً بل لابد من استرجاع الأموال التي نهبت أو سربت خارج وداخل العراق، وان يتم التعاون على استرجاع كل المجرمين الهاربين لمحاكمتهم، وما تقدم من شأنه أن يعيد جزء كبير من الثقة للمواطن بالحكومة والقضاء والبرلمان.
سابعاً: أن يسعى الجميع إلى تحقيق التمثيل الحقيقي والعادل لأبناء العراق في المؤسسات الدستورية، وان تتسم العملية الديمقراطية في العراق بنحو من الشفافية والنزاهة.
ثامناً: أن يأخذ المجتمع المدني في العراق دوره الحقيقي والريادي في التأسيس لثقافة الرأي العام الواعي المدرك المؤثر في القرار وخيارات صانع القرار العراقي.
تاسعاً: أن يكون شعار الكل هو دولة ومؤسسات في خدمة المواطن وان الدستور والقانون والسلطات العامة لاسيما التنفيذية منها وسائل لتحقيق غاية أسمى وهي سعادة المواطن العراقي وتحقيق مبتغاه في الحياة الحرة الكريمة.
وسوم: العدد 798