وزارة التعليم وسوء التربيّة
محمد حسام
أن تبدأ سنة دراسية وأنت متميّز أمر هيّن ولكن أن تنتقل من مدرسة لأخرى في منتصف سنة دراسية وتثبت تميّزك في صفك الجديد هو أمرٌ صعبٌ وشاق .. على الأقل بالنسبة لي .. في مدارس الزفت الحكومية ..
تركت مدرستي الابتدائية مجبراً .. وتأملت أن يبدلني الله خيراً منها ولكن ..
في الابتدائية
لم يكن دخولي في الصف الجديد كما تصوّر لنا أفلام أجنيبيا .. فقد تلقّيت صفعاتٍ من مدير المدرسة أمام أكثر من خمسائة طالب .. لا لذنب اقترفته .. سوى أني الضحيّة البريئة لإثبات ذات المدير الأحمق .. !
رافقني بعدها إلى الصف الجديد ولم يعرفني إلى تلاميذ صفي ولم يتعرف إلى اسمي أصلاً ولم يفرّق بيني وبين الباب الخشبي فدفعنا سويّةً وصرخ بصوته الأجش .. كصوت سيارة ديزل بلا "شوكمان" : عالعوافة آنسة .. قرد جديد بالصف .. شوفيلو مكان " ..
دخلت مطأطئ الرأس خجولاً منتظراً أن تفسح معلمتي ليَ مكاناً في المقاعد الأولى .. ولكنها آثرت إلا أن أجلس في آخر مقعد مع "زكرتاويّة" الصف .. بجانب أبو هزّاع "كشاش" الحمام .. خلف أبو صطيف الذي ضايقني وقوفه أمامي حاجباً عني رؤية المعلمة المصونة .. لم أكن أريد رؤيتها لأنها سحرتني بجمالها ..فهي تشبه معمل السكر بتفاصيله .. ولكن أن ترى أفضل من أن لا ترى ولا تسمع .. ولكن زال هذا الضيق ليس بجلوس أبو صطيف ولكن لقناعتي أنه لا يستطيع أن يجلس أكثر من ذلك !
من أول المهارات التي تعلمتها كيف تدخن بالطبشور .. تشخبط وتلخبط على ورقة بالطبشور .. ثم تلفها كسيجارة وتصفّق جاعلاً السيجارة بين كفيك وطرفها في فمك ثم تخرج دخاناً جميلاً وتشعر بأنك رجل الموقف ! .. أي موقف ؟! المهم ..
الشخصية التي رسمها لي المدرسون بريشتهم القذرة كانت كافية لإحباطي وإقناعي بأني لاشيء ولكي أحافظ على لاشيئيتي .. يجب أن أتعامل مع الوضع ..
تخرجت من المرحلة الابتدائية إلى الاعداديّة ومرتبتي السادسة .. ليس لأني مجتهد ونشيط .. ولكن المدرّسة الذكية جعلت للناجحين خمسة مراتب الأول من100% إلى 90% والثاني من 90% إلى 80% .. وهكذا لكي يُقال أن جميع طلابها كانوا من الأوائل .. وكان لي شرف النجاح بالمرتبة السادسة !
في الإعدادية
أتقنت اللعبة , وفهمت أن وزارة التعليم سمّيت بوزارة التربية زوراً .. يكفي أن تحصل على بعض العلم وأن تعتمد التعليم الذاتي و"تنفد" بريشك ..
لم يخدعني أبو علي مدير المدرسة عندما وضع قدمه على رقبة تلميذٍ مشاغب زاعماً أنه يريد تربيته وأن عمله ينبع عن تربية ..
ولم تثيرني الآنسة الشمطاء التي كانت تلبس بنطالاً لا يدخل ساقيها إلا بشق الأنفس .. وتفرح حين تدخل زحمة الطلاب , تعوّض عن نفسها حرمان النصف الآخر ..
حتى مدرّس التربية الإسلامية سقط من عيني إلى قمّة الحضيض ! حينما استمالته تلك الشمطاء للعب "البينغ بونغ" في وقت الفراغ .. حينها صرخت من خلفه "ياعيب الشوم عليك" واكتفيت بهذا الحد من الشجاعة هارباً منه خائفاً من بطشه ..
أنهيت المرحلة الإعدادية فرحاً بخروجي متفوّقاً على عكس توقعات الأساتذة الأفاضل .. خاصةً مدرسة العلوم التي يتردد صدى صوتها في عقلي حتى الآن حينما قالت : "انت رجل ورا رجل قدّام .. وطول مانك ورا هالشلة ما رح تفلح" وتمنّيت لو أتيتها برجليّ بعد تخرجي الموفّق ولكن لم يقدّر لي الله مقابلتها ..
الشلة التي كنت خلفها اجتمعت على كره الطائفية وكره مدرسة العربيّة التي عيّرت أحد التلاميذ بأمه المحجبة التي لا تجرؤ على المجيء إلى المدرسة لمقابلتها .. وعلى كره مدرّسة الرياضيات التي كانت تنجب طفلاً كل سنة مرّة فنبقى نصف السنة من دون مدرّسة .. في أحد الدروس تجرأت وطلبت أن تشرح ليَ المسألة الفلانية فأسكتتني وقالت "شرحتها للتو .. أين كان عقلك ؟!" ولكنها أعادتها أكثر من خمس مرّات لابن طائفتها البليد .
في الثانوية
في أول أيام هذه المرحلة .. جمعنا مدرّس التربية العسكرية في باحة المدرسة .. وصرخ وبيده المايك .. "اسمع الكلمة انت وياه يا حيونات .. حمار انت وياه ولا !!" ثم أبعد المايك وقال بهدوء : "لا تخلّوني إغلط بالحكي !"
لم أصمد للنهاية ..
هجرت فساد المدارس ..
واكتفيت بالتعليم الذاتي ..
ماذا عنكم ؟!
كنت أتمنى أن أخوض بتفاصيل المواقف التي مررت ويمر بها طلبتنا في مدارس الحكومة وتأثيرها النفسي على المدى الطويل .. وكيف يكون التعليم في "أجنيبيا" وكيف يكون مدرّسي المرحلة الابتدائية من أفضل المدرسين أما في بلدنا يكفي أن تحمل شهادة ثانويّة .. لكم وددت ذلك .. ولكن لا قِبَل لي بهذا الحديث .. وأتركه لأهل العلم ..