مجلس الأمن يتحمل المسؤولية عن السماح باستمرار جرائم الحرب
لجنة الأمم المتحدة للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا
مجلس الأمن يتحمل المسؤولية
عن السماح باستمرار جرائم الحرب
حمّلت لجنة الامم المتحدة للتحقيق في انتهاكات حقوق الانسان في سوريا القوى الكبرى المسؤولية عن السماح باستمرار جرائم الحرب في سوريا، ونددت باللجوء الى حصار المدن والتجويع كسلاح تستخدمه السلطة، داعية ـ في أحدث تقرير لتوثيق ما يحدث في سوريا ـ مجلس الأمن الدولي مجدداً إلى إحالة الانتهاكات الجسيمة لقواعد الحرب إلى المحكمة الجنائية الدولية.
وقال التقرير الذي أعدته لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة بشأن سوريا: «يتحمل مجلس الأمن مسؤولية السماح للأطراف المتحاربة بانتهاك هذه القواعد مع الإفلات من العقاب«.
وأضاف التقرير: «وفر هذا التقاعس مساحة لانتشار جهات فاعلة في الجمهورية العربية السورية ويسعى كل طرف إلى تنفيذ أجندة خاصة والإسهام في التطرف وتصعيد العنف«.
وقال المحققون المستقلون بقيادة الخبير البرازيلي باولو بينيرو إن المقاتلين وقادتهم ربما يتحملون مسؤولية ارتكاب جرائم لكن دولاً تنقل الأسلحة إلى سوريا تتحمل المسؤولية أيضاً.
وأشار التقرير إلى أن قوات نظام بشار الأسد حاصرت مدناً منها مدينة حمص القديمة وقصفتها بلا هوادة وحرمتها من الغذاء في إطار حملة «الجوع حتى الركوع». وأضاف التقرير أن سلاح الجو التابع لنظام الأسد أسقط براميل متفجرة على حلب «بكثافة صادمة» مما أسفر عن مقتل مئات المدنيين وإصابة الكثير.
والتقرير الذي جاء في 75 صفحة ويغطي الفترة من 15 تموز إلى 20 كانون الثاني هو السابع الذي تصدره الأمم المتحدة منذ تشكيل لجنة التحقيق في أيلول 2011 بعد ستة أشهر من بدء الانتفاضة على الأسد.
وقال فريق التحقيق الذي يضم 24 محققاً من بينهم كارلا ديل بونتي محققة الأمم المتحدة السابقة في جرائم الحرب إن جميع الأطراف انتهكت قواعد الحرب المنصوص عليها في اتفاقات جنيف.
وقال التقرير إنه على الرغم من تحقيق قوات النظام مدعومة بقوات أجنبية من «حزب الله« وميليشيات عراقية لبعض المكاسب، وصل القتال إلى حالة من اللاحسم مما تسبب في خسائر بشرية ومادية كبيرة.
وأوضح التقرير: «اعتمدت الحكومة على قوة النيران المتفوقة لسلاح الجو والمدفعية على نطاق واسع بينما لجأت الجماعات المسلحة غير التابعة للدولة إلى أساليب الحرب غير المتكافئة بشكل متزايد مثل التفجيرات الانتحارية واستخدام العبوات الناسفة«. وأضاف أنه في إطار استراتيجية تهدف إلى إضعاف قوات المعارضة وكسر إرادة قاعدتهم الشعبية حاصرت قوات النظام المناطق المدنية وقصفتها.
وأوضح التقرير «تحول الحصار الجزئي الذي يهدف إلى طرد الجماعات المسلحة إلى حصار شديد يمنع إيصال الإمدادات الأساسية بما في ذلك الغذاء والدواء وذلك كجزء من حملة ـ الجوع حتى الركوع«.
واوضح التقرير ان «اكثر من 250 الف شخص يخضعون للحصار في سوريا حيث يتعرضون بانتظام للقصف المدفعي والجوي. وهم محرومون من المساعدة الانسانية، من الغذاء والرعاية الطبية، وعليهم الاختيار بين الجوع او الاستسلام». واضاف ان «الحكومة تستخدم اسلوب الحصار واستغلال الحاجات الاساسية من مياه وغذاء ومأوى ورعاية طبية كعناصر لاستراتيجيتها».
وذهب التقرير أبعد من تقارير سابقة في شأن الاسلحة الكيماوية التي استخدمت في واقعتين في سوريا العام الماضي وقال إن مصدرها فيما يبدو مخزونات الجيش السوري.
وقال فريق المحققين المستقلين ان المواد الكيماوية التي استخدمت في ضاحية الغوطة في دمشق في 21 آب وفي خان العسل قرب حلب في آذار 2013 تحمل «نفس السمات المميزة الفريدة».
وجاء في التقرير «الادلة المتاحة المتعلقة بطبيعة المواد المستخدمة في 21 اغسطس/آب ونوعها وكميتها تشير الى ان الجناة كانت لديهم على الارجح امكانية للدخول الى مستودع اسلحة كيماوية للجيش السوري وأيضاً الخبرة والمعدات اللازمة للتعامل بشكل آمن مع كميات كبيرة من المواد الكيماوية«.
وأضاف التقرير: «في ما يتعلق بواقعة خان العسل في 19 آذار تحمل المواد الكيماوية المستخدمة في الهجوم نفس السمات المميزة الفريدة لتلك المستخدمة في الغوطة«.
ومن دون أن يذكر الجانب الذي يتحمل اللوم قال كبير محققي الامم المتحدة اكي سلستروم الذي قاد فريقاً من المفتشين في سوريا في يناير/كانون الثاني ان «من الصعب» تصور كيف يمكن للمعارضة وضع المواد السامة في اسلحة.(إعداد أميرة فهمي للنشرة العربية - تحرير دينا عادل)
وكشف التقرير أن قوات المعارضة التي تقاتل للإطاحة بالأسد لا سيما المقاتلون الإسلاميون الأجانب بما في ذلك تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام« (داعش)، كثفت الهجمات على المدنيين فضلاً عن احتجاز الرهائن وإعدام السجناء وتفجير السيارات الملغومة لبث الرعب.
وذكر التقرير أن قوات المعارضة في مختلف أنحاء سوريا «تسببت في آلام بدنية أو نفسية شديدة أو معاناة للمدنيين في المناطق الخاضعة لسيطرتهم» بمن فيهم السجناء.
وفي اشارة إلى منطقة الرقة في شمال سوريا الخاضعة لسيطرة «داعش»، قال التقرير: «الأفعال التي ارتكبتها الجماعات المسلحة غير التابعة للدولة... في المناطق الخاضعة لسيطرتهم ضد السكان المدنيين تمثل تعذيباً ومعاملة غير إنسانية وجريمة حرب وفي (الرقة) جريمة ضد الإنسانية«.
وأضاف التقرير أن قوات المعارضة طوقت بلدتي نبل والزهراء الشيعيتين لتحاصر 45 ألف شخص في محافظة حلب.
وتابع التقرير: «يفرض الحصار جماعات تابعة للجبهة الإسلامية وجيش المجاهدين وجبهة النصرة والجبهة الثورية السورية من خلال وضع نقاط تفتيش حول المنطقة وقطع خطوط الكهرباء وإمدادات المياه«.
وأوضح التقرير أن الحرب التي تدخل عامها الرابع الأسبوع المقبل أصبحت «مجزأة ومحلية للغاية» بخطوط جبهات متعددة تشمل أطرافاً مختلفة لها أولويات متغيرة.
وتقاتل قوات كردية في محافظات شمال شرقي البلاد جماعات مسلحة إسلامية متطرفة في «صراع فرعي مختلف».
وقال المحققون إن آلاف المقاتلين الأجانب انضموا للقتال مما أجج البعد الطائفي للصراع الذي يهدد بزعزعة استقرار المنطقة على نطاق أوسع.
وارتكبت جرائم حرب على الجانبين بما في ذلك التعذيب والمذابح والاغتصاب وتجنيد الأطفال. وقال التقرير: «تشن القوات الحكومية حملة قنص في بستان القصر« (حلب).
في يوم واحد في تشرين الأول عالج أطباء خمسة رجال مصابين برصاص في الفخذ. في الشهر نفسه اصيبت ست نساء حوامل برصاص في البطن، واعتقلت قوات المعارضة رجلاً (26 عاماً) على أساس ميوله الجنسية في تشرين الأول 2013. وقال التقرير «تعرض (الرجل) للضرب وعلق من ذراعيه في السقف على ايدي جماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام في الرقة. في 31 تشرين الأول جلدت جماعة الدولة الإسلامية مديرة مدرسة علناً في الرقة لعدم ارتدائها الحجاب«.
ونظراً لعدم سماح الحكومة السورية لها بالتوجه الى سوريا استندت اللجنة الى شهادات وصور اقمار صناعية ووثائق بصرية ومعلومات جمعت من عدد من المنظمات. وهي جمعت من اجل النسخة الاخيرة 563 شهادة جديدة، ما يرفع عدد الشهادات المسجلة منذ 2011 الى اكثر من 2600.
وأشار بينييرو الى اضافة اسماء مسؤولين جدد الى لائحة تحتفظ بها الامم المتحدة وغير منشورة باسماء مرتكبي جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية في سبيل احتمال احالتهم الى القضاء.
بريطانيا ترحّب
وفي أول تعقيب دولي على التقرير، قال وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ، «إن التقرير الجديد للجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة يقدم مزيداً من الأدلة المروعة عن وحشية النزاع السوري، وتدين المملكة المتحدة جميع انتهاكات القانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان والتجاوزات أياً كان مرتكبوها، وتدعو إلى احالة الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية لضمان محاسبة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية«.
وأضاف أن التقرير «يُظهر بوضوح أن (الرئيس) الأسد ونظامه مسؤولان عن معاناة الشعب السوري من خلال تصعيد حملة الهجمات الجوية العشوائية على المناطق المدنية، واستخدام الحصار والتجويع، والاعتقال على نطاق واسع ومنهجي، والاعتداء الجنسي على المدنيين«.
واعتبر هيغ، أن صعود الجماعات المتطرفة «كان له تأثير مدمر على حياة السوريين، بعد تزايد الأدلة على استخدامها الإعدام خارج نطاق القضاء والتعذيب وحرمان الناس من حرياتهم الأساسية«، مشيراً إلى أن تقرير لجنة الأمم المتحدة «ميّز بين الجماعات المتطرفة وبين فصائل المعارضة التي تقاتل من أجل سوريا تعددية وديمقراطية«.
وقال إن الغالبية العظمى من الشعب السوري «لا تريد الاستبداد ولا الإرهابيين، وسنستمر بالعمل في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لادانة انتهاكات حقوق الإنسان وبأشد العبارات التي على يد نظام الأسد والجماعات المتطرفة، ومحاسبة المسؤولين عنها أمام العدالة«.
رويترز، أ ف ب، يو بي أي