على هامش التصعيد التركي نحو شرق الفرات
جملةٌ من التطورات يشهدها الملف السوريّ، تحمل المراقبين على قراءة ما يحصل بكثير من الروِّية و التأنّي، و ذلك بدءًا من المشارفة على تشكيل اللجنة الدستورية، بعد التلويح الأمريكي بإنهاء مساري أستانا و سوتشي، فجاءت الأمور على النحو الذي طالبت به أمريكا، و مرورًا بالحديث عن إقليم القامشلي الخاضع للسيطرة الكردية، و انتهاءً بالتصعيد العسكري التركي.
و لعلّ أكثر ما يستوقف المراقبين من تلك التطورات، هو تلويح تركيا بعمل عسكريّ على مليشيات قسد، المرتبطة عضويًا بحزب العمال الكردستاني، المصنّف على قوائم الإرهاب التركية، و قد تباينت القراءات في مدى جديته، و الحدود التي يمكن أن يصل إليها.
صحيحٌ أنّ اللهجة التركية تبدو عالية، و لكنها ما تزال تحمل كثيرًا من الرسائل الدبلوماسية، و لا يطفو على السطح منها ما ينذرُ باحتمالات الذهاب نحو التصعيد المباشر؛ فالتفاهمات الدولية على في سورية لا تحتمل أية تحركات غير منسقة مع بقية الأطراف، فضلاً على أن التفاهمات الثنائية ( التركية ـ الأمريكية ) لا تحتمل أن يذهب الرئيس أردوغان في تصريحاته إلى حدّ القيام بعمل عسكري شامل في شرق الفرات.
إنّ جملة التحركات الإقليمية و الدولية، التي شهدها الملف السوريّ في الأيام و الساعات القليلة الماضية، مثلما هي اللغة الإيجابية التي غلفت اتصال الرئيسين أردوغان و ترامب، لتجعلنا نذهب إلى أنّ التحرّك التركي، ليرمي إلى تذكير الجانب الأمريكي بضرورة تفهم هواجس تركيا، و الإيفاء بتعهداته التي قطعها لها في عدد من الملفات، و في صدارتها الملف الكردي في منطقتي منبج و شرق الفرات، و حمله على معاودة التنسيق بينهما بما يفضي إلى غلق ملف منبج، في وقت قد لا يتعدّى أواخر سنة 2018.
فالمصادر المطلعة تذكر أنّ فصائل الجيش الوطني السوري، لم تخطر إلى الآن بطبيعة التحرّك في شرق الفرات، أو وقت الشروع فيه، و يغلب على الظنّ أنّ تحركها سيكون باتجاه منبج، و أنها ستحل مكان المليشيات قسد عند خروجها منها، في الوقت الذي سترابط قوات البيشمركا السورية، التي تمّ تدريبها في شمال العراق، على عين تركيا و البرزاني، في الشريط الحدودي، و ستقوم عناصر القبائل العربية، التي يتولّى التفاهم حولها أحمد الجربا مع تركيا، بأخذ مواضعها في القرى و البلدات العربية، التي نالها قسط وافرٌ من التهجير و التغيير الديمغرافي على يد قسد، و تصر تركيا على إعادة أهلها المقدر عددهم بمليون و خمسمائة ألف، من مخيمات النزوح فيها قبل الشروع في خطوات الحل السياسي، الذي يبدو أن أمريكا صارت جادة في السير فيه.
و هناك من يذهب إلى أنّه قد يسمح لتركيا، أن تقوم بعمليات محدودة ضد الوحدات الكردية في شرق الفرات، و ذلك في رسالة تريد أمريكا أن توصلها إليهم، بضرورة التوقف عن التواصل مع النظام بين الفينة و الأخرى، و ضرورة السير بجدية أكبر في مقاتلة داعش، و ضرورة أن تكون وكيلاً حصريًا لها، و النأي بنفسها عن روسيا.
و هناك من يذهب أيضًا إلى أنّه قد يعطى لتركيا فرصة التموضع في مدينة الطبقة، و السماح لها بصيانة و إعادة تشغيل سدّ الفرات، من أجل مساعدتها في تنمية مناطق غرب الفرات وصولاً إلى إدلب، للتخفيف عن كاهلها تنمية تلك المناطق، لتكون عامل جذب و استقطاب لمن سيتمّ إعادتهم من اللاجئين من بلدان أوروبا.
و هو أمرٌ لا تجد أمريكا فيه ضيرًا، طالما أنّها تمسك بالسدود الأخرى، و بجلّ منابع النفط و الغاز في عموم منطقة شرق الفرات، فلا بأس من تترك لحليفها التركي بعضًا من كعكة ثروات المنطقة، للتخفيف عنه في أزمة الطاقة المزمنة، التي يرزح تحت ثقلها منذ قيام الجمهورية التركية عام 1923م.
وسوم: العدد 803