الكل يلعب خلف خطوط تركيا

منذ القرار الأمريكي بالانسحاب من سوريا والحركة لم تهدأ من القوى الفاعلة في سوريا وكذا القوى التي تريد ان يكون لها دور واضح وفعال في المستقبل القريب، رغم وجودها منذ فترة في سوريا، وأعني بالأولى روسيا وإيران، وبالثانية كل من فرنسا والسعودية والامارات والنظام المصري!

النظام المصري؟!

نعم النظام المصري متواجد منذ انقلاب الثالث من يوليو في سوريا بصواريخه، التي كان يمد بها النظام، وقد وثق الثوار تلك الصواريخ التي وجدوها في مخازن النظام في المناطق التي كانت مليشيات النظام تهرب منها، أما الآن فالنظام المصري موجود بالفعل بعساكره جنبا إلى جنب مع القوات الإماراتية في منبج، هذا ما أكده موقع ديبكا الصهيوني وشهد عليه عيان ممن سربوا الخبر من منبج، وبحسب الموقع، وثيق الصلة بالمخابرات الصهيونية، فإن بشار الأسد سيقبل وجود قوات مصرية في سوريا، لأن نظام السيسي قدم له الدعم خلال السنوات الأربع الماضية، كما رجح أن يقبل النظام السوري بوجود عسكري إماراتي، لأن أبو ظبي يمكنها تمويل عمليات إعادة الإعمار في البلاد، إضافة إلى أنها أعادت مؤخرا فتح سفارتها في دمشق، واعتبر الموقع أن وجود القوات المصرية والإماراتية سيفتح المجال لوجود عسكري عربي أكبر ممثل بالسعودية وغيرها، لمواجهة الوجود العسكري الإيراني في سوريا.

لكن في الحقيقة، الأخبار التي نشرها الموقع الصهيوني، ليست بالجديدة، فعسكر مصر متواجدون منذ أكثر من سنتين مع مليشيا حماية الشعب الكردي، أما الإمارات فلطالما كانت متواجدة مخابراتيا لتحريك الفصائل الثورية الساذجة والباحثة عن دعم، أي دعم، وكانت في ذلك داعم قوي للنظام السوري من خلال تحريك تلك الفصائل في الاتجاه الذي يصب في النهاية في مصلحة النظام على المدى البعيد، أو من خلال تأليب الفصائل على بعض لاستنفاذ قواها باقتتال داخلي يقضي فيه المئات، ويهجر فيه الآلاف من المدنيين لتسهيل مهمة النظام والمليشيات الإيرانية الموالية له، كما أن الإمارات كانت حاضرة في اغتيالات لقادة ميدانيين لإفقاد الثورة العقل المدبر ومن ثم تصبح صيدا سهلا للنظام ومليشياته.

كما أن هناك من يدعي أن الحملة الروسية التي أحدثت الفرق في السنتين الأخيرتين تم تمويلها من قبل كل من السعودية والإمارات، وهو ما يجعل من السعودية التي وضعت الثورة السورية في البراد دبلوماسيا خلال السنين الأربع الأولى منخرطة في خطة القضاء على الثورة السورية، وما كانت السعودية لتفعل ذلك وتدفع المليارات إلا بأوامر أمريكية وتحقيقا لمصلحة عليا وضعت لها أهداف في بنك أهداف التعامل مع الحالة السورية.

أما فرنسا، فقد سعت خلال الأيام الأخيرة لملئ الفراغ الأمريكي في سوريا، وعلى الرغم من أن الوجود الفرنسي الفعلي في سوريا لم ينقطع خلال السنوات السبع الماضية إلا أن تواجدها الآن أصبح أكثر ظهورا وفاعلية، ولم يكن الاتصال الهاتفي بين كل من الرئيس ماكرون والرئيس بوتين إلا عن دراية كاملة بأن جسر الوصول إلى مقعد بين الفاعلين في سوريا في يبدأ من الكرملين، قد يكون هدف ماكرون من الولوج إلى سوريا هو حجز قطعة من كعكة إعادة الإعمار التي بدأ الحديث عنها تزامنا مع دخول التسوية النهائية في سوريا الأمتار الأخيرة، كما يظن البعض، ومن ثم فإن الفاعلين على الأرض لهم جزء من الكعكة، لكن عندما نقرأ البيان الصادر عن الإليزيه والذي أقر بأن ماكرون دعا بوتين إلى الوقوف دون بدء تركيا عملية شرق الفرات، يمكن فهم تحركات النظام المصري وحليفه الإماراتي ورديفهم السعودية، بنك تمويل الخطط، ومن ثم نفهم سر غضب الرئيس أردوغان من ماكرون خلال الفترة الأخيرة واتهامه بمحاولة دعم الإرهاب الذي يهدد أمن بلاده القومي، فالكل له عند الرجل، بحسب ظنهم، ثأر يريد أخذه، فالنظام في مصر يرى ان تركيا تقف حجر عثرة أمام تمرير شريعة النظام الانقلابي الحاكم، أما الإمارات والسعودية فيرون ان تركيا وقفت أمام مخططهم لاجتياح قطر، أما فرنسا فأزمتها مع تركيا أن الأخيرة تريد الخروج من الدور الوظيفي الذي فرضته عليها لوزان وما بعدها.

الكل يلعب خلف خطوط تركيا وعلى تركيا أن تتحرك بحذر في حلق ألغام الكل ينتظر فيه خطوة غير محسوبة لتحقق هدفهم المنشود، فلازلت أرى أن انسحاب أمريكا من سوريا خدعة لتركيا لو لم تنتبه لها تركيا، لذا فأرى أن تريث تركيا في البدء في عملية شرق الفرات مهم حتى تتموضع كل القوى، وفي هذا السياق أرى أن قرار تمديد وجود القوات الأمريكية، قد يعطي الوقت الكافي للقيادة التركية تتحسس موطأ قدمها في ذلك الحقل المليء بالألغام.

وسوم: العدد 806