يا رئيس الحكومة إن الاقتطاع من معاشات المتقاعدين حكمه حكم أكل أموال اليتامى فاتق الله فيهم
مما تداولته مؤخرا وسائل التواصل الاجتماعي على نطاق واسع أن رئيس الحكومة يعتزم فرض ضريبة على المعاش ، فإن صح الخبر قلنا له ما يلي :
من المعلوم أن المعاشات عبارة عن اقتطاعات تقطع من الأجور خلال مدة الخدمة ، وهي أجور تؤدى عنها ضرائب للدولة . ولم يحدث من قبل أن فكر رئيس حكومة سابق في إخضاع المعاشات للضريبة ، لأن ذلك يعني أن الدولة تحصل الضريبة مرتين مرة على الأجور ، ومرة أخرى على المعاشات ، وهذا ظلم صارخ ،وحكمه حكم أكل أموال اليتامى، لأن القاسم المشترك بين اليتامى والمتقاعدين هو الضعف ، ذلك أن اليتيم ضعيف بحكم صغره ، والمتقاعد ضعيف بحكم شيخوخته . وحكم آكل مال اليتيم كحكم آكل مال المتقاعد ، نقول هذا لرئيس حكومة ينتمي إلى حزب يصرح بمرجعيته الدينية ، وكان من المفروض أن يكون سباقا للدفاع عن الشيخوخة المستضعفة إلا أن العكس هو الذي حصل حيث لم يرع رئيس الحكومة للمتقاعدين حرمة ، وأغلبهم أنهى الخدمة وهو يعاني من علة يكلفه علاجها مصاريف، وقد تكون كلفتها باهظة تغطي منها التعاضديات التي تقتطع بدورها من الأجور شطرا معينا ، ويستهلك الشطر الباقي رصيدا معتبرا من المعاش.
وعلى غرار أصحاب الأجور يعول المتقاعدون أيضا أسرهم ، وفيها المتمدرسون الذين يطول تمدرسهم المكلف ، والمرضى أمراضا مزمنة ... إلى غير ذلك من المصاريف التي تغطيها معاشات قارة أو جامدة لا ينتظر أصحابها تعويضات عن ترقيات أو غيرها ، وهي على حالها إلى أن يهلك أصحابها فتضع الدولة يدها على أنصبة منها أوعليها كلها في بعض الحالات ، وهي في الحقيقة مقابل عرق أو جهد المتقاعد الهالك خلال الخدمة ، والذي لا يعلم إلا الله ما الذي عناه .
وكان من المفروض في رئيس حكومة يمتهن الطب النفسي ، وهو أدرى بما تعانيه النفوس من غيره لأنه يعالجها ، وينبه الناس إلا الرفق بها وإلى كيفية التعامل معها لمساعدتها على التغلب على المعاناة ألا يقع في هذا الاعتداء السافر على فئة مستضعفة أضعفتها الشيخوخة ، وألا يتجرأ على النيل من معاشها لأنه في حقيقة الأمر قد اقتطع من أجر دفع لها مقابل نصب وعرق ومعاناة .
وكان من المفروض فيه أيضا بحكم تصريحه بتوجهه الديني كما يرفع ذلك حزبه كشعار ، ومن خدع الناس بالله انخدعوا له أن يكون أرأف وأرحم بهذه الشريحة التي تشترك مع اليتامى في الضعف ، وقد وصف الله عز وجل الذين يأكلون أموالهم بأنهم إنما يأكلون في بطونهم نارا ، وفي هذا وعيد شديد كان على رئيس الحكومة المتدين ـ ياحسرتاه ـ أن يحذر منه ،ويخشى ربه، ويتقه في شريحة مسنين لا حول لهم ولا قوة . وكان من المفروض أيضا أن يذهب تفكيره إلى فرض الضرائب على الذين يتهربون من أدائها، وهي عليهم واجبة أو الذين يتحايلون في أداء اليسير منها تلفيقا وتزويرا وكذبا وزورا .
إن التفكير في فرض ضريبة على المعاش يعتبر وصمة عار ستظل فوق جبين رئيس الحكومة المتدين والطبيب النفسي ، وستلطخ سمعة حزبه الذي يدعي المرجعية الإسلامية ، والإسلام براء ممن يستهدف المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا .
وعلى رئيس الحكومة أن يتدارك أمره قبل فوات الأوان وحلول الندم ولات حين مندم ، وأن يعدل عما أقدم عليه من إساءة إلى المتقاعدين عن عمد وسبق إصرار، فإن أصر على ذلك، فحسبهم الله ونعم الوكيل ، وموعد من ظلمهم الصبح أليس الصبح بقريب ؟
وسوم: العدد 804