هل يقودُ حوارُ الضرورة في الملف السوريّ إلى اِلتقاء الأخضر بالأصفر؟
لنذهب إلى أنّ الانسحاب الأمريكي من سورية ليس تكتيكًا من الرئيس ترامب؛ للهروب من جملة المشاكل التي بات يواجهها مع الدولة العميقة في واشنطن، و أنّ أوامر هذا الانسحاب قد جاءت عقب مكالمته الهاتفية مع الرئيس أردوغان، التي ضمن فيها الأخير ملاحقة فلول داعش في شرق الفرات، في مقابل أن تُتطلق يدُه فيها.
و هو الأمرُ الذي يقودنا إلى النظر في المآلات التي تنتظرها منطقة شرق الفرات، عقب هذا القرار المفاجئ، الذي تؤكّد مصادر مطلعة أن الرئيس الأمريكي قد اتخذه من غير تشاور مع طاقمه الحكومي، و هو ما أدى إلى استقالة وزير الدفاع " جيمس ماتيس "، و المبعوث إلى التحالف الدولي لمحاربة داعش " بريت ماكغورك "، و امتعاض حلفاء أمريكا، و في مقدمتهم: بريطانيا، و فرنسا.
ولاسيّما بعد إعلان تركيا تأجيل انطلاق عملياتها العسكرية في المنطقة، بوجه الميليشيات الكردية الانفصالية، ريثما يتمّ التفاهم مع واشنطن، على كيفية انسحابها، المنظم و غير المستعجل، من أجل ملء الفراغ الناجم عن ذلك من القوات التركية، كحليف استراتيجي لأمريكا، و تحديدًا بعد تنامي العلاقات التجارية و العسكرية معها بشكل مطرد و متزايد.
و ذلك في ظلّ وجود أطراف أخرى تتحرك للغاية ذاتها، ممثلة بروسيا، و إيران، من غير أن نغفل رغبة النظام في ذلك، من أجل زيادة أسهمه في إعادة إنتاجه ثانية، و ذلك من خلال منحه المزيد من السيطرة الجغرافية، و تمكنه من الاستفادة من العوائد المالية، بوضع يده على قسم من ثروات المنطقة بتنوعاتها المختلفة.
يذهب كثيرٌ من المراقبين إلى أن تركيا سيكون لها النصيب الأكبر، في حال الانتهاء من عملية الانسحاب البطيئة، المقدرة من ستة أشهر إلى سنة، هذا إذا لم تبادر وزارة الدفاع الأمريكية إلى الاعتماد على وحدات خاصة، للإبقاء على نفوذها في منطقة يعزّ على أيّة قوة دولية أن تخرج منها خالية الوفاض.
مثلما يذهبون إلى أنّ ثَمَّة رغبةً تركية في فتح حوار مع أطياف من الوحدات الكردية، عن طريق فريق من الائتلاف الوطني، و ذلك من أجل وضع آلية توافقية لتحاشي الاحتكاك مع القوات التركية، و حلفائها من الجيش الوطني، و قوات البيشمركة، اللاتي ستحلّ مكان القوات الأمريكية المنسحبة، ضمن المناطق التي سيتمّ الاتفاق على التحرك التركي فيها.
و ذلك شريطة أن تبادر هذه الوحدات الكردية إلى فكّ ارتباطها مع جبال قنديل، و سورنة الملف الكردي، و الالتقاء مع المعارضة السورية الأخرى، بعيدًا عن التفكير بالذهاب إلى دمشق من غير تفاهمات وطنية جامعة، و التخلي عن الأساليب القمعية التي اتبعتها في التعامل مع المكونات المحلية غير الكردية، و عودة التنوع الديمغرافي إلى سابق عهده في المناطق التي بسطت سيطرتها عليها، في شمال حلب، و شرق الفرات .
في مقابل أن تتخلى أطراف من فصائل الجيش الوطني، عن النزعة الاستئصالية في التعامل مع مليشيات قسد، و تسعى لسحب الملف السوري من يد العناصر غير السورية في مناطق وجودها، و تسعى لإخراجهم من المشهد السوري، على غرار ما سيكون فيه التعامل مع قيادات جبال قنديل غير السورية.
فهل يا ترى ستقود المتغيّرات التي يشهدها الملف السوريّ، إلى عقد حوار وطنيّ جامع بين أطياف المعارضة المفترضة، و هل سيكتب النجاح لمساعي التقاء الأخضر بالأصفر، و يتمّ تغليب المصالح المشتركة للمكونات العرقية السورية، من خلال تفاهمات جامعة بين الائتلاف الوطني، و وحدات حماية الشعب الكردية ؟.
وسوم: العدد 804